نشرت صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا، أعده توني باربر، قال فيه "إن أوروبا مختلفة بشأن الحرب في غزة".
ورأى التقرير أن "درجة حرارة الخلاف السياسي حول النزاع نابعة من التأثير القليل نسبيا للاتحاد الأوروبي عليه. فبعد خمسة أشهر، تستمر حرب غزة بتعقيد الدبلوماسية الأوروبية، وتغضب
الرأي العام، وتشعل السياسة في دول".
وتابع بأن "الحقيقة المرة هي أنه لا يوجد ما يمكن للاتحاد الأوروبي عمله لكي يحدد نتيجة الحرب، إلا أن استمرار الحرب يعني تعرض أوروبا لتداعياته".
وأضاف أن "تأثيرات الحرب في غزة ليست مُنحصرة في أوروبا، بل طالت الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي واجه معارضة في الانتخابات التمهيدية في ولاية ميتشغان، عندما قرر الأمريكيون العرب عدم الالتزام بالتصويت له"، متابعا بأن "ميتشغان هي ولاية هزم فيها بايدن ترامب عام 2020، وبفضل أصوات أكثر من 150,000 عربي. وفي أوروبا، فتداعيات الحرب عليها ليست أقل خطورة".
وبحسب كلوديا دي مارتينو وروث هانو سانتيني، في مقال على موقع "أسبينيا" ونشر في كانون الأول/ ديسمبر، "تمثل الحرب في غزة انقساما سياسيا جديدا في أوروبا، ويشمل ثلاث مجموعات من الدول، وتعمل فجوة واسعة بين مواقف الحكومات والرأي العام وبشكل متواز زيادة عالية في معاداة السامية وكراهية الإسلام".
وبدت الدبلوماسية الأوروبية في حالة دفاع بسبب الحرب على غزة، التي وجّهت ضربة قاسية لجهود الاتحاد الأوروبي تعبئة حكومات أوروبا وأبعد منها لدعم حق أوكرانيا بالدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي. فيما قال لويجي سكازيري من مركز الإصلاح الأوروبي، إن "عدم استعداد أوروبا لاتخاذ خطوات متماسكة من العمليات الإسرائيلية في غزة، قوى من السرديات حول المعايير المزدوجة ومعاملة دعم أوكرانيا بأنه قتال من أجل مستقبل النظام القائم على القواعد وعدم استعداده في المقابل لمحاسبة إسرائيل".
كما وضعت الحرب علامة استفهام على مصداقية قوة أوروبا الناعمة والتي كان ينظر إليها كرصيد لقارة تعاني من قصور في الثقل العسكري. وفي مقال نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لجيمس لينتش وافق فيه أن "القوة الناعمة" لأوروبا نابعة من ازدهارها الاقتصادي وقيمها الاجتماعية ، إلا "قوة أوروبا الناعمة ربما عانت ضربة لا إصلاح لها في العالم العربي. ويبدو أن الساسة الأوروبيين حسبوا أنهم يستطيعون تحمل الضرر قصير الأمد على سمعتهم وأن علاقة أوروبا القائمة ستعود كما كانت عليه عندما يتوقف القتال في غزة"، ولكن هذا سوء تقدير؛ لأن المفاهيم بشأن أوروبا تنهار بالمنطقة.
اظهار أخبار متعلقة
وأشار الكاتب إلى أن "التصويت في داخل الأمم المتحدة كشف عن انقسام الحكومة الأوروبية. ففي التصويت الأول الذي دعا لوقف إطلاق النار، دعمت ثماني دول القرار وعارضته أربع دولة وامتنعت 15 دولة عن التصويت. وفي القرار الثاني الذي دعا لوقف فوري إنساني لإطلاق النار والإفراج بدون شروط عن الأسرى الإسرائيليين، صوتت 17 دولة في الإتحاد الأوروبي لصالحه وعارضته دولتين وامتنعت ثماني دول عن التصويت له. وانقسام كهذا يعقد من مهمة مسؤول السياسات في الإتحاد لتقديم موقف واحد تدعمه الدول الـ 27 عضوا في الاتحاد".
ويعتقد الكاتب أن "الخلافات الأوروبية بشأن الشرق الأوسط متجذرة في تاريخ كل دولة أوروبية في الفترة ما بين الحربين العالميتين والقرن العشرين. دولة التشيك من أشد المناصرين لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الإتحاد الأوروبي، أما إسبانيا فهي من أشد المؤيدين لفلسطين".
وركز مقال كتبه توماس جيتشوفوسكي على مناصرة التشيك لدولة الاحتلال الإسرائيلي ركز فيه على سيطرة الإتحاد السوفييتي على تشيكوسلوفاكيا عام 1948 وانهيار الثورة القرمزية عام 1989، فقد حافظت موسكو طوال الوقت على علاقات قوية مع الدول العربية المعادية للاحتلال الإسرائيلي. وكان على الدول التابعة للاتحاد السوفييتي الالتزام بنفس السياسة من الشرق الأوسط.
وبعد عام 1989 مثل الموقف المؤيد للاحتلال الإسرائيلي استقلالية التشيك ببناء سياسة خارجية خاصة ومتحالفة مع الولايات المتحدة. وبالمقارنة، فعلاقة إسبانيا كانت مضطربة مع الاحتلال الإسرائيلي ولم تقم علاقات دبلوماسية معها إلا عام 1986.
وهذا بسبب معاداة إسرائيل لديكتاتورية فرانكو واستمرت منذ الحرب الأهلية الإسبانية ما بين 1936-1939 وحتى 1975. وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حاولت إسبانيا بناء علاقات مع العالمين العربي والإسلامي وتأمين الاستقرار مع جيرانها في شمال أفريقيا ومنطقة البحر المتوسط.
ومن اللافت للنظر أن السياسة الإسبانية تنقسم إلى يمين ويسار وبين الحكومة المركزية في مدريد والانفصاليين في كتالونيا إلا أن ما يجمعها هو دعم
فلسطين. والاستثناء الوحيد هو حزب فوكس المتطرف، فقبل ظهوره صوتت كتلة من النواب في البرلمان بالإجماع على مقترح عام 2014 للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لكن ما هو موقف الرأي العام من الحرب؟
ففي تحليل لصحيفة "فايننشال تايمز" وجد أن نصف من استطلعت "يوغوف" مواقفهم من النزاع عبروا عن عدم اهتمام بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وفي استطلاعات لاحقة أجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر وجدت الناخبين غير ملتزمين بنسبة 24- 31 في المئة؛ قالت إنها تتعاطف مع الطرفين، وشملت الاستطلاعات سبع دول أوروبية وهي الدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وبريطانيا.
وقالت نسبة 27- 37 في المئة إنها غير متأكدة. ما يقترح أن المواقف العاطفية الواعية والمواطنين الناشطين، سواء متعاطفة مع فلسطين أو دولة الاحتلال الإسرائيلي، هي ممثلة لكل المجتمعات الأوروبية. لكن استطلاعات يوغوف تعبر عن توجهات مختلفة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
اظهار أخبار متعلقة
فالجيل الشاب تحت سن الـ29 عاما متعاطف أكثر مع الفلسطينيين، فيما يبدو الجيل ما فوق الـ45 عاما أكثر تعاطفا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويبدو الميالون لليسار أكثر تعاطفا مع فلسطين، مقارنة مع أتباع اليمين الداعمين للاحتلال الإسرائيلي. وفيما يخص الأحزاب السياسية الأوروبية التي تميل لليمين المتطرف ويعرف عنها عداءها للسامية، فإنها تبنت موقفا معاديا لفلسطين. وهذا الموقف مرتبط بالعداء المستحكم للإسلام وموقعه في المجتمع الأوروبي، وبخاصة في الدول ذات الأقليات المسلمة الكبيرة مثل فرنسا وهولندا.