صديقي الذي في غزة.. أين هو الآن؟ لا أدري!
في أي مكان؟ في أي زمان؟ في أي ظرف؟
انقطعت وسائل الاتصال..
هو أستاذ دكتور في الجامعة الإسلامية، التي هدمت حجارتها، وتَدمّر
موقعها الإلكتروني، واغتيلت على مرأى العالم كوادرها التعليمية الأكاديمية..
فلسطينيٌّ في الصميم، ولد وترعرع في مخيم النصيرات، وقبلها هُجّر
أهلُه من "وادي حنين" في العام 1948.. شارك في الانتفاضة الأولى عام
1987، وجُرح بعيار مطاطي في عينه اليسرى، ومن الانتفاضة دخل عالم الشعر. اعتقله
الاحتلال في أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991، فاكتملت أجنحته الأدبية في
المعتقل، وأطلق عقال الشعر وأخرجه من قمقمه..
باختصار، جرّب معظم طقوس الشخصية
الفلسطينية وعاداتها.. ثم كتب الشعر
في تجربته وفي الشهداء.
إنه الدكتور كمال غنيم..
الشاعر اللاجئ المولود في مخيم النصيرات عام
1966.. والناقد المبدع، والفنان المسرحي الذي كان يتولى إدارة أفواج التخرج في
الجامعة الإسلامية، بكل ما فيها من إبداع شعري ومسرحي في الحفلة السنوية التي
ينتظرها أهل غزة بكل مفاجآتها الجميلة والحزينة.
في نيسان (أبريل) من العام 2006 جاء من غزة، وجئت من بيروت، لألتقيه
في ثلاثة أيام غنية زاخرة في دمشق، تجوّلنا في رحلة ثقافية مع الصديق الشاعر سمير
عطية من دمشق إلى قلعة حلب ومخيماتها إلى نواعير حماه إلى حمص ومخيماتها.. كان
حديثاً مليئاً بالشعر والنقد (حرفته التي لا يبارزه فيها أحد منا) والمشهد الثقافي
الفلسطيني في فلسطين.
وكما يقول: "لكل فلسطيني عشرات القصص من قصص المعاناة، ولي
مثلهم أكثر من قصة وحكاية، فقد كادت أن تودي بعيني اليسرى طلقة مطاطية، ما زلت
أعاني من آثارها، وقد جربت عذابات الأسر والاعتقال، وعايشت عشرات المرات أشكال
الطوق والحصار، وكانت رحلة التعليم العالي كتاباً مفتوحاً من كتب الشقاء والنحت في
الصخر، من إغلاق للجامعة في غزة، ومنع من السفر إلى نابلس ومصر، ولكن رحمة الله
كانت أوسع مما نظن في كل مرة".
حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها من الجامعة الإسلامية بغزة عام
1991، وعلى ماجستير في الأدب والنقد من جامعة النجاح الوطنية بنابلس فلسطين عام
1997، وعلى دكتوراه في الأدب والنقد بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة عين
شمس بالقاهرة وجامعة الأقصى (البرنامج المشترك) عام 2001.
يعمل أستاذاً في اللغة العربية وآدابها في الجامعة الإسلامية في غزة
منذ عام 2001، متخصصاً في مجال النقد، وفاجأني أنه في أحد كتبه قراءة نقدية في
قصيدة لي بعنوان "ماذا تبقّى؟!".
مجتهد في الخدمة المجتمعية وتفعيل المشهد الثقافي وحركة البحث
العلمي، حصل على عدة جوائز، وتولّى عدة مناصب أكاديمية وإدارية.
وهو عضو في لجان كثيرة أهمها: مركز بيسان الثقافي، ورئيس الرابطة
الأدبية، وعضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين منذ عام 1995.
شارك في العديد من المؤتمرات والفعاليات الأدبية.
مؤلفاته في النقد
ـ عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر.
مكتبة مدبولي، القاهرة، 1998.
ـ المسرح الفلسطيني، دراسة تاريخية نقدية
في الأدب المسرحي (أطروحة الدكتوراه). دار الحرم للتراث، القاهرة، 2002.
ـ الإمام الشهيد أحمد ياسين في عيون
الشعراء، الجامعة الإسلامية غزة، 2004.
ـ الأدب العربي المعاصر: أوراق في الأدب
والنقد، الجامعة الإسلامية غزة، 2005.
دواوينه الشعرية
ـ شروخ في جدار الصمت 1994.
ـ شهوة الفرح 1999.
ـ جرح لا تغسله الدموع 2007.
من أعماله الفنية:
ـ أوبريت الانتصار.
ـ يا ناس عيب.
ـ طيور بلا أجنحة.
ـ أوبريت القدس.
ـ الثعبان.
من قصائده الأولى، التي كتبها في السجن:
هنا دمنا
على قبرٍ سينسكبُ
لينبت من تراب القبر
من ذهبوا
وينمو الورد جنب الشوك،
والحنّون يلتهبُ
ويحلو الموت وسط الصمت
يا وطني
صمتي صرخة كبرى
لها لهبُ
وكف تُفتّح الأبواب في لهفٍ
وتعلو...
في سماء المجد تغتربُ
وتبني ما تهدّم من جوانحنا
وتنسج
من ضياء الشمس
أفراحاً ونقتربُ
وكتب في السجن أيضاً:
ما الشعر إلا نفحة قدسية
وتوجُّع كتَوَجُّع الشهداءِ
في القلب قد نبض الهوى متحفّزاً
والنار تجأر من جوى الأحشاءِ
والليل يمضي واجماً ومحطماً
والفجر يبزغ من دم البؤساءِ
لم يبق إلا طلقتان وصرخةٌ
ويكون طوفان بلا إرجاءِ
صوت المصلين الألى بزغوا،
حجر الشهيد، وصرخة الشعراءِ.
أغاريد وفاء (رباعيات)
أيها الشعر تقدَّمْ مشرقًا بعد اختفاءْ
كن شموسًا لظلام مسَّنا فيه الشقاء
وشفاءً لقلوبٍ مثقلاتٍ بالعناء
وربيعًا لعيونٍ أدمنتْ فينا البكاء
☆☆☆☆
أيها الشعر تقدم في مدارات الوفاء
واجعلِ الفجرَ ضياءً يحتوينا ونقاء
وازرعِ الكونَ زهورًا وعطورًا ورجاء
إننا بالشعر نحيا أنقياءً أتقياء
☆☆☆☆
وإذا الليل تمطَّى في ديار البؤساء
فاقتبِسْ نارًا وصوِّب في صميم الكبرياء
وليكن جيشُك أنقى من قلوب الشعراء
إنَّ خلْفَ النور نارًا بين سِلْمٍ واعتداء!!
☆☆☆☆
أيها الشعرُ تقدم نحو ليل الغرباء
وامسحِ الدمعةَ دومًا من خدود الأشقياء
وارسمِ البسمةَ لونًا في فضاءات اللقاء
إننا يا شعر نهوى الشعراءَ الأوفياء