حين قال الرئيس الأمريكي بايدن للعالم من أيام قليلة
تعليق على ما يحدث في
غزة: "إننا في لحظة فارقة في التاريخ" فقد كان
يعنى ما يقول حرفيا وفعليا، والأغلب أن هذه الجملة أُمليت عليه، من مراكز "التفكير"
التي تدير المعركة الآن على نطاقها التاريخي الأوسع.. ويعرفون جيدا "
حماس"
التي قد يكون توصيفها الميداني كحركة مسلحة هو آخر توصيف لها.. فحماس هي امتداد
وتطور للحركة الإصلاحية في المشرق العربي من القرن الثامن عشر..
ويصح القول هنا بأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان "الزلزلة
العظيمة" التي أتت على أرضية كل شيء فأظهرت فيه "الحقيقة" كلها على
أبين ما يكون ظهورها ومظهرها، فكأنها وُلدت من جديد، وبكل ما تحمله كلمة الحقيقة
من حمولات.. هل نقول الإيمان والاعتقاد؟ هل نقول المفاهيم والأفكار؟ هل نقول
الفرضيات والوقائع؟ هل نقول الفهم والتصور؟ هل نقول النظرية والمعادلة؟ هل نقول
التاريخ وإرادة الإنسان فيه؟ والإنسان والتاريخ اللذان حيرا الفيلسوف الألماني
هيجل (ت: 1831م) هما بالفعل الحقيقة الناصعة، التي لا يختلف عليها اثنان.. إنهما
يجسدانها تجسيدا أمام أعيننا.
أحد العسكريين المخضرمين قال: ما حدث وجرى تنفيذه في 7 تشرين
الأول/ أكتوبر مع فرقة غزة (لواءين).. يتجاوز النوع البشرى في مثل هذه الأحوال..
وسيحلله لنا الكاتب
الإسرائيلي الشهير جدعون ليفي (71
سنة) وصاحب كتاب "منطقة الشفق.. الحياة والموت في ظل الاحتلال الإسرائيلي..
معاقبة غزة" وسيقول لنا في مقال له في جريدة هآرتس يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر:
"أين الجيش وجهاز الأمن الشاباك بكل وسائلهما، وطائراتهما المسيرة، وتنصتهما،
وذكائهما البشري والاصطناعي، وابتزازهما للمصادر البشرية (يقصد العملاء)، وعباقرة
وحدة النخبة 8200؟.. ألم يكن لدى أي أحد منهم أدنى فكرة؟ إن نجاح حماس حدث
استراتيجي رهيبا"..
* * *
لكن المهم هنا على ذكر هذا "الرجل الخطير"..
أنه كان قد كتب مقالا في 30 أيار/ مايو الماضي في جريدة "هآرتس" وأنذر
فيه بما يحدث الآن!!..
ويبدو أن المعلومات الذي توفرت لديه وبنى عليها رأيه
هذا، قد وصلت إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتفسر لنا بعقلانية شديدة، وبحس
إيماني ووطني بالغ القوة، في القرار والتنفيذ، ما حدث في "سبتهم الأسود"،
ماذا قال جدعون ليفي؟
قال إن من بين الإنجازات التي يمكن أن يضيفها نتنياهو
إلى رصيده، قدرته على "إلغاء حل الدولتين" بشكل دائم وإزالة القضية
الفلسطينية برمتها من جدول الأعمال العام.
وقال إن الاهتمام بحل الدولتين لم يعد موجودا داخل وخارج
إسرائيل (عباس يا عباس.. أين أنا يا عباس).. وأضاف أن هذا تطور كارثي لأي طرف آخر،
وأن التعامل معه باللا مبالاة "كارثة أخرى".. وحذر من حدوث "نكبة
ثانية"، حرفيا ذكر ذلك في أيار/ مايو الماضي..!!
واختتم مقاله بالتأكيد على حتمية الوصول إلى تلك النقطة
في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى بعد فترة طويلة، وقال إن ذلك اليوم سيأتي،
عندما يوجه السلاح إلى رؤوسنا..!!
* * *
لم تمض فترة طويلة.. فقد تم توجيه السلاح إلى رؤوسهم
بالفعل، كما توقع الرجل الخطير.. لكن الأخطر، كيف حصلت "حماس" على هذه
المعلومات المرعبة..؟ إذا بنينا تصورنا على أن 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان "الغداء
بهم قبل العشاء بنا".. فهذا مما قد يفسر لنا حالة الهرولة الغربية الهلوعة
إلى هذا التدخل المثير.
الحصول على المعلومات المؤكدة، بدقة مؤكدة، والإعداد
والتنفيذ الفوري بثقة مؤكدة ونجاح كبير.. كيف حدث كل هذا.. وماذا وراءه؟ ومن وراءه؟..
والذي سيجعل د. يوري يوسف، أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في
جامعة حيفا، يقول تعليقا على ما جرى: إن هناك انفجارا سياسيا جوهريا سيلازمنا لوقت
طويل.. دولة إسرائيل ستكون في حاجة إلى قائد بحجم "دافيد بن جوريون"
يُعلن أن هدفه هو إقامة دولة إسرائيل مجددا!!
ماذا سيفعل هذا القائد في إسرائيل المجددة؟ يقول: يحدد
أهدافا واقعية، ستسود حالة من الشعور بانعدام الأمن لفترة طويلة، غير أن مثل هذا
القائد سيكون ملزما بإدراك حقيقة أن الأمن لن يتحقق بطائرات إف 15، وإنما بتسوية
تستجيب للاحتياجات والتطلعات الفلسطينية (احتياجات وتطلعات؟!).. لقد فات الوقت
أيها البرفيسور الكبير، هذا كان قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر..
لكن الرجل لم يقل لنا مَن في الشعب الإسرائيلي سيبقى
ويقبل العيش في "حالة من الشعور بانعدام الأمن لفترة طويلة" كما قال..
وأمامه بدائل أخرى في العودة إلى وطنه الأم؟ والأخطر، مَن في الشرق الأوسط سيقبل
بأن تكون "الكلمة الأخيرة" في هذا الصراع هي "كلمة حماس"..؟
* * *
مرة ثانية سيقول لنا "جدعون ليفى" في هآرتس،
في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي: إسرائيل ستدفع الثمن، وسيكون أثقل مما يبدو لها
الآن.. إسرائيل على وشك الدخول في حرب كارثية، أوهي دخلتها فع لا.. (ألم أقل لكم إنه
رجل خطير).
twitter.com/helhamamy