فيما
تشهد علاقات دولة
الاحتلال مع دول العالم حالة من المدّ والجزر، فإنها اعتادت بالفعل
على صدور الإدانات الدورية من
الصين في العدوان المتواصل على
الفلسطينيين، والعمل ضدها
في الأمم المتحدة، لكن استضافة بكين للرئيس الفلسطيني محمود عباس يمكن اعتباره أكثر
من مجرد مصباح تحذير رمزي.
مع أن
عباس الذي زار بكين قبل أيام، يعتبر أول رئيس خارجي يزورها منذ بداية هذا العام، وبذل
الصينيون قصارى جهدهم ليؤكدوا له مدى الأهمية التي يعلقونها على القضية الفلسطينية، ما يشير إلى المستوى العالي من العلاقات الطيبة والودية بين الصين والفلسطينيين؛ فإن
الرئيس شي جينبينغ أعلن عن شراكة استراتيجية بينهما، وهي مكانة مماثلة لما حصلت عليه
بعض دول المنطقة مثل مصر والسعودية وإيران.
غاليا
لايفي المؤرخة الإسرائيلية بشؤون الصين بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب،
أكدت أنه "في هذا الوقت لا مفر من الاعتراف بأن العلاقات الإسرائيلية الصينية
آخذة في التدهور من وجهة نظر سياسية دبلوماسية. ورغم عودة وفود تجارية من الصين زارت مؤخرًا دولة الاحتلال، فإن بكين تواصل إدانتها على مستوى المؤسسات الدولية، ودأب مسؤولوها
على الاتصال بنظرائهم الإسرائيليين لمطالبتهم بالحفاظ على ضبط النفس، وتخفيف التوترات،
ومع مرور الوقت لم تعد تصدر الإدانات الصينية لإطلاق الصواريخ على إسرائيل".
وأضافت
في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن
"استقبال الصين الكبير لعباس في زيارته يعني إرسالها إشارة دبلوماسية سلبية لإسرائيل،
عندما تجاوزت قواعد البروتوكول الصارم الذي حددته بنفسها، من خلال دعوتها لرئيس السلطة
الفلسطينية لزيارتها، دون أن تكون هناك دعوة موازية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، مع أنه إذا تمت دعوته لزيارتها، فمن المشكوك فيه أن تحدث على خلفية التنافس
المتزايد بين الصين والولايات المتحدة، وحقيقة أنه لم تتم دعوته بعد للبيت الأبيض منذ
تشكيل حكومته".
وأشارت
إلى أن "هذه المعطيات تشير إلى حالة من الركود الدبلوماسي بين بكين وتل أبيب،
بالتزامن مع استثمارات الصين الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، وإعلانها الالتزام
بالاستثمار في أربعة مشاريع: منشأة للطاقة الشمسية، ومصنع لإنتاج الألواح الشمسية،
ومصنع للصلب، وتطوير البنية التحتية للطرق، رغم أنه حتى لو تم منح الموافقة الإسرائيلية
على المشاريع، فليس مؤكدا أن الشركات الصينية ستنحرف عن القاعدة، وتوافق على تحمل المخاطر
الاقتصادية، لأنهم لم يترددوا بالدخول في استثمارات في مناطق غير مستقرة".
واستدركت
بالقول إن "المساعدات الإنسانية التي قدمتها الصين للفلسطينيين محدودة للغاية
مقارنة بالدول الأوروبية والولايات المتحدة، كما أن تجارتهما البينية تتعثر، رغم أن
حجمها بلغ 158 مليون دولار في 2022، معظمها صادرات صينية للسلطة الفلسطينية، أما الواردات
منها فتقدّر بمئات آلاف الدولارات فقط، لكن التدخل السياسي الصيني في الصراع بجانب
الفلسطينيين، سيوقع إسرائيل في فخ، لأنه بجانب الوعود الصينية بالاستثمارات في الأراضي
الفلسطينية، فقد اختار عباس في زيارته التركيز على الفوائد السياسية المحتملة".
وكشفت
أن "ما يقلق إسرائيل أن عباس طلب من الصينيين مناقشة الجهود المبذولة لتقديم
"فلسطين" كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، والجهود المبذولة لإشراك محكمة
العدل الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية، ولعل عباس خرج
سعيدا عقب سماعه استعداد الصين لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق مصالحة داخلية، وتعزيز
محادثات التسوية مع إسرائيل، مع العلم أن الرئيس الصيني الذي يحمل على كاهليه أمجاد
رعاية الاتفاق الإيراني السعودي، يسعى لتكراره بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
وأشارت
إلى أن "أبا مازن دأب على تقديم العديد من الخطط السياسية لحلّ النزاع، لكن خطته
الحالية المقدمة للصينيين بدت عامة جدًا، ولا تحدد خطوات عملية، ولكن يصعب معرفة ما
إذا كان عباس يعتقد حقًا أن الصين تريد التوسط بين الطرفين، أم إنه على استعداد لقبول
هذا الكلام للاستمرار بالاستفادة من دعم الصين في الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت للإشارة
للولايات المتحدة إلى أن الفلسطينيين، مثل السعودية والإمارات، مستعدون لاعتبار الصين بديلاً
محتملا لواشنطن".
الخلاصة
الإسرائيلية أنه حتى وإن لم تحقق زيارة أبي مازن إلى الصين أي فائدة، على الأقل في الوضع
الحالي، لا سيما في ضوء الموقف الواضح المتمثل في اتخاذ الصين مواقف لصالح الفلسطينيين،
فلا يمكن لدولة الاحتلال أن تظهر كمن تدير ظهرها لصديقتها المقربة الولايات المتحدة،
وبالتالي فإن هذا المعسكر الجديد يمكن أن يضرّ بعلاقات الاحتلال مع الاقتصاد الثاني
الأكبر في العالم، وهو الصين.