عدوان جديد على
الأقصى، لا يختلف كثيرا عن عدوان الكيان الصهيوني
المستمر، سواء على مستوى الأقصى، أو على مستوى كل بقاع
فلسطين المحتلة، ولكن
الجديد هذه المرة هو كم الوقاحة والجرأة في التعدي على المصلين، نساء ورجالا، ثم
تحطيم وتكسير أبواب المسجد، وإلقاء قنابل الغاز وتخريب محتويات المسجد، ومشاهد
محزنة ومخزية في آن واحد.
لقد أصبح عدوان الكيان كل عام في شهر رمضان تقليدا ثابتا، وجريمة
معدة ومخططا لها كل عام، فمنذ مذبحة الحرم الإبراهيمي، والتي كانت ضد مصلين عزل
برآء في صلاة الفجر، والتي راح ضحيتها عدد كبير، حين فتح إرهابي النار عليهم، ودون
أي محاكمة تذكر له، اللهم إلا التبرير بأنه مريض، أو مجنون، بينما لو كان الفاعل
مسلما لوصف العمل بالإرهاب الإسلامي كالعادة.
وعلى مدار أعوام أخيرة، ندر أن يخلو شهر رمضان من عدوان عسكري
للكيان، سواء ضد غزة، أو ضد الأقصى، يسفر عن خسائر في الحجر والبشر، وفي المقدسات،
مما جعل الإنسان يقف عدة وقفات أمام هذا التبجح والإجرام المنظم والمستمر في شهور
الطاعة المتميزة عند المسلمين.
فالوقفة الأولى مع كم الجرائم التي تمارس، وطبيعتها، فطريقة العدوان
الصهيوني على النساء، بطريقة مستفزة، أدى لإصابة البعض، والتعامل مع البعض الآخر
بطريقة مهينة ولا أخلاقية، جعل الناس تترحم على أخلاق عرب الجاهلية، الذين كانوا
يرفضون المساس بالمرأة، ولو كانت من الأعداء.
الواضح أن هذه العدوان على الأقصى في هذه المرة، هو محاولة لتفريغ
الغضب الداخلي في المجتمع الصهيوني، بعد حراك الغضب ضد نتنياهو، والذي أجبر فيه
على إلغاء قرارات تتعلق بالقضاء، فهنا لا بد من محاولة ترميم ما تهالك من شعبيته
وسياسته، فيوجه العدوان نحو الفلسطينيين ومقدساتهم، في ظل سلطات عربية ما بين
عميلة أو متواطئة، لن تحرك ساكنا، بل ستقوم بدور المانع لأي حراك، حتى لو كان
شعبيا كما كان يحدث من قبل في كل حادث كبير أو صغير في فلسطين.
وهذا ما جعل الناس تقارن بين مشهد تكبيل الشباب الفلسطيني في الأقصى
من الخلف، وأسرهم في المسجد، والتخريب الذي حدث في الأقصى، وبين ما حدث في مسجد
رابعة في مصر على يد الانقلاب العسكري، وهو ما يتبجح به أحيانا بعض السياسيين
الصهاينة، بأنهم لم يفعلوا بنا ما فعل الحكام العرب بشعوبهم!!
كل عدوان يمارسه الكيان يجد أمامه الشباب والنساء من الشعب الفلسطيني الأعزل، يصمد ويثبت بكل صلابة، وهم يعلمون أن الأمة كلها خلف ظهرهم مؤيدة، ولا يمنعها من الانضمام إليهم إلا سلطات جاء بها الكيان لتكون حامية لظهره
اللافت للنظر أن معظم الاعتداءات الصهيونية تكون كاشفة عن الصهاينة
العرب أكثر من الصهاينة الأصليين، فالعجيب أننا لم نجد استنكارا ممن رأيناهم
يملأون وسائل التواصل والإعلام بالنيل من الرموز الإسلامية، والمشاعر الإسلامية،
فلم نجد منهم حديثا عن الاعتداء على المقدسات، ولو أن عملا عنيفا مورس ضد كنيسة أو
كنيس، لرأيتهم يبادرون بالاستنكار، ونحن أولهم نرفض ونستنكر، ولكنهم عند الاعتداء
على مقدسات المسلمين، يلوذون بالصمت.
ففي كل شعيرة يقوم المسلمون بأدائها، تجد هؤلاء يصرخون في الإعلام
متحدثين عن رفضهم لطريقة أداء الشعيرة، فعندما يأتي عيد الأضحى تخرج بعض الأصوات
بأنها مذبحة للحيوان، بينما الآن سبب هذه الاعتداءات هو الإعلان عن قرابين تذبح في
الأقصى، أي أنها ذبائح، وفي مكان عبادة للآخرين، ومع ذلك لم نسمع لهؤلاء صوتا
يستنكرون فيه.
بل زاد الأمر قبحا فرأينا بيانا لدولة عربية تلوم الشباب المعتصم،
وكأنه هو الذي راح يجر شكل الأمن الصهيوني، والصور والفيديوهات تبين بوضوح اعتداء
الأمن على المصلين، بل إخراجهم من الصلوات بشكل مستفز، وغير مقبول في أي دين من
الأديان، بل بالتهديد بالقرابين في الأقصى!!
وكشفت الاعتداءات كذلك، ما كان يعلنه دعاة التطبيع، سواء التطبيع
السياسي، أو الفقهي مؤخرا، على يد مشايخ توجههم السلطة، فسقطوا أيضا، فلم نجد لهم
بيانا يدين العدوان على مقدساتنا، ولا على نسائنا، ولا على شبابنا المصلي المعتكف
في مسجد له قداسته ومكانته في ديننا، وقد كانوا يعللون دعوتهم للتطبيع بأنه لصالح
أهل فلسطين، ولو كانوا يملكون أقل قدر من الحياء، أو من التدين الحقيقي لكان لهم
دور بالإنكار، بل وبالرفض بكل شدة لما يمارس ضد الشباب والنساء في الأقصى.
الحقيقة أن كل عدوان يمارسه الكيان يجد أمامه الشباب والنساء من الشعب الفلسطيني الأعزل، يصمد ويثبت بكل صلابة، وهم يعلمون أن الأمة كلها خلف ظهرهم
مؤيدة، ولا يمنعها من الانضمام إليهم إلا سلطات جاء بها الكيان لتكون حامية لظهره،
وكابتة لهذا الشعور الحي في الشارع العربي، ولكن الله عز وجل كتب على هذه البقعة
الجهاد والنضال إلى يوم القيامة، نصرهم الله، وقوى ظهرهم، وشد من عزيمتهم، ونصرهم
نصرا عزيزا مؤزرا.
[email protected]