قضايا وآراء

زلزال صيني وقع في قلب أمريكا!

أميرة أبو الفتوح
لم تكن المفاجأة هي التصالح بين الدولتين اللدودتين بقدر حدوثه في الصين- واس
لم تكن المفاجأة هي التصالح بين الدولتين اللدودتين بقدر حدوثه في الصين- واس
لا شك أن خبر عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية، الذي صُنع في بكين، هو قنبلة سياسية صاعقة وجهتها الصين لأمريكا في مقتل ضمن سياق الحرب الباردة الدائرة بينهما، وقد تخلط أوراق الخريطة السياسية العالمية؛ إذ نجحت الصين بدبلوماسيتها الناعمة في اختراق منطقة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، ما يجعلها لاعباً سياسياً هاماً في منطقة الشرق الأوسط، من شأنه إضعاف أمريكا في المنطقة، وإنهاء الفزاعة الأمريكية التي صنعتها لابتزاز دول الخليج لنهب أموالهم أو "حلبهم" بتعبير الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، بحجة حمايتهم من البعبع الإيراني!

لم تكن المفاجأة هي التصالح بين الدولتين اللدودتين بقدر حدوثه على أرض الصين بحضور رئيسها ورعايته لها، فلقد كانت تُتداول أخبار في العامين الماضيين عن وساطات عراقية وعُمانية واجتماعات هنا وهناك، فقد احتضنت بغداد منذ نيسان/ أبريل 2021، خمس جولات حوار بين الطرفين المتنازعين أو لنقل المتصارعين على النفوذ الإقليمي وزعامة العالم الإسلامي، ولكنها لم تفلح في إذابة الجليد بينهما ولم تؤت ثمارها، اللهم إلا تلك الهدنة في اليمن المستمرة حتى الآن. ولكن فجأة بين عشية وضحاها أعلنت بكين عن اتفاق برعايتها بين السعودية وإيران لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارتين في غضون شهرين، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة؛ لماذا بعد شهرين وليس في وقت إعلان الاتفاق على الملأ؟! هل لجس النبض وإبداء حُسن النوايا؟ وهل هي رسالة لواشنطن وتل أبيب في انتظار رد فعلهما، أم هناك مآرب أخرى ستظهرها الأيام القادمة؟!

أعلنت بكين عن اتفاق برعايتها بين السعودية وإيران لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارتين في غضون شهرين، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة؛ لماذا بعد شهرين وليس في وقت إعلان الاتفاق على الملأ؟! هل لجس النبض وإبداء حُسن النوايا؟ وهل هي رسالة لواشنطن وتل أبيب في انتظار رد فعلهما، أم هناك مآرب أخرى ستظهرها الأيام القادمة؟!

كما تضمن الاتفاق أيضا تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين عام 2001، وكذلك إعادة الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في عام 1998..

وجدير بالذكر أن الرياض كانت قد قطعت علاقاتها مع طهران في كانون الثاني/ يناير عام 2016، إثر هجوم على سفارتها بالعاصمة الإيرانية وقنصليتها في مدينة مشهد، نفذه محتجون على إعدام المملكة السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر..

وهنا لنا أن نطرح عدة تساؤلات لتوضيح وفهم هذا الاتفاق، فما أسباب المصالحة الإيرانية السعودية المفاجئة وما تداعياتها على الملفات الإقليمية؟ ولماذا نجحت الصين فيما فشل فيه كل من العراق وعُمان؟ وهل هذا الاتفاق سيُنهي حرب الوكالة التي امتدت لعقود بينهما على الأراضي العراقية واليمنية والسورية واللبنانية؟ هل هذا الاتفاق السعودي الإيراني قرار استراتيجي أم تكتيكي؟ بمعنى هل هو استدارة من السعودية نحو الشرق وخاصة تقاربها أيضا من موسكو في وقت تتأزم فيه العلاقة بين واشنطن وموسكو وبكين، فهي تدعم بوتين في سياسات الطاقة بعد حرب أوكرانيا، وصوتت في منظمة أوبك بتخفيض إنتاج النفط في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي قبيل الانتخابات النصفية الأمريكية مما استثار غضب أمريكا.

فهل يعني ذلك بداية خروجها من العباءة الأمريكية وتمردها على واشنطن بسبب سياسات ومواقف الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تجاهها، والتي توترت كثيراً في الفترة الأخيرة، على الرغم من زيارته للرياض في تموز/ يوليو الماضي لاسترضاء ابن سلمان ولكنه لم يجن منها ما أراده، وهنالك أعلنها صراحة أن أمريكا لن تترك فراغاً في الشرق الأوسط لتملأه الصين أو روسيا ولن تسمح لهما إطلاقاً بالنفاذ والتسلل إلى منطقة الشرق الأوسط. وكان الرئيس الصيني "شي جين بيبغ"، قد زار المملكة بعده في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، واستُقبل استقبال الفاتحين، إذ استقبل بحفاوة شديدة أذهلته قبل أن تُذهل العالم، وهو ما لم يحظ به الرئيس الأمريكي!

هل يعني ذلك بداية خروجها من العباءة الأمريكية وتمردها على واشنطن بسبب سياسات ومواقف الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تجاهها، والتي توترت كثيراً في الفترة الأخيرة، على الرغم من زيارته للرياض في تموز/ يوليو الماضي لاسترضاء ابن سلمان ولكنه لم يجن منها ما أراده، وهنالك أعلنها صراحة أن أمريكا لن تترك فراغاً في الشرق الأوسط لتملأه الصين أو روسيا ولن تسمح لهما إطلاقاً بالنفاذ والتسلل إلى منطقة الشرق الأوسط

هذه الأسئلة قد تجيب عنها الأيام القادمة، إذ إن الوقت يُعد مبكراً للجزم فيها، إذا ما صمد هذا الاتفاق طويلاً دون تدخل أمريكي صهيوني يُعكر الأجواء، أم يُصبح هباءً منثوراً تذروه الرياح وخاصة أن كلا الطرفين اللدودين لم يتغير سلوكهما الإقليمي بعد؟ فما زالت إيران تحتل أربع عواصم عربية وتتحكم في سياساتها الخارجية، ولا تزال السعودية تريد أن تستردها إلى حظيرتها كما كانت من قبل منذ عقود، فهل الاجتماعات السرية بينهما في الغرف المظلمة، قد حددت نفوذ كل منهما في تلك الدول ورضى الطرفين بتلك القسمة وبناء عليه تم الاتفاق المُعلن عن عودة العلاقات بينهما؟!

على كل حال لقد رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق على لسان "جون كيربي"، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، وقال إن واشنطن كانت على علم بتقارير استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، متمنياً أن يساعد ذلك في إنهاء الحرب في اليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط، ولكنه أبدى شكوكاً بمدى التزام طهران به قائلاً: "سنرى إذا ما كان الإيرانيون سيحافظون على تعهداتهم ضمن الاتفاق"..

نحن نعلم أن التصريحات شيء وما يدور خلف الكواليس شيء آخر مختلف تماماً، فربما أراد بهذا التصريح الحفاظ على ماء وجه أمريكا وأن ما تم من اتفاق كان بعلم واشنطن ومباركتها أيضا، ولكن من المؤكد أن هذا الاتفاق لن يُرضي الولايات المتحدة، ويُغضب الكيان الصهيوني، وخاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" كان يعول على تطبيع السعودية لتلحق بها باقي الدول العربية المترددة أو الخائفة مما يتيح له التوغل في قلب الوطن العربي، كما أنه يعتبر السعودية من الدول الخليجية الحليفة التي تشكل معه محوراً استراتيجياً ضد إيران، وإن لم يُعلن ذلك صراحة، ولكن الاجتماعات كانت تتم في الغرف المظلمة، وتعقد الاتفاقات من تحت الطاولة منذ أكثر من عامين، فقد تسرب خبر أن ولي العهد السعودي وافق على التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل الحماية الأمريكية، والمساعدة في برنامج نووي مدني، ورفع القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة..

ولا ننسى أن السعودية قد فتحت مجالها الدولي أمام طيران دولة الاحتلال منذ تموز/ يوليو 2022، فإذا افترضنا أن هذا الاتفاق سيُنفذ بعد شهرين دون تدخلات أو تعقيدات من هنا أو هناك، فهل سيسمح بعبور الطائرات الحربية للكيان الصهيوني الأجواء السعودية لضرب إيران؟! لا شك أن الموقف هنا يزداد صعوبة وتعقيداً، وأن السعودية التي يقلقها الملف النووي الإيراني والتي كانت تنتظر ضربة أمريكية إسرائيلية للمنشآت الإيرانية طوال العقد الماضي؛ ستكون في موقف حرج وإن كانت تتمنى أن يحدث ذلك، لكن بعيداً عن أجوائها كي لا تتورط فيه وتتعرض لانتقام إيران الذي غالباً ما سيكون من أرضها مباشرة وليس من خلال أذرعها في المنطقة..

لا جدال في أن دولتي إيران والسعودية قوتان كبيرتان ومصدّران كبيران للنفط وتحظيان بموقع جيوبولوتيكي واستراتيجي مهم في الشرق الأوسط، ولقد مرت العلاقات بينهما بمراحل تاريخية مختلفة، تشوبها توترات واضطرابات مستمرة وأحيانا تقارب وتحسن لفترات محدودة لم تستمر طويلاً، منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ولكن لم تكن الخلافات بينهما أيديولوجية ولم يوظف أحد منهما الورقة المذهبية (السنية والشيعية) في خضم نزاعهما إلا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

يبدو أن ولي العهد السعودي قد تجرع هو الآخر ذاك السم لينهي فترة القطيعة مع إيران واستئناف العلاقات بينهما، بعدما فشل فشلاً ذريعاً في حربه ضد اليمن التي استمرت أيضا ثماني سنوات؛ دون أن يحقق أي هدف من أهدافه وهو الذي هدد إيران في السابق بنقل المعركة إلى قلب طهران بعد أن طالته صواريخ إيران بأيدي الحوثيين (ذراع إيران) في اليمن

فقد كانت الدولتان حليفين أساسيين للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هي ناظم الإيقاع للعلاقات بينهما، ولكن بعد نجاح ثورة الخميني ووصوله لإيران تغير كل شيء وانتقلت إيران من مربع الحلفاء إلى صف أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت ترسم سياساتها وعلاقاتها الخارجية من منطلق هذا العداء المدفوع بأيديولوجيا تعتمد على تصدير الثورة الإسلامية ومنازعة المملكة العربية السعودية على زعامة العالم الإسلامي، ما جعل السعودية تدعم صدام حسين مالياً وعسكرياً في حربه ضد إيران؛ التي استمرت ثماني سنوات إلى أن تجرع الخميني السم بتعبيره لينهي تلك الحرب العبثية.

ويبدو أن ولي العهد السعودي قد تجرع هو الآخر ذاك السم لينهي فترة القطيعة مع إيران واستئناف العلاقات بينهما، بعدما فشل فشلاً ذريعاً في حربه ضد اليمن التي استمرت أيضا ثماني سنوات؛ دون أن يحقق أي هدف من أهدافه وهو الذي هدد إيران في السابق بنقل المعركة إلى قلب طهران بعد أن طالته صواريخ إيران بأيدي الحوثيين (ذراع إيران) في اليمن، ووصلت للعاصمة الرياض وكثير من المدن الرئيسية وبعض المرافق الهامة كالمطارات والموانئ وحافلات النفط وغيرها، أضف إلى ذلك فشله في تقويض وتحجيم دور حزب الله في لبنان ونزع سلاحه وإبعاده عن مفاصل الدولة والسيطرة عليها..

وفي الختام، إن قرار محمد بن سليمان الاستدارة شرقاً والخروج من الدوران في الفلك الأمريكي، هو في حد ذاته قرار استراتيجي ينطوي على مخاطر استراتيجية جسيمة داخلياً قد تكلفه الكثير؛ ربما أرضه أو عرشه، إذ أن اليد الأمريكية ممتدة في كل مفاصل الدولة السعودية وقادرة على تغيير المشهد السعودي بأكمله، وليس الرئيس الباكستاني السابق "عمران خان" ببعيد عنا..

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (0)