يرى الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذا الرصد لعمل
الإسلاميين في العالم العربي، الذي كتبه للنشر المتزامن بين "عربي21"
وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن خصوم الدين هم
جزء من العوائق التي حالت دون الإسلاميين وترجمة مشاريعهم السياسية إلى نموذج عملي
على الأرض، ويشرح ذلك بالتفصيل كما يلي:
غلبة روح الطمع والتطلّع إلى الجاه بأقصر الطرق وأقلّ التكاليف على
أكثر الساسة
من العقبات والمعوقات غلبة روح الطمع، فإنّ غلبة هذه الروح على أكثر
المشتغلين بالعمل السياسي الرسمي والعلني، كان ولا يزال من أكبر العوامل التي تفنن
النظام في توظيفها للتمكين لمشاريعه وخدمة أهدافه.
لقد أدرك أصحاب القرار غلبة هذه الروح على أكثر الساسة، فعملوا على
استغلالها، حتى أصبح ذلك
سياسة تستعملها بإحكام وإتقان كلما ألحت الأمة في المطالبة
بحقوقها، وتستعملها كلما تقاربت مواقف الأحزاب الجادة في معارضتها، وأوشكت أن تضع
السلطة في حرج حقيقي أمام
الرأي العام الداخلي والدولي.
لقد لجأت لهذا الأسلوب أيام العقد الوطني لإجهاض مسعى أطرافه ورميهم
بالمؤامرة على الوطن وسيادة الدولة وهيبتها، ولجأت إليه في الانتخابات الرئاسية
منذ 1995 وإلى اليوم، لتجهض جميع محاولات المعارضة لفضح ممارسات التزوير والاستغلال
اللامشروع للإدارة والقضاء والمال العام والإعلام لصالح مرشح النظام، ولجأت إليه
في موضوع المصالحة الوطنية التي كانت من مبادرات المعارضة وأطروحاتها لتفرغها من
أهم محتوياتها، وتلجأ إليه اليوم لضرب تكتل المعارضة وعرقلة مشروعها، في المطالبة
بسحب ملف الانتخابات وإسناده إلى هيئة وطنية مستقلة، تتولى أمرها في جميع حلقات
ومراحل العملية الانتخابية، فأصدرت دستورا ثم قانونا لانتخابات سحب الفكرة من
المعارضة، وأفرغها من كل الشروط التي تجعل منها هيئة مستقلة، وتحولها إلى هيئة
تابعة إلى الرئاسة، ومتعاونة مع وزارتي الداخلية والعدل، تساعدهما على أداء جانب من
وظائفهما ومهامهما بمكر أكبر وخداع أقبح، لتقضي على المعارضة، وتلغي كل دور
للأحزاب، إلّا ما كان نصرة لسياسات النظام ودفاعا عنه.
من العقبات والمعوقات غلبة روح الطمع، فإنّ غلبة هذه الروح على أكثر المشتغلين بالعمل السياسي الرسمي والعلني، كان ولا يزال من أكبر العوامل التي تفنن النظام في توظيفها للتمكين لمشاريعه وخدمة أهدافه.
لقد أصبح هذا الأسلوب سلاحا تلجأ إليه السلطة دائما، وهو سلاح فعال في
المحافظة على استمرار السلطة، ورغم ما ظهر منها من استبداد وفساد عن مختلف مؤسسات
الدولة وقطاعاتها، فإن معظم رجال الأحزاب والمنظمات والجمعيات والإعلام وكثير من
الشخصيات السياسية والفكرية المستقلة ـ كما تزعم ـ، لا تزال تأتمر بأوامر السلطة
وتأتم بها بتفان وإخلاص؛ بدعوى خدمة الوطن والحفاظ على الدولة والمحافظة على
الدستور.
لقد تفننت السلطة في توظيف أوليائها، فهم كالميت في يد مغسله، تصرفهم
كيفما تشاء في خدمة مشاريعها والترويج لها، فتارة مثلا تثير بهم الغبار في وجه
المعارضة، وتارة تلهي بهم ألسنة الصحافة والمجالس، ليشغلوهم بالباطل عن الحق وبغير
المفيد عن المفيد، ويشوهوا بهم من شاؤوا من رجال المعارضة، وتارة تقيم بهم ضرارا للحق وضرة لأهله، كما هو حاصل اليوم
ضد المعارضة وما تدعو إليه من تصور للخروج من الأزمة، وتوفير الشروط الدستورية
والقانونية لوضع الجزائر على طريق الإصلاحات الحقيقية. وإذا سألت بعض أولياء
النظام من الذين فيهم بعض الخير وصارحك القول، لقال لك؛ إنّه لا أمل في تغيير
الأوضاع القائمة، ولا فائدة من معارضة التيار النافذ، وأفضل الأساليب هو أسلوب
المداهنة، وخير السياسات هي سياسة المساندة والتأييد، والتخلي عن الأهداف النبيلة
والرسالية؛ لأن الظرف ليس ظرفها والزمن ليس زمانها، ويغفل هؤلاء عن مساوئ ما
اختاروه لأنفسهم، وعن عظم ما تسببت به مواقفهم هذه في شيوع الاستبداد والطغيان
وانتشار الفساد والمنكر، وأن ما آثروه من مصالح شخصية آنية وفانية، هو سبّة لهم إلى
يوم القيامة، ووصمة في جبينهم لا تمحوها مياه البحار، وأن ما طرحوه من مبررات لا
قيمة لها في ميزان الشرع، فالاستبداد السياسي كما يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه
الله:"داء دوي، وليس أسوأ منه إلا تجاهل أثره والتعامي عن خطره" .
آفة التمكين للحكم الفردي
إنّ جرائم أولياء النظام كبيرة، فهم بتأييدهم الدائم للسلطة ودفاعهم
عنها وعن مشاريعها المختلفة، قد صاروا شركاء لها في كل ما حلّ بالبلاد من ظلم وفساد
مسّ مختلف القطاعات والمؤسسات، وهم شركاء في كل ما انتشر في المجتمع من كذب لمّع
السلطة وبيّض ممارساتها، وأضفى المصداقية على تزويرها الدائم للانتخابات، وعمّى عن
جرائمها في نهب المال العام وتبذير بعضه فيما لا طائل من ورائه، وفي التمكين للحكم
الفردي والعدوان على دين الأمة ولغتها، وتعطيل تداول الأحزاب على السلطة، والعدوان
على صلاحيات البرلمان والقضاء، وتوظيف الإدارة خارج إطار القانون والمهام التي من
أجلها وجدت، وعلى الجملة هم شركاء في مختلف الجرائم السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والتربوية والثقافية والأمنية المرتكبة من طرف السلطة.
ولذلك أقول؛ إن أولياء النظام كانوا ولا يزالون خدام الاستبداد
والفساد، ودعاة هزيمة، ووسائل تخذيل، وأدوات تسخّر وتسيّر من بعض النافذين، وأنهم
تجار بارعون في المقايضات باسم المصلحة الوطنية والمحافظة على الدولة ورعاية
الديمقراطية، وما هم في الحقيقة إلا معاول هدم لهذا الثلاثي؛ المصلحة الوطنية
وهيبة الدولة والديمقراطية، كما كانوا ولا يزالون معاول هدم لما هو أعظم من ذلك وأنفع، وهو الإسلام بشريعته التي جعلها الله تعالى منهجا لعباده، ينظمون به حياتهم
ليفوزوا بسعادة الدنيا وفلاح الآخرة.
افتعال الجدل حول مقومات شخصية الأمّة ونظام حكمها
من العقبات كذلك افتعال الجدل حول مقومات شخصية الأمة ونظام الحكم
فيها، إذ لا خلاف بين عقلاء الأمم، أنّ من أهمّ عوامل استقرار الأوضاع في الدول
وأمنها وتقدمها، احترام ثوابتها ومقومات شخصيتها والاعتزاز بها، ومنع العدوان
عليها ومراعاتها في أنواع اجتهاداتها القانونية والسياسية والاجتماعية
والثقافية والتربوية كافة وغيرها، واحترام قواعد نظامها الديمقراطي التعددي، كما هو
الحال في الدول المتقدمة اليوم، مثل قاعدة الفصل بين السلطات وسيادة القانون
واستقلالية القضاء وحياد الإدارة والتداول السلمي على السلطة، عن طريق الانتخابات
القانونية الحرة والنزيهة، وعدم تدخل السلطة في الحريات الفردية والجماعية، وقد
أضحى الحديث عن هذه العوامل، أبرز حديث وأشهره في وسائل الإعلام وعلى ألسنة
النخب الرسمية والمعارضة.
إنّ ديننا مخالف لدين الغرب مصدرا وشكلا ومحتوى ونطقا وكتابة، وتاريخنا مخالف لتاريخه نشأة ومسارا وجوهرا، وطبيعتنا مخالفة لطبيعته فكرا وشعورا ومشاعرَ، وأوضاعنا مخالفة لأوضاعه علما وسياسة واقتصادا واجتماعا وعادات وتقاليد، أفيعقل بعدُ من أي مسؤول وتحت أي عذر، أن يسعى في إلغاء نظرتنا لمقومات شخصيتنا وإحلال نظرة فرنسا والغرب محلها؟
وكان الأحرى بنخبنا القائلة بذلك، أن تحترم ثوابت الأمة ومقومات
شخصيتها، وتعززها وتفرض احترامها على الجميع بالقوانين والمتابعة والمراقبة، ولكن
للأسف، لا نجد من نخبنا احتراما لذلك، بل نجد ثوابتنا ومقومات شخصيتنا محل جدل وصراع
عند النخب ومحل تهجم وعدوان من طرف معظم النافذين وكثير من المعارضين، لاسيما ما
اتصل بالإسلام واللغة العربية، فلا القوانين تحميها ولا السياسات والبرامج تنهض
بها، ولا التصريحات تذود عنها، وما هو حاصل في حق الإسلام واللغة العربية، حاصل ما
يشبهه في حق أهم قواعد النظام الديمقراطي التعددي.
لقد رضيت النخب النافذة وأولياؤها في الأحزاب ذات التوجه العلماني
بتقديم التحية للإسلام والعربية في بعض المناسبات القليلة، مثل القول بأن الشعب
الجزائري كله مسلم، ولا نريد من يعلمنا الإسلام ونحن مع الإسلام المتسامح والإسلام
بريء من الإرهاب، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، ولكن الفرنسية مكسب كبير يجدر
بنا المحافظة عليه، ثم يمضون في حقيقة حالهم في محاربة الإسلام ونشر الفهم الكنسي للدين،
ومحاربة العربية وفتح الباب للفرنسية، وأقل ما يمكن أن نصف به مواقفهم من أبرز
الثوابت ـ الإسلام والعربية ـ، هو أن حظ هذه الثوابت منهم هو مجرد الذكر، أما
الحقيقة فإنهم يحاربون الإسلام ويحاربون العربية، وأن احترامهم لقواعد النظام الديمقراطي جد ضعيف وبخاصة عند النخب
النافذة، فهو لا يتجاوز الشعارات التي لا يملون من ترديدها دون احترام لها ولا
نـزول عند مقتضياتها، كما تجد تكرار العدوان على إرادة الأمة بالتزوير وعلى حياد الإدارة
واستقلالية القضاء بالتوظيف الدائم لخدمة ما يراه النافذون ويختارونه، وتجد تعدد التدخل في الحريات الفردية
والجماعية، وخاصة الحريات السياسية والإعلامية لصالح ما تريده السلطة ويقرره
حكامها، إلى غير ذلك من صور العدوان التي فصلت القول فيها في كتابي "الفساد
في البلاد"، ففيه مزيد من الشرح والبيان.
إنّ ديننا مخالف لدين الغرب مصدرا وشكلا ومحتوى ونطقا وكتابة،
وتاريخنا مخالف لتاريخه نشأة ومسارا وجوهرا، وطبيعتنا مخالفة لطبيعته فكرا وشعورا
ومشاعرَ، وأوضاعنا مخالفة لأوضاعه علما وسياسة واقتصادا واجتماعا وعادات وتقاليد،
أفيعقل بعدُ من أي مسؤول وتحت أي عذر، أن يسعى في إلغاء نظرتنا لمقومات شخصيتنا
وإحلال نظرة فرنسا والغرب محلها؟