لا يستطيع أحد أن ينكر بأن
الجزائر كانت جزءا من الجمهورية الفرنسية
منذ احتلالها عسكريا وضمها إداريا لدولتها سنة 1830.. ويمكن الرجوع في هذا الخصوص إلى
الوثائق والحقائق الواردة في كتاب الباحثة الفرنسية إيفون توران (Yvonne Turin) عن المجابهات الثقافية في الجزائر الفرنسية، ولعل أقوى الحجج على ذلك
نستمدها من كلمة "الجزائر الفرنسية" ذاتها التي فرضتها
فرنسا على
الجغرافيا رغم التاريخ، وهذا هو بيت القصيد الذي نريد أن نقف عنده بتوجيه السؤال
المشروع التالي:
هل الجزائر الفرنسية تتناقض
منطقيا وظاهريا مع الجزائر المسلمة، ضمن الأمة الفرنسية اللائكية!؟
فالجواب يكون بالنفي إذا نظرنا إلى السؤال بكيفية مباشرة وسطحية.. ولكن
في حقيقة الأمر نجد أن كلمة الجزائر المسلمة في المفهوم الفرنسي، والجزائر المسلمة
في المفهوم الوطني الجزائري تختلفان اختلافا جوهريا، كالخير والشر والغنى والفقر والإيمان
والكفر.
فالإسلام الجزائري في المفهوم الرسمي الفرنسي لم يكن يعني غير الطقوس
التي يسمح لعباد الله أن يتوجهوا بها لخالقهم على غرار اليهود والنصارى بكل
مذاهبهم (الأرثودوكس، الكاثوليك، البروتستانت والإنجيليون..) ولا فرق في ذلك بين
اليهودي الفرنسي والمسيحي الفرنسي والمسلم الفرنسي، ومنهم الفنان الكبير نصر الدين
ديني (Etienne Dinet) الذي توفي على إسلامه
"الفرنسي" ودفن في بوسعادة بالجزائر دون أن يجبره أي حاكم فرنسي على الارتداد عن دينه، ومثله آخوه في الدين
الفيلسوف رجاء جارودي (Roger Garody)، وكذلك المستشرق والضابط السامي السابق في
الجيش الفرنسي فانسون منصور موتاي (Vincent Mansour Monteil)وغيرهم..
هذا هو إذن المفهوم الرسمي للإسلام الفرنسي الذي لم يمنعوه
"مباشرة" عن الأهالي هنا في الجزائر وهناك في أرض الأم (La Metropole)، ولكن في حقيقة الأمر
نجد أن مفهوم الإسلام بالنسبة للجزائريين (غير المرتدين وغير المتمسحين) كان يعني
عكس ذلك تماما!
الإسلام الجزائري في المفهوم الرسمي الفرنسي لم يكن يعني غير الطقوس التي يسمح لعباد الله أن يتوجهوا بها لخالقهم على غرار اليهود والنصارى بكل مذاهبهم (الأرثودوكس، الكاثوليك، البروتستانت والإنجيليون..) ولا فرق في ذلك بين اليهودي الفرنسي والمسيحي الفرنسي والمسلم الفرنسي
فالإسلام الجزائري، أو الجزائر المسلمة كانت تعني الجزائر العربية في
مفهوم كل الجزائريين، أي تعني الانتماء والانتساب إلى الهوية الوطنية والقومية "المحمدية"
(وقد سبق لنا شرح ذلك بالتفصيل في مقال خاص في "عربي21" يمكن الرجوع
إليه) بامتدادها الأفقي والعمودي النوميدي ثم الرستمي والأموي والعباسي والمرابطي
والموحدي والعثماني.. وذلك على غرار تاريخ فرنسا ذاتها بأصلها وبعدها الغالي (Gaulois) ثم الإغريقي الروماني واليهودي المسيحي كما عرّفها الجنرال ديغول
ذاته في كتابه "الأمل" الذي قال فيه إن الجزائر ستبقى فرنسية، وحجته في
ذلك أننا بقينا نتكلم لغتهم ونتقاسم معهم ثقافتهم الفرنسية، ولم يعترف في حديثه
أبدا أننا "مستقلون" حيث يقول عنا في صفحة 49 من كتابه (الأمل)الصادر في
ترجمته العربية عن دار عويدات ببيروت 1968 "... ولئن تركناهم يحكمون أنفسهم فهل يعني ذلك أننا نتركهم بعيدين عن
عيوننا وقلوبنا!؟" فيجيب بقوله "لا" ويشرح نفيه قائلا ".. لأنهم
يتكلمون لغتنا ويتقاسمون معنا ثقافتنا".
والدليل القاطع على أن المفهومين "الإسلام الفرنسي" و"الإسلام
الجزائري" كانا مختلفين كاختلاف الليل والنهار، هو أن فرنسا المحتلة لم تكن
تعترض طوال وجودها المباشر في الجزائر على تسمية المنظمات والهيئات المختلفة
بإضافة صفة "إسلامي" لها على غرار الاتحاد الرياضي لمسلمي العاصمة والمولودية
(نسبة لمولد النبي صلى الله عليه وسلم)، الكشافة الإسلامية، جمعية العلماء
المسلمين الجزايريين، واتحاد الطلبة المسلمين.. ولكن لم يسجل التاريخ على الإطلاق أن
قبلت فرنسا ولو مرة واحدة بإلحاق صفة "عربي" إلى أي اسم جزائري واحد من
هذه الهيئات وغيرها، وذلك لأنها كانت تدرك أن الإسلام، بالنسبة لها، لا يعني
بالضرورة الهوية القومية الباديسية النوفمبرية المتعارضة وجوديا مع الاحتلال
الفرنسي طوال وجوده ماضيا وحاضرا في الجزائر، والدليل الأقوى والأوضح على هذا
الفهم الفرنسي للإسلام، هو فرض إدارتها صفة "مسلم" المكتوبة بلغتها أمام
عبارة فرنسي في بطاقة التعريف "الوطنية" الفرنسية لجميع الجزائريين البالغين
سن الرشد، وهذا حتى توقيف القتال وتقرير المصير سنة 1962.! ؟
وفي نفس السياق نلاحظ أن تفادي هذا البعد القومي الوحدوي المنصوص
عليه في بيان الشهداء بصريح العبارة
".. تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الاسلامي.."
ونلاحظ هنا في هذه المادة من البيان التي تعلن صراحة عن الانتماء
الطبيعي "العربي الإسلامي" للهوية الوطنية في أصلها الثقافي المحض
(اللساني والديني) وليس السلالي أو العرقي كما يغالط بعض أعداء الثورة الذين حكم
عليهم قادتها بالإعدام بتهمة الخيانة ونفذ
فيهم الحكم بالآلاف، و لم يذكر البيان أي بعد آخر مثل الإفريقي أو المتوسطي أو
الفينيقي أو البربري أو النوميدي كما يروج بعضهم الآخر الآن لحاجة في نفس يعقوب
الفرنسي بالذات في إطار الحرب المتواصلة على الهوية بشكل آخر!؟
وفي الحقيقة إن ما كان يعني "دينا" فقط أو طائفة،
للفرنسيين، كان ولايزال يعني وطنا وتاريخا وهوية وثقافة ولسانا وانتماءا بالنسبة
لحزب الشعب (الواحد) الجزائري العربي المسلم، مفجر الثورة وقائدها إلى النصر
المبين المشكك فيه من طرف "السوسة المدسوسة" كما قال أحد المسؤولين منذ
سنتين والمصادر من طرفها بعرقلة استكمال أهم عناصره السيادية إلى هذه اللحظة تحت ألف
شعار وتبرير لا تخرج في مجموعها من توصية الجنرال عن كنزه "غنيمة حربه"
في الجزائر بعد توقيف القتال!؟
وهو ما يتناقض جوهريا ووجوديا مع مبادئ الثورة الشعبية ومفجرها الأول
حزب الشعب الجزائري (PPA) الذي كان يحمل كل مناضليه
بطاقة الانخراط مكتوب فيها بالعربية وحدها "الجزائر وطني، الإسلام ديني،
العربية لغتي".
الإسلام الجزائري، أو الجزائر المسلمة كانت تعني الجزائر العربية في مفهوم كل الجزائريين، أي تعني الانتماء والانتساب إلى الهوية الوطنية والقومية "المحمدية"
وإن هذا السوء من الفهم الفرنسي والجزائري (حول الإسلام الجزائري والإسلام
الفرنسي) ظل قائما بين الطرفين، وظل يوجه الكفاح الوطني الجهادي ضد المٌحتل منذ
البداية المعروفة سنة 1830 إلى النهاية التي ما تزال لم تتحقق بعد.. ونحن الآن
نعيش أشرس معاركها الطاحنة منذ انقلاب 1992 وتجميد تطبيق قانون اللغة العربية منذ
ذلك التاريخ بالذات وأبعد رئيسان مجاهدان من أجله هما المرحوم الشاذلي بن جديد
واليمين زروال أطال الله في عمره وهو حي يشهد على ذلك!؟
وإلى الآن إذن نجد أن الشيء الذي تغير في بطاقة التعريف الوطنية، بعد
خروج بعض عساكر المحتل من الثكنات سنة
1962، هو كلمة "مسلم" وكلمة
"فرنسي"، فزالت الكلمتان معا، وحلت محلهما صفة واحدة أمام خانة الجنسية،
وهي عبارة "جزائرية"، فما معنى "جزائرية" فقط دون صفة
الانتماء!؟
هل كافح الشعب الجزائري طوال مئة واثنتين وثلاثين سنة، تحت لواء الإسلام
والعربية، اللتين لولاهما لكانت الجزائر غرناطة أخرى فرنسية بامتياز!؟ فهل كافح أسلافنا ودفعوا كل هذه
التضحيات الجسام بالملايين كي يمحوا الكلمتين "فرنسي مسلم" ويستبدلونهما
بعبارة "جزائرية" فقط الآن!؟
فإذا عرفنا أن جوهر الهوية والجنسية في أي دولة مستقلة ذات سيادة لا تقبل
المساومة على وحدتها هو اللسان كما نرى في فرنسا (مع كرسيكا) وإسبانيا (مع
كاطالونيا) وبريطانيا (مع ويلز وأيرلاندا) وروسيا (مع أوكرانيا) وغيرها كتركيا وإيران وسوريا والعراق والسودان..
إن الأساس المقدس هو اللغة
الوطنية والرسمية الموحدة.. كما يقول ساسة فرنسا أنفسهم ويطبقونها في دولتهم على شعبهم ( La langue c'est la nationalité, la langue c'est la
personnalité et la souvraineté) فماذا تعني كلمة
"جزائري" بدون لغة السيادة الوطنية التي تحدد الجنسية والهوية للجزائر
المستقلة!؟
فكلمة الجزائر (Algérie) كانت موجودة في الأوراق الرسمية
الفرنسية، والآن بعد "الاستقلال" ما هي الصفة التي تضاف أو توضع محل
كلمة (الفرنسية) التي كانت تلازمها طوال فترة الاحتلال في بطاقة التعريف للرعية
الجزائري كما قلنا وعشنا!؟
فعبارة الجزائر الجزائرية (Algèrie algerienne) التي نطق بها أول مرة الجنرال ديغول،
في خطابه أثناء الثورة بمستغانم سنة 1959،
هذه العبارة لا قيمة لها إطلاقا دون تحديد اللغة الوطنية المستعملة رسميا وسياديا
في الجزائر المستقلة.!
فإذا كانت هذه اللغة هي الفرنسية، فالجزائر تبقى فرنسية كما قال
الجنرال ديغول في كتابه المذكورآنفا "ستبقى
الجزائر فرنسية"، وبين الأسباب في الصفحة ذاتها من الكتاب.. وما دامت تلك
الأسباب مصانة "بغنيمة حربه" فلا خوف على تنفيذ
الوصية من بعده.. فاللغة إذن هي الجنسية
كما يجمع على ذلك كل أهل العلم والسياسة، وبالتالي فإذا كانت هذه اللغة هي
العربية، فالجزائر عربية كما أرادها الشهداء الأبرار والمجاهدون الآحرار في بيانهم
الخالد في الفاتح من نوفمبر 1954، حيث يقول في المادة رقم واحد من بند وسائل الكفاح وأهدافه: "الاعتراف بالجنسية
الجزائرية بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل الأقاويل والقرارات والقوانين التي
تجعل من الجزائر أرضا فرنسية رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات للشعب
الجزائري"..
ومن ثمة، فكلمة "الجزائر الجزائرية" مع بقاء اللغة
الفرنسية سيدة في غياب تطبيق قوانين الدستور التي منها قانون اللغة العربية
المغدور والمقبور، هو يعني بكل القراءات أن الجزائر ما تزال فرنسية، مع سبق
الإصرار والترصد رغم كل التضحيات التي لم يدفعها شعب معاصر على الإطلاق.
الشيء الذي تغير في بطاقة التعريف الوطنية، بعد خروج بعض عساكر المحتل من الثكنات سنة 1962، هو كلمة "مسلم" وكلمة "فرنسي"، فزالت الكلمتان معا، وحلت محلهما صفة واحدة أمام خانة الجنسية، وهي عبارة "جزائرية"، فما معنى "جزائرية" فقط دون صفة الانتماء!؟
ولكن يبدو أن سوء الفهم الذي ساد البلاد والعباد طوال فترة الاحتلال
السابق والاستحلال اللاحق، بالنسبة لمفهوم "المسلم" التي كانت تعني عند
كل طرف معنى يختلف جوهريا عن المعنى الذي يتعمد الإصرار على فهمه الطرف الآخر،
بكيفية معكوسة، فكذلك وقع تماما لكلمة "الجزائري" أو
"الجزائر" المنزوعة منها كلمة (مسلم) بعد الاستقلال الورقي، وعدم إلحاق
صفة عربي بها بعد هذا التحول السياسي والسيادي.. فهذا التصرف "اللفظي"
الذي لا يبدو ذا قيمة للبسطاء من السياسيين الأميين وغير الأميين ما دام
"الاستقلال" قد تحقق في الظاهر، وهو في الحقيقة تغيير لفظي، يمثل ألغاما
خطيرة غير مرئية لفاقدي البصر والبصيرة، في طريق تحقيق الاستقلال التام أو الأكبر،
كما يجب أن يسمى حقا وصدقا..
فكل الجزائريين أي الوطنيين، الصالحين الذين صوتوا بإجماع غير مسبوق
على الاستقلال في الاستفتاء على تقرير المصير في الثالث من تموز (يوليو) سنة 1962
يعتبرون إلغاء صفة "مسلم" من الهوية الوطنية، هو تحصيل حاصل بعد
الاستقلال، كما كانوا يتصورونه، وهو أمر طبيعي وبديهي في نظرهم، لأننا رجعنا إلى
أصلنا الذي كنا عليه قبل الغزو الصليبي سنة 1830، وأن كلمة "جزائري"
وحدها كافية كي تعني أو تغني عن كلمة "المسلم" وعن كلمة
"العربي" في نفس الوقت، بدليل أننا في فرنسا مثلا نجد اليوم على واجهة
كل جزار مسلم لافتة "حلال" مكتوبة بالعربية، وكذلك بالنسبة للمطاعم وأجنحة
المتاجر الكبرى في بلجيكا وسويسرا وإسبانيا وبريطانيا وكل مكان أوروبي أو عالمي به
مسلمون، من أهل البلد أو مهاجرون، ولكن في الوقت ذاته، لا نجد أي جزار أو مطعم أو
متجر في بلاد المغرب العربي، والجزائر المسلمة (المجاهدة سابقا) يكتب على محله
بالعربية عبارة "حلال".. وهذا لا لشيء إلا لأننا بعد جهادنا المرير والطويل
أصبحنا جزائريين بأتم معنى الكلمة، أي غير فرنسيين، وبالتالي فنحن عرب مسلمون
بالبداهة كما قلنا وكما أكد ذلك زعيم الجبهة الوطنية في فرنسا، (جون مارين لوبان)
حيث قال عنا في جريدة Le Monde يوم 3 كانون أول (ديسمبر) 1989 :
"إنه سيأتي يوم وهو قريب، يتعين فيه على المسلمين أن يختاروا أحد الأمرين،
إما الجنسية الفرنسية أو الإسلام"..
وأضاف قائلا : "إذا اختار هؤلاء الإسلام، فعليهم أن يعودوا إلى
الجزائر"، واللافت للانتباه هنا أن هذا الضابط السابق في الجيش الفرنسي، وكما
علقت عليه حينها بقولي في كتابي "التعصب والصراع العرقي والديني واللغوي"
1991 "أن حقده على مجاهدي الجزائر الأحرار وشهدائها الأبرار جعله يعتبر كل
مسلمي العالم المقيمين في فرنسا جزائريين"، وهو ما يدل على مدى الأثر الذي
تركه جهاد الشعب الجزائري العربي المسلم كما قال عنه إمام جهاده الأعظم:
"شعب الجزائري مسلم، وإلى العروبة ينتسب..
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب..
أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب "..
وهو ما يؤكد ويثبت موقفنا وموقف إمام الجزائر وشعبها الثائر بأن
المسلم الحقيقي لا يقبل الاندماج أبدا (من رام إدماجا له، رام المحال من الطلب!؟).
هذا هو المنطلق والمنطق الوطني الذي يقره ويؤمن به كل مخلص للجزائر
المسلمة العربية، كما أقره البيان الخالد وأكده قادتها في قراراتهم التي أكدت
تطبيق الحدود الإسلامية في تنظيم الثورة الجهادية، السارية المفعول بصرامة حتى
توقيف القتال سنة 1962 وكل جنود جيش التحرير الوطني (وكاتب هذه السطور منهم ووالده الشهيد منهم كذلك) يشهدون على ذلك، وباقي
التفصيل موجود في كتابي (جهاد الجزائر) ـ من طبعة دار البعث 1982 إلى طبعة دار الأمة
سنة 2016، متوفر في السوق .
كل احتلال قد يحمل بذور استقلال وكل استقلال يحمل بذور احتلال وأن بذور الاستقلال تسقى بالشهادة وبذور الاحتلال تبقى وتسقى بالخيانة.. ولذلك لا يوجد استقلال دائم ولا احتلال دائم ولكن توجد خيانة مستمرة وعدو متربص ناقم وجهاد قائم وقانون مطبق صارم ورئيس منتخب شرعي حاكم.
و إذا سألنا هؤلاء المجاهدين بالفعل (من أجل تحرير الجزائر،) عن عدم إضافة
كلمة "عربي" أمام كلمة "جزائري" في خانة الجنسية، في بطاقة
التعريف الوطنية الحالية، يجيبوننا بنفس المنطق الشعبي الطبيعي، وهو أننا لسنا
مسيحيين، فنحن أصلا مسلمون بالضرورة، كما كنا قبل الاحتلال الصليبي الفرنسي، وما
دمنا كذلك، فإننا قد عدنا إلى وضعنا الطبيعي الإسلامي، فنحن إذن عرب بالضرورة، مثل
كلمة "فرنسي" التي تعني مسيحي لاتيني أوروبي..
وهو نفس المنطق الذي جعلنا نحذف كلمة "مسلم" من بطاقة
التعريف الوطنية، ونفس السبب الذي يبرر عدم إضافة كلمة "عربي" لاسم
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، لأن كلمة جزائري تعني "عربي"
وتعني "مسلم" في الوقت ذاته وذلك حسب المفهوم الثوري الجهادي المفصل
آنفا. ولا يوجد تفسير آخر لذلك منذ وضع أول دستور وطني للجزائر سنة 1963.
ونختم بقولنا إنه حتى لو تعود فرنسا ذاتها إلى ترسيم جولواها (هي تامازيغت
الفرنسيين قبل الفتح الروماني الديني واللساني مثلنا نحن مع العربية والإسلام
تماما كما يعترف ديغول بذلك بنفسه) وتعود إلى الوثنية بدل الصليب والفرنسية،
الناتجة عن اعتناقها المسيحية كما يقول الجنرال ديغول في كتابه المذكور (الأمل)
حتى لو تعود هي إلى وضعها قبل الرومان، فإن الجزائر الحرة لن تحيد أبدا عن الإسلام
والعربية بإرادتها، لأن الشعب الجزائري دفع أغلى ثمن عرفته ثورة شعبية من أجل
استرجاع الحرية والهوية الواحدة وبالتالي الجنسية الورقية الموحدة التي تظل تابعة
للهوية الوطنية الواحدة التي لا تقبل التعدد مثل الأم الوالدة، والهوية تبقى
متبوعة بالجنسية وليست تابعة لها أبدا، فإن ضاعت الجنسية تسترجعها الهوية، كما حصل
بالفعل في الجزائر بأغلى ثمن في التاريخ المعاصر، و لكن إن ضاعت الهوية الموحدة
باللغة الموحدة (مثل فرنسا في فرنسا) فستضيع معها الجنسية مرة أخرى وربما إلى
الأبد (مثل الأندلس والبرتغال) وهذا هو محور الصراع القائم الآن في الجزائر وبعض
البلاد المغاربية منذ نهاية الاحتلال وبداية الاستحلال القائم حتى الآن والذي
عرفنا بدايته ولا نعرف نهايته.
ونؤكد هنا ما نردده دائما عن تجربة وقناعة بأن كل احتلال قد يحمل
بذور استقلال وكل استقلال يحمل بذور احتلال وأن بذور الاستقلال تسقى بالشهادة وبذور الاحتلال تبقى وتسقى بالخيانة.. ولذلك
لا يوجد استقلال دائم ولا احتلال دائم ولكن توجد خيانة مستمرة وعدو متربص ناقم
وجهاد قائم وقانون مطبق صارم ورئيس منتخب شرعي حاكم.