كتب

لماذا يستهدف الاحتلال الطفل الفلسطيني؟ كتاب يجيب

جرائم المحتل الصهيوني بحق أطفال فلسطين تناقض تمامًا المقولة الصهيونية "الكبار يموتون والصغار ينسون"
جرائم المحتل الصهيوني بحق أطفال فلسطين تناقض تمامًا المقولة الصهيونية "الكبار يموتون والصغار ينسون"

الكتاب: "استهداف الطفل الفلسطيني: بانوراما موثقة بالحقائق والأرقام لممارسات إسرائيل التعسفية ضد أطفال فلسطين (1948-2021)"
الكاتب: د. إبراهيم فؤاد عباس
الناشر: دار ريادة للنشر، جدة

عدد الصفحات: 153 صفحة

لا تزال دولة الاحتلال تستخدم أطفال الشعب الفلسطيني من الحمل وحتى الموت، كأدوات لبناء دولة إسرائيل؛ لاستئصال الجيل القادم من الفلسطينيين، وتعاملت مع الأطفال على أنهم لا يستحقون التمتع بحقوق الأطفال العالمية، وكأجساد خطيرة قابلة للقتل تحتاج إلى الحبس والفناء، جسديًا وعقليًا كما نبهت د. نادرة شلهوب؛ ولذلك وقع الطفل الفلسطيني في ميدان الاستهداف الإسرائيلي بالقتل، والترويع، والتنكيل، والتعذيب الجسدي والمعنوي، ولا أدل على ذلك اليوم من حالة الطفل الأسير أحمد المناصرة الذي يعاني في السجون الإسرائيلية من حالة نفسية وعقلية يرثى لها.

رصد إبراهيم عباس في كتابه سياسة إسرائيل في استهداف الأطفال، التي بدأت قبل إقامتها عام 1948م، حتى إنها بقرت بطون الأمهات الحوامل، ونكلت بالأطفال الذين تم نسيانهم من قبل عوائلهم أثناء التهجير عام 1948م، أو إن من بقي وعايش التهجير بقيت ذاكرته مشوهة من الطفولة، كان يستحقها كغيره من أطفال العالم، ومازال الطفل الفلسطيني يواجه بشكل يومي الاعتداءات التي ترتكبها قوات الاحتلال بحقهم، ومن المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية أثناء مرورهم على الحواجز العسكرية متوجهين إلى مدارسهم، وحتى وهم عائدون، وعن ذلك يقول الكاتب: "الطفل الفلسطيني هو الوحيد من بين أطفال العالم الذي اختزلت من عمره مرحلة الطفولة، وأطفال فلسطين شهداء قبل أن يعرفوا معنى الحياة، والطفل ينمو ويترعرع في بيئة غير آمنة، وفي أجواء الخوف والرعب والقلق والترقب، والحرمان بكل أشكاله"، ويضيف أنه قد يولد لأب شهيد أو معتقل أو معاق، وقد يولد لأم تلده على حاجز إسرائيلي، وقد يهدم البيت الذي يعيش فيه، وقد يتعرض هذا البيت للحرق بمن فيه من قبل المستوطنين (ص4).

عرض عباس في الفصل الأول دير ياسين أكثر من مذبحة، وكونها لم تكن الأولى، بل سبقها عشرات المذابح سواء في قرية الخصاص 18/12/1947م، أو في مذبحة بلاط الشيخ 31/12/1947م، أو غيرهما، وجسدت دير ياسين الإرهاب الإسرائيلي والتطهير العرقي المنظم ضد الشعب الفلسطيني، وأرجع عباس التركيز والاهتمام بمذبحة دير ياسين، على الرغم من وجود مذابح أكبر منها كمذبحة الدوايمة التي ارتقى فيها ما بين 500 إلى 1000 فلسطيني من أهالي القرية 29/10/1948م إلى "أن تلك المذبحة تم توثيقها بالتفصيل من قبل مندوب هيئة الصليب الأحمر الدولي جاك دي رينيه، وثانيًا لأن العالم الذي كان قبل تلك المذبحة بثلاث سنوات فقط يتباكى على الهولوكوست النازي ضد اليهود لم يحرك ساكنًا، وثالثًا- وهو الأهم- ما ترتب على تلك المذبحة من فرار جماعي من قبل الفلسطينيين العزل خوفًا من أن يلاقوا نفس مصير أهالي دير ياسين"؛ وفي وصفه لمظاهر التنكيل بأطفال القرية يقول: الكاتب الفرنسي باتريك ميرسيون إن أفراد عصابتي الأرغون وشتيرن "كانوا يراهنون على نوع الأجنة قبل بقر بطون النساء الحوامل" (ص 33- 35).

صدق غسان كنفاني حين قال "كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقاً صغيراً يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود"، وهكذا هي الطفولة في فلسطين، وفي إشارته إلى الفظائع التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد أطفال مدينة رفح في العدوان الثلاثي عام 1956 م ذكر د. أحمد ذكي الدجاني أن القسوة بلغت بشاويش إسرائيلي أن دخل بيتًا عربيًا فقتل طفلين أمام أمهما، ولما سئل عن الداعي لذلك أجاب بأن زوجته طلبت منه قتل أربعين عربيًا فتمكن من قتل 38، وعز عليه أن لا يحقق رغبة زوجته فقتل الطفلين!! ( ص45).

أما خلال الانتفاضة الأولى، انتفاضة أطفال عام1987م، فمجمل الشهداء في الانتفاضة الأولى كان 281 قاصراً فلسطينيا قتلتهم إسرائيل، ونحو 23 قضوا على يد المستوطنين ما دون 17 عاماً، بالمقابل قتلى نحو 18 طفلاً إسرائيلياً، أما الفترة 2000 ـ 2012م، قضى نحو 129 قاصر إسرائيلي، مقابل 1337 قاصر فلسطيني نتيجة الإرهاب الإسرائيلي( ص61) .

أوضح الكاتب كيف أن لجان الدولية لم تكن سوى خديعة دولية لإذابة الحق الفلسطيني، فعلى الرغم من تشكيل الأمم المتحدة للجنة خاصة معنية بانتهاكات إسرائيل لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1968، إلا أن إسرائيل استمرت في ممارساتها للجرائم التي تنتهك فيها الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني، وشهدت تلك الانتهاكات انعطافه خطيرة بعد اندلاع انتفاضة عام1987م، عبر استهداف "أطفال الحجارة" بدءًا من استخدام جنود الاحتلال الهراوات الحديدية، والرصاص المطاطي، والغازات المسيلة للدموع في قمعهم، وحتى تكسير عظامهم واستهدافهم من خلال عمليات الخطف والقتل والاعتقال، بلغت الانتفاضة عام 1989م ذروة اشتعالها، في الذكرى الثلاثين لإعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وصادف أيضًا الذكرى العاشرة لعام الأمم المتحدة للطفل، وكان موضوع أسبوع منظمة العفو الدولية لذلك العام : الأطفال، فوثقت في تقريرها " أنه منذ اندلاع الانتفاضة، والأطفال الفلسطينيون يقعون ضحية؛ لانتهاكات حقوق الانسان بصفة يومية تقريبًا، وكان معظم القتلى والجرحى خلال السنة الأولى من الانتفاضة دون الخامسة عشر من العمر، وذلك طبقًا لإحصاءات الأمم المتحدة الخاصة بقطاع غزة" (ص 71)  .

جاء اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م؛ لتكشف وحشية وعنجهية دولة الاحتلال بالمقارنة مع الانتفاضة الأولى، كانت الانتفاضة الثانية الأكثر عنف، فخلال الانتفاضة الثانية التي دامت خمس سنوات تقريبًا، تم تسجيل أكثر من 4300 شهداء، أي أكثر بقليل من ضعف شهداء الانتفاضة الأولى، بينما اتسمت الانتفاضة الأولى ببعدها الشعبي، وبعناصرها من أطفال الحجارة، كانت الانتفاضة الثانية ذات بعد عسكري(ص75)، وأدى القمع الإسرائيلي للانتفاضة حتى منتصف شهر يونيو 2002 إلى استشهاد 2295 فلسطينيًا بينهم 468 طفلاً ، كما جرح 37550 بينهم 4900 طفلاً، وأدت هذه الإصابات إلى إعاقة 5500 فلسطيني بينهم 980 طفلاً.

خلال انتفاضة الأقصى ذكر الصحفي الأمريكي هولجر جينسن" إن إسرائيل شنت هجومًا في شهر أبريل عام2002م على غزة، بطائرات إف ـ 16 على مجمع القوى الأمنية في غزة في الفترة التي كان يتواجد بها مئات الأطفال الذين خرجوا لتوهم من المدارس، بينما أطلقت مروحية من طراز "أباتشي" صواريخ أخرى على ورشة معادن بالقرب من معسكر جباليا للاجئين، وهو ما تسبب في انهيار سقف حضانة للأطفال بجوار الورشة، مما أدى إلى إصابة 22 طفلاً تم نقلهم للمستشفى.

جرائم المحتل الصهيوني بحق أطفال فلسطين تناقض تمامًا المقولة الصهيونية "الكبار يموتون والصغار ينسون".. فكيف ينسى الصغار فيما تلاحقهم تلك الجرائم والمذابح التي أصبحت لا تفارقهم منذ نعومة أظفارهم؟

ارتكبت إسرائيل جريمة تسميم الأطفال في محاولة منها؛ لمنع انخراط الأطفال في أعمال النضال الفلسطيني، واستهدفت محاولات التسميم طلاب وطالبات المدارس ممن هم في سن الطفولة والمراهقة بعمليات تسمم جماعي من خلال الغازات السامة، لتمثل تلك المحاولات شكلاً من أشكال الإرهاب الإسرائيلي، حيث تعرضت عام 1983م مئات الطالبات في المدارس الثانوية في الضفة الغربية إلى عملية تسمم جماعية عمت مناطق جنين، وطولكرم، ونابلس، والخليل، والقدس، وخلال ثلاثة أسابيع سجلت محاضر المستشفيات ما يزيد عن 1000 حالة تسمم. وقد أثبتت نتائج الفحوصات المخبرية وجود مادة كيماوية سامة في دم المصابات، وهي عبارة عن أحد مشتقات مادة الأزيريدين. وجاء نثر تلك المادة بهدف إحداث عقم لدى الطالبات (ص 87).

سبق وأن أصدر حاخامات يهود فتاوى دينية تسمح بتسميم آبار المياه، وفقًا "لمنظمة حقوق الإنسان ـ كسر جدار الصمت"، وهي منظمة لجنود إسرائيليين من المحاربين القدامى، ما دفع ، المستوطنين إلى تسميم آبار المياه في العديد من قرى وبلدات ومدن الضفة الغربية ، مما أدى إلى حالات تسمم تسببت في وفاة العديد من الأشخاص بما في ذلك أطفال.

تستخدم إسرائيل نوعًا من الغازات المسيلة للدموع يطلق عليه اسم (سي . إس) في إمكانه أن يطلق مادة "السيانيد" التي تعد إحدى أقوى ثلاثة سموم قاتلة، وتأتي في المرتبة الأولى ويليها الزرنيخ ثم الزئبق.
  
الإبادة الجماعية للأسر الفلسطينية 

شكل العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والمواثيق الدولية باقتراف إسرائيل العديد من الجرائم ضد المدنيين، بما فيهم الأطفال الأبرياء بقصد التطهير العرقي وانهاء الوجود للشعب الفلسطيني دون التقيد بالتزاماتها القانونية والدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة المادة (2) من اتفاقية الأمم المتحدة؛ لحقوق الطفل لتي صادقت عليها دولة الاحتلال عام 1991 م (ص83).

جاء صدور كتاب "شريعة ملك" عام 2009م، للحاخام يتسحاق شابيرا، والحاخام يوسيف اليتسيور ـ أحكام العلاقات بين اليهود والأغيار، والذي يبيح ـ ضمن ما يتضمنه من أحكام ـ ليزيد من قتل الفلسطينيين بدم بارد حتى لو كانوا أطفالاً رضع.

كثفت إسرائيل من أعمال اغتيال الأسر الفلسطينية خلال عدوان عام 2014م، وأفادت الإحصائيات بأن نحو 70 عائلة قضت بفعل الغارات الإسرائيلية العنيفة أو قتل معظم أفرادها. وبينت أن ما لا يقل عن 16 عائلة قتل جميع أفرادها، ولم يبق منها أحد، ومن بين تلك العوائل عائلة أبو جامع، والكيلاني وغيرهم. فيما طالت المجازر عائلات أخرى قتل غالبية أفرادها ولم يتبق منهم سوى فرد أو اثنين على قيد الحياة بين مصاب ومشرد، بينهم عائلة «حمد» في بيت حانون، التي قتل جميع أفرادها عدا طفل لم يتجاوز السادسة من عمره بقي وحيدا يكابد آلام الحياة."

 

كثفت إسرائيل من أعمال اغتيال الأسر الفلسطينية خلال عدوان عام 2014م، وأفادت الإحصائيات بأن نحو 70 عائلة قضت بفعل الغارات الإسرائيلية العنيفة أو قتل معظم أفرادها. وبينت أن ما لا يقل عن 16 عائلة قتل جميع أفرادها، ولم يبق منها أحد،

 



ليس بعيداً عن قطاع غزة وقعت أبشع المجازر الإسرائيلية حيث جريمة إحراق عائلة الدوابشة بتاريخ 31 يوليو من العام 2015، حيث ألقى مستوطنون تسللوا إلى قرية دوما قضاء نابلس تحت جنح الظلام، زجاجات حارقة داخل منزل عائلة دوابشة وهم نيام، ما أدى لاستشهاد الرضيع علي، وإصابة والداه وشقيقه أحمد بجروح خطيرة، إلى أن أعلن عن استشهاد والديه بفعل إصابة الحروق، وبقاء الطفل أحمد يكابد آلمه وحروقه وحيدا دون عائلته.
 
أما عن التأثير النفسي على أطفال فلسطين جراء الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المناطق الفلسطينية، فقد انعكس استمرار العدوان الإسرائيلي خاصة في قطاع غزة، المتمثل في أربعة حروب في أقل من ثلاثة عشر عامًا سقط خلالها آلاف الضحايا الذين يشكل الأطفال نسبة كبيرة منهم ـ على الصحة النفسية للطفل الفلسطيني. وحسب ما جاء في الإحصائيات المختلفة فإن 90% من أطفال غزة أصبحوا يعانون من القلق، فيما أصبح 25% من الأطفال عصبيون. كما لوحظ أن هناك حالات كبيرة من التبول اللا إرادي، أو العجز عن النطق.

أطفال بعمر الزهور في الأسر 

تمادت إسرائيل في اضطهاد الطفولة الفلسطينية، فظاهرة الأطفال المعتقلين، بلغت منذ عام 1967م، وحتى نهاية يونيو 2020 نحو مليون فلسطيني منهم أكثر من 50 ألف طفل (تقع أعمارهم ما دون 18 عامًا حسب القوانين الدولية)، أغلبهم تعرضوا للتعذيب والعنف، سواء الجسدي أو النفسي في سجون الاحتلال "يعيشون في ظروف صعبة ليس أقلها منع زيارة أقاربهم لهم"، منهم نحو 160 طفلاً وطفلة مازالوا رهن المعتقلات "يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب، والمحاكمات الجائرة لقانون الدولي واتفاقية الطفل، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية الطفل" (ص 101)، في هذا الصدد يشير جودي سوكولوير مؤلفة كتاب "مصممون على البقاء" مايو 2021م، أنه في كل محادثاته مع الشباب في قرية  سلوان، لم ألتق مطلقًا بصبي أكبر من ثمانية أعوام لم يتم القبض عليه مرة واحدة.

أرفق الكاتب شهادات حية وقصص واقعية موثقة للأطفال الذين تعرضوا للإرهاب الإسرائيلي، يقول عبدالله الذي اعتقل ست مرات عندما كان طفلاً "دمروا الباب الأمامي ، ودخلوا غرفتي ، وغطوا وجهي بكيس وأخذوني بعيدًا... قالوا لوالدي أنني سأعود في اليوم التالي. لقد عدت بعد 12 شهرًا"! (ص109).

أصيب الطفل فاضل (11 عامًا)، أثناء رعيه للأغنام مع شقيقه، أطلقت القوات الإسرائيلية النار وأصابته في فخده، وتركه الجنود الإسرائيليون ينزف على الأرض لمدة ثلاث ساعات "وضعت يدي اليمنى على عيني لإغلاقهما، وانتظرت أن يأتي الموت ويقبضني"... تم اكتشافه من قبل أقاربه الذين نقلوه إلى المستشفى، صحيح أن الجراحة أنقذت حياته لكنها ربما كلفته عدم القدرة على الإنجاب وفقًا لما ذكره الأطباء (ص109).

أخيراً إن وضع تلك الانتهاكات في نظر المجتمع الدولي تحت بند "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، ينطوي على ظلم كبير، ويتناقض مع القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية وشريعة الأمم المتحدة نفسها، إلى جانب توجيه اللوم للإسرائيليين والفلسطينيين بنفس القدر واتهامهما معًا بارتكاب جرائم حرب يخرج عن أي مفهوم للعدل.
 
ختم الكاتب دراسته بالقول: "إن استناد جنود الاحتلال والمستوطنين على القوانين والأوامر العسكرية وفتاوى الحاخامات الصهيونية في قتلهم لأطفال فلسطين الأبرياء يعتبر الشكل الأكثر قبحًا لمعنى الإرهاب، ولا يمكن استمرار هذا الوضع إلى أجل غير مسمى".


التعليقات (0)