أفكَار

في عوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية (4)

عبد الله جاب الله: الإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بالتصور الصحيح لحقيقة الإنسان وحقيقة الدنيا- (فيسبوك)
عبد الله جاب الله: الإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بالتصور الصحيح لحقيقة الإنسان وحقيقة الدنيا- (فيسبوك)

يواصل الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذه السلسلة من المقالات الفكرية، التي كتبها للنشر المتزامن بين "عربي21" وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رصد ما يسميه بعوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية.. وهي آراء تمزج بين الوصف والمراجعة، بالنظر إلى التجربة التي خاضها الشيخ عبد الله جاب الله كداعية وكناشط سياسي في الجزائر.

حب الدنيا

من المعوقات أيضا حب الدنيا وكراهية الموت؛ لأن الحقيقة التي يقررها الإسلام هي أنّه لم يدع إلى استئصال الغرائز وكبت الشهوات بإطلاق، وإنما دعا إلى تهذيبها وتوجيهها لتكون في خدمة الفضائل، لأن الله تعالى لم يخلق في الإنسان الغرائز وحسب، وإنما خلق فيه أيضا الملكات الإنسانية العليا من عقل وقلب وإرادة وقدرة.

وقد ميّز الله تعالى الإنسان عن غيره بهذه الملكات العليا، ثم أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبين للناس ما يحتاجون إليه لينعموا في الدنيا بالسعادة، ويفوزوا في الآخرة بالفلاح.

وخلاصة ما جاء به الإسلام في موضوع الغرائز هو أنه بيّن أنها مما خلق الله تعالى في الإنسان وجعل الشهوات محببة إليه، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[الشمس: 10]، وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[ آل عمران: 14]، وقال تعالى: ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾[القصص:77].

ثمّ وجه الإنسان في التصرف في غرائزه بأمرين أساسيين، الأول هو التشريع المنزل في القرآن والسنة، والثاني: هي الملكات الإنسانية العليا، العقل والقلب والإرادة والقدرة.

وأمر بالارتقاء بالملكات الإنسانية العليا عن طريق التزكية والتعليم إلى أعلى درجات الكمال البشري المقدور لها، فكلما اهتم الإنسان بتزكية نفسه وتعليمها كلما استنار عقله وطهر قلبه وقويت إرادته وتحسنت قدرته، فاستطاع أن يميز بين الحق والباطل، والخير والشر، والمنفعة والمفسدة، واستطاع السير في طريق الحق والخير والمنفعة، والابتعاد عن طريق الباطل والشر والمفسدة.

إنّ الاستمتاع بالشهوات المباحة في حدود ما شرع الله تعالى ودون إسراف ولا تبذير أمر مشروع ومرغب فيه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 22].

وقوله تعالى: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾[الاعراف:157].

 

ميّز الله تعالى الإنسان عن غيره بهذه الملكات العليا، ثم أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبين للناس ما يحتاجون إليه لينعموا في الدنيا بالسعادة، ويفوزوا في الآخرة بالفلاح.

 



فالمشكلة ليس في هذا النوع من الشهوات، ولكنها في الشهوات التي لا ينضبط أصحابها بالشرع ويطلبونها بما حل وما حرم، وبما حرم أكثر مما حل، ويتوسعون فيها بلا أي ضابط ولا رقيب، فكانت من أهم مظاهر الوهن والفساد المنتشر في الأمة وأسبابهما، وكل ذلك ناشئ عن التصورات الفاسدة للإنسان والحياة وللموت والآخرة التي اتبعوا فيها الغرب.

والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بالتصور الصحيح لحقيقة الإنسان، وحقيقة الدنيا، وحقيقة الحياة والموت، ونظرته التي بيّنها القرآن والسنة لذلك هي النظرة الصحيحة، فالإنسان عنده مكرم ومفضل؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾[ الإسراء: 70].

وهذا التكريم والتفضيل قد حصل له بما ميّزه الله به عن سائر المخلوقات الأخرى من ملائكة وجان ومن حيوانات ونباتات وجمادات، وهو العقل والروح، وما يتفرع عنهما من إدراك وإرادة وقدرة، لذا اختلفت نظرة الإسلام عن نظرة الفلسفات والمذاهب الوضعية، ففي الوقت الذي تخبطت فيه المذاهب والفلسفات الوضعية ولا تزال في فهم طبيعة الإنسان ومن ثم في التعامل معه، فتعددت نظراتها وتنوعت دون جدوى، كان الإسلام وحده من بيّن أن الإنسان كائن بشري خلق لأداء وظيفة العبادة؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾[الداريات:56 ]. ووظيفة عمارة هذه الأرض: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾[هود:61 ]. ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾[البقرة: 30].

ووظيفة حسن الاستعداد للفوز بالآخرة؛ ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى﴾[الضحى:4 ]، ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:77].

وأنّه كائن مركب من الجوانب التي أوجدها الله تعالى في المخلوقات الأخرى من غرائز وشهوات وكذا من الملكات الإنسانية العليا، ثم عالج حياته معالجة شاملة لا تتـرك منها شيئا، ولا تغفل عن شيء، عالج جسمه وعقله وروحه، عالج حياته المادية وحياته المعنوية، وكل نشاطه على الأرض، ولا يمكن حصر الإنسان في جانب واحد، الجانب الجسدي أو الروحي أو الفكري، وإنما هو شامل لكيانه كله بجوانبه المختلفة.

والحياة في نظر الإسلام ليست مادة وحسب، والدنيا في نظره ليست هي دار القرار، وإنما الحياة لها معنى أعمق من المادة، وإنما هي دار عبور وانتقال إلى الحياة الأخرى، والحياة الأخرى هي دار المستقر، وأن متاع الدنيا قليل وهو إلى زوال: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ [النساء: 77]، وهو متاع الغرور، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].

وأنّ الإنسان سيسأل عن معتقداته وعن أعماله وأخلاقه وسائر مواقفه وعلاقاته: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:5 ـ 6]، وأن الآخرة خير وأبقى، ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى 17]، وهي دار الخلود، وأنّ القسمة فيها ثنائية ؛ أشقياء في النار وسعداء في الجنة؛ ﴿يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[ هود:105 ـ 108].

 

إقرأ أيضا: في عوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية

 

إقرأ أيضا: في عوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية (2)

 

إقرأ أيضا: في عوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية (3)



التعليقات (1)
مسلم
الخميس، 28-07-2022 08:50 ص
من هو الصديق حقاً ؟ يقول النووي رحمه الله : الصديق الإنسان و محبه هو من سعى في عمارة آخرته و إن أدى ذلك إلى نقص في دنياه .. كل اللذَّات تفنى إلا اللذّة التي تبقى بعد الموت و تنفع في الآخرة : هي لذة العلم بالله و العمل له .