قضايا وآراء

العالم تحت سيف المجاعة.. ولبنان بين الحرب والترسيم ساعة

محمد موسى
1300x600
1300x600
أيام مفصلية تعيشها الكرة الأرضية بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية واستمراريتها إلى ما لا نهاية، حيث تخبط الدول المنعكس عقوبات غربية وعقوبات روسية، وبينهما مخاطر تدك المعمورة من جانبيها بمرور الأيام غذائيا وأحفوريا.

فقد غدا الغذاء أحد أنواع الأسلحة في لعبة توازن الأمم عليه بدا الخوف من الفراغ الروسي الأوكراني في سلة غذاء العالم، لما تمثله الدولتان من ثقل في صادرات القمح والذرة والزيوت النباتية عالميا. ومن جهة أخرى، هناك أزمة موانئ البحر الأسود المسدودة بوجه التصدير، برغم المحاولات التركية لإنقاذ المحاصيل المكدسة، وتصديرها إلى دول باتت على شفير الخطر الحقيقي للمجاعة. ولا أدل على ذلك من تقارير دولية أبرزها لمنظمة الأغذية العالمية، حيث الحديث عن 33 في المائة من خبز العالم في مهب الريح، خاصة إذا ما علمنا أن أوكرانيا تصدر معظم صادراتها الغذائية عبر البحر الأسود، و95 في المائة من تلك الصادرات عبر ميناء أوديسا المحاصر منذ اندلاع الحرب.

وتواجه أوكرانيا مخاوف من الوقوع في أزمة تخزين، مع تعذر تصدير محاصيلها الشتوية وقرب حصاد المحاصيل الصيفية التي باتت في مهب الريح، ناهيك عن أنه بحسب الأمم المتحدة، فإن 53 دولة حول العالم تعتمد بنسبة أعلى من 10 في المائة على وارداتها من القمح على روسيا وأوكرانيا، و36 من هذه الدول تعتمد بنسبة أعلى من 50 في المائة من وارداتها على البلدين المذكورين، منها كل من لبنان ومصر والكاميرون وغواتيمالا. وهندوراس ونيجيريا.

وعليه، فقد دقت منظمة الأغذية العالمية ناقوس الخطر بأن أزمة غذائية حادة ستمس أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، 181.13 مليون منهم سيعانون من اضطراب حاد في أمنهم الغذائي، و18.61 مليون سيواجهون حالة حرجة من الجوع، لا سيما في دول أفريقيا وآسيا، علما أن مؤشر الغذاء العالمي حقق طفرات سعرية هائلة، حيث بلغت خلال شهر أيار/ مايو الماضي بلغ 29.9 نقطة، أي ما يعادل 22.8 في المائة أعلى مقارنة بالفترة نفسها السنة الماضية.

وتعد سوق الحبوب الأكبر التي أصابها هذا الارتفاع، فزادت أسعار القمح بمعدل 56 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. وارتفعت أسعار الشعير 18.1 في المائة، وأسعار الذرة بما يقارب 13 في المائة، ولا زالت الحلول الدبلوماسية أو العسكرية لم تجد لها حلولا.

واستطردا نحو مشاكل الوقود والغاز الأحفورية التي انبثقت من الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث برميل النفط لا يزال يحلق فوق 120 دولارا للبرميل مصحوبا بأسعار قياسية للغاز في المتوسط، مما فاقم أزمة التضخم التي تجتاح العالم، وباتت نسب النمو العالمي في أدنى توقعاتها إلى حدود 3.6. وعليه، بعدما كان الحديث عن التعافي من كورونا أصبح الحديث الاقتصادي العالمي يتمحور حول هبوط نسب النمو وحالة الأزمات القادمة، وفي رأسها الركود التضخمي الذي سيكون نجم الموسم القادم في سلسلة أزمات عالمية ستعصف بالكثير من اقتصاديات الدول، ومنها لبنان الذي تتفاقم أزماته، وكل مؤشراته الاقتصادية، تجزم بأن البلاد على كف عفريت وشبح انهيار مؤكد، بحسب لجنة الشؤون الخارجية الأمريكية في اجتماعها الأخير.

وربطا بعقوبات النفط والغاز الغربي على روسيا الاتحادية التي كانت تورد ما يقارب 140 مليار متر مكعب من الغاز ومن المستهدف إيقافها أوروبيا، إلا أن التعويض سيكون هدفه الزمني القريب والمتوسط منطقة حوض المتوسط، حيث الحديث عن 3500 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط، ولكن حتى الساعة لا اتفاقات ولا ترسيم حدود، وتكاد تكون المرحلة عنوانها التخبط وقرب الانفجار في أكثر من ساحة في حوض المتوسط (لبنان- العدو الإسرائيلي، تركيا- اليونان، مصر- ليبيا.. إلخ).

من هنا، جاء حل الخلاف الحدودي بين لبنان والعدو الإسرائيلي عنوانا للمرحلة الحالية والمقبلة، حيث الكل بانتظار وصول الموفد الأمريكي عاموس هوكشتين، الذي على الأرجح لن يدخل بازار الخط عند النقطة 29، وتاليا الحديث الأمريكي- الإسرائيلي سيدور حول المساحة بين النقطة رقم 1 والنقطة 23، وبالتالي العودة إلى مسارات المفاوضات غير المباشرة، وحكما سيكون الهدف إما خط هوف أو خط هوكشتين، وبين الخطين يكون لبنان أمام كلام جدي عن ضياع جزء من مناطق بالحد الأدنى متنازع عليها إن لم نقل إنها لبنانية، فهل يدفع لبنان من كيسه بسبب الأمر الواقع الإسرائيلي بوصول سفن الحفر التنقيب (إنيرجين باور، ومعها نوبل إينرجي اليونانية) إلى حقل كاريش، وتاليا الحفر لخمس آبار لحساب الإسرائيلي؟؟!!

وعليه،إما أن لبنان يدفع فاتورة مماطلة سياسييه وشللهم السياسي وفشلهم الدبلوماسي في هذا الملف، وإما أن يدفع من ثروته بسبب ضعفه الاقتصادي واستغلال الإسرائيلي والوسيط الأمريكي للحظة الراهنة لوضع البلاد المهزوز اقتصاديا وسياسيا، على أبواب استحقاقات كبرى ليس أقلها تسمية رئيس حكومة وشكل الحكومة القادمة، والاتفاق على خطة تعاف مع صندوق النقد وخلفه أمريكا، ثم حلول الاستحقاق الرئاسي الذي بات حديث الصالونات السياسية والدبلوماسية.

وكخاتمة بين مجاعة العالم وتباطؤ اقتصاداته ولحظات الإقليم المعقدة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، هل يبقى للبنان ترف الوقت في المفاوضة تحت ضغوط الداخل الاقتصادية وضغوط الخارج السياسية؟ الخوف كل الخوف أن يُفرض على لبنان الحل ضمن توافق إقليمي- دولي أكبر من بلاد تكاد تلفظ أنفاسها. لا شك أنها لحظات مصيرية لبلاد وصفها وزير خارجية فرنسا السابق لودريان، بأنها على شفير الزوال لا سمح الله.

[email protected]
التعليقات (0)