هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: المائة الأعظم في تاريخ الإسلام
الكاتب: حسين أحمد أمين
الناشر: الكرمة، القاهرة، 2019
فى عالم الدبلوماسية، اشتغل كثيرون بالكتابة والأدب، بعضهم آثر الكتابة عن العمل الدبلوماسي وترك كتباً تمثل مصدراً مهماً من مصادر التوثيق التاريخي. بينما انطلق البعض سابحاً في بحور الأدب، محلقاً في آفاقه ما بين كتابة الرواية والقصة والشعر، حيث منح العمل الدبلوماسي هؤلاء فرصة الإبحار في عوالم أخرى والاطلاع على ثقافات مغايرة، عكستها إبداعاتهم، حتى حصد بعضهم جوائز مهمة، مثل الشاعر "بابلو نيرودا" من تشيلي، الذى نال جائزة نوبل في الأدب. وفي أحيان قد تتغلب شهرة الأديب على الدبلوماسي كما هو الحال مع نزار قباني الذي هجر العمل الدبلوماسي من أجل عيون الشعر.
عرفت مصر ظاهرة الدبلوماسي الأديب، وكان من أهم أقطابها يحيى حقي، والكاتب حسين أحمد أمين، نجل أحد رواد التنوير المؤرخ الإسلامي الكبير الدكتور أحمد أمين، وهو أيضاً شقيق المؤرخ الراحل وخبير الاقتصاد د. جلال أمين.
كان حسين أحمد أمين مهتماً بالقضايا الإسلامية، واُعتبر من أهم التنويريين الداعين إلى الفكر الوسطي في الإسلام. وله إرثاً مهماً من المؤلفات منها: "دليل المسلم الحزين" الذي نال جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة للكتاب عام 1984، "الاجتهاد في الإسلام حق أم واجب"، وهذا الكتاب: "المائة الأعظم في تاريخ الإسلام".
في هذا الكتاب يعرض لنا المؤلف أهم إسهامات أعظم مائة شخصية في تاريخ الإسلام في الحضارتين الإسلامية والعالمية. ويرتب المؤلف الشخصيات المائة التي انتقاها، بحسب تواريخ وفاتهم. فيقدم لنا بدءاً من القرن السابع الميلادي حتى القرن العشرين، الشخصيات المائة، بداية من محمد "صلى الله عليه وسلم" وأبي بكر وعمر وخالد ابن الوليد، حتى محمد عبده وأحمد كسروي مفردا لشخصيات كل قرن فصلاً من الكتاب. وتعريفًا موجزًا ـ غير مُخلٍّ ـ بأهم الإنجازات التي أسهم بها المائة الأعظم في تاريخ الإسلام، من خلفاء وملوك، وسلاطين وأمراء، وولاة، ووزراء وقادة، ومؤرخين وفقهاء، وشعراء وأدباء، وعلماء وأطباء، وجغرافيين ورحَّالة، وفلاسفة ومُتصوِّفين، وموسيقيين ومغنين، وكذلك شرحًا للإسهامات الحضارية الخالدة لكلٍّ منهم.
تنوع هذه الإسهامات واختلافها، دفعت الكاتب في بعض الحالات إلى إغفال شخصية عظيمة كـ "نور الدين محمود" لمجرد تشابه إنجازاتها مع إنجازات شخصية أعظم هي "صلاح الدين الأيوبي".
يعقوب بن إسحاق الكندي (801- 873م)
أول فلاسفة الإسلام، والفيلسوف الإسلامي الوحيد ذو الأصل العربي، ولذل لُقب بـ "فيلسوف العرب".
وللكندي فضل كبير في أنه كان أول من لجأ إلى التفسير الرمزي للآيات القرآنية، فعن آية "والنجم والشجر يسجدان" مثلاً، يقول إن السجود هنا يختلف عن معنى السجود في الصلاة، إذ هو في هذه الآية يعني الطاعة، واتباع المخلوقات كافة للقوانين التي وضعها الله لها، وقد كان هذا التفسير الرمزي للنصوص الدينية الذي بدأه الكندي، وتبعه فيه الكثيرون بعده، أداة خير في تطور الفكر الإسلامي.
عباس بن فرناس (توفي عام 887م)
يُلقب بـ "حكيم الأندلس"، ربما لاشتغاله، من بين ما اشتغل به، بالكيمياء، وترتكز مكانة ابن فرناس العلمية على تمكنه من علوم الحكمة الرياضية والطبيعية، ومن أدلة براعته في هذه العلوم أنه صنع في بيته قبة كهيئة السماء، ومثل فيها أفلاكها، وأقام فيها آلات تخيل إلى الناظر فيها أنها نجوم وغيوم، وبرق ورعد، فذاع ذكرها بين الناس، وكلفه الأمير محمد بن عبد الرحمن بعمل آلة لمعرفة الوقت، فصنع آلة تعرف بالمنقالة، تعرف بها الأوقات بالليل والنهار، كما كان عباس بن فرناس أول من صنع الكريستال. غير أن أهم ما اشتهر به ابن فرناس هو محاولته الطيران، فقد كسا جسمه بريش النسور، وجعل لنفسه جناحين على وزن وتقدير قدره، وقفز من أعلى هوة سحيقة، محلقاً في الهواء لبضع ثوان قبل أن يسقط على الأرض ناجياً من الموت بأعجوبة.
أبو بكر الرازي (865- 925)
من أعظم الأطباء والفلاسفة المسلمين، خلف كتابات جمة ـ كما يقول المؤلف ـ في كل الموضوعات العلمية والفلسفية التي كانت تُدرس في زمنه، ولا يزال بين أيدينا أكثر من خمسين مؤلفاً له، من أفضلها رسالة في الجدري والحصبة، تُرجمت إلى اللاتينية واليونانية والفرنسية والإنجليزية، وأعظم كتبه هو "الحاوي" الذي كان بمثابة موسوعة لكل المعارف الطبية حتى زمنه، وقد عرض بصدد كل مرض آراء المؤلفين اليونانيين والشاميين والهنود والفرس والعرب، مضيفاً ملاحظاته من خلال تجاربه العملية، ومعبراً في الختام عن وجهة نظره.
كان الرازي مديراً لأكبر مستشفيات بغداد، وشهد الناس له بأنه أعظم أطباء عصره.
البتاني (858- 929)
عالم عراقي، هو أكبر علماء الفلك عند العرب، وقد عده "لالاند" الفلكي الفرنسي الكبير واحداً من أعظم الفلكيين العشرين في تاريخ البشرية، ووصفه "سارتون" في كتابه "تاريخ العلم" بأنه أعظم فلكيي جنسه وزمنه ومن أعظم علماء الإسلام.
كان علماء الفلك قبل البتاني يعتمدون في دراستهم وعملهم على علم الفلك اليوناني، خاصة مؤلفات بطليموس، وعلى علم الفلك الهندي، وقد تبع الفلكيون العرب بطليموس في اعتقاده بسكون الأرض التي تدور حولها ثمانية أفلاك، هي: الشمس والقمر والكواكب الخمسة والنجوم الثابتة. وبمرور الوقت أدرك العرب أوجه ضعف نظام بطليموس، فانتقدوه دون أن يخرجوا ببديل له.
وقد تركز نشاط البتاني على ما يسمى بـ "الزيج" (أي مجموعة الجداول الفلكية)، فوضع حوالي عام 900م جداول دقيقة للغاية، في حين ظلت ملاحظاته الصائبة عن كسوف الشمس أساساً للمقارنات المعقودة حتى عام 1749م، وقد حدد ميل دائرة فلك البروج (أي الدائرة الكسوفية) بـ 23 درجة و35 دقيقة، وهذا قصارى ما كان يمكن أن يصل إليه محقق من الدقة في زمن لم تكن الآلات الفلكية قد عُرفت أو اخترعت فيه، وهو ما يزيد من قدر البتاني، فقد قام الفلكي "لالاند" بحساب ذلك الميل بعد ألف سنة تقريباً من وفاة البتاني، فوجد أنه 23 درجة و35 دقيقة و41 ثانية.
صحح البتاني جملة من المعارف عن حركات القمر والكواكب السيارة، وحدد في كثير من الدقة طول السنة المدارية والفصول، والمدار الحقيقي والمتوسط للشمس، وأستنتج أن معادلة الزمن تتغير تغيراً بطيئاً على مر الأجيال.
المسعودي (توفي عام 956م)
من ألمع المؤرخين والجغرافيين العرب، وصاحب كتاب "مروج الذهب" الذي وصفه المستشرق البريطاني "سير هاملتون جيب" بأنه "ليس ثمة في العربية كتاب أكثر منه امتاعاً، جمع فيه بين التاريخ الطبيعي والتاريخ والجغرافيا وعلم أصول السلالات البشرية والدين والطب وغيرها، جمعاً يدل على سعة أفقه، وملأه بنوادر لا تحصى، تهيئ للقارئ لذة وتسلية لا حد لهما".
كان المسعودي مجدداً في ميداني الكتابة التاريخية والكتابة الجغرافية معاً: ففي التاريخ، تحول عن "الحوليات" التي أرخ فيها أسلافه ـ كالطبري ـ للحوادث سنة بعد سنة، إلى سردها في رواية واحدة متواصلة، ذات طابع أدبي، استغنى فيها عن الإسناد، كما أنه ـ هو واليعقوبي ـ حققا تحرير الكتابة التاريخية من قالبهما الديني وجعلاها علماً مستقلاً، فإن كان الطبري قبله قد اهتم إلى جانب تاريخ العرب بتاريخ إيران القديم، فقد وسع المسعودي في تاريخه من نطاق اهتماماته بحيث شمل إلى جانب التاريخ الإيراني، تاريخ اليونان والرومان والبيزنطيين، بل حتى تاريخ الكنيسة المسيحية.
وفي الجغرافيا، احتل المسعودي المكانة الأولى دون منازع بين جغرافيي القرن العاشر الميلادي، إذ نقل الكتابة الجغرافية من مجالها التقليدي الذي كان الدافع الأساسي فيه هو خدمة الإدارة بتنظيم البريد ووسائل الاتصال وجمع الخراج، إلى كتابة مشربة بالروح الإغريقية، تحوي استطرادات مطولة عن البحار والأنهار، وقبائل العرب والكرد والترك والبلغار، وهجرات القبائل، وتأثير المناخ في أخلاق وعادات الشعوب، بل نجده يتحدث عن فكرة وحدة الشعوب السامية قبل زمن طويل من ظهور هذه الفكرة كنظرية علمية في أوروبا. فهو إذن يقف على قمة المعارف الجغرافية لعصره، خاصة في كتابه "التنبيه والإشراف"، أما "مروج الذهب" فمن المؤكد أنه يحوي أفضل وأدق صورة للحياة الاجتماعية والثقافية في عصر الخلافة الإسلامية.
ابن سينا (980- 1037م):
فيلسوف وطبيب فارسي، ربما كان أشهر فلاسفة وأطباء العالم الإسلامي. ويلاحظ بوجه عام أن الطب منذ نشأته ظل قروناً طويلة مرتبطاً بالفلسفة، ويكاد يكون معظم فلاسفة العرب، من الكندي حتى ابن رشد، أطباء، وكان الخلفاء والسلاطين يعينونهم أطباء في البلاط، ومؤدبين لأولادهم، ومستشارين سياسيين. ويلاحظ في هذا الصدد إطلاق كلمة "حكيم" في اللغة العربية على كل من الطبيب والفيلسوف.
خلف ابن سينا من بين 267 مؤلفاً، ثلاثة كتب (أو موسوعات) خالدة: اثنين في الفلسفة، وهما "الإشارات والتنبيهات"، و"الشفاء"، والثالث في الطب، وهو "القانون".، وحرص ابن سينا على أن يجعل كتاباته على مستويات ثلاثة: كتب للعامة (ومنها "الشفاء" و"النجاة") لا تتعارض تعارضاً بيناً مع المعتقدات الشائعة، وكتب لتلاميذه (ومنها "الإشارت والتنبيهات") وكان فيها أكثر حرية وجرأة،وكتب في العقيدة الباطنية (مثل "حكمة المشرقين") أعدها لفئة خاصة تستطيع فهمها.
غير أن شهرة ابن سينا كطبيب (وكان يُدعى بـ "جالينوس العرب") فاقت شهرته كفيلسوف، وقد حاول في كتابه الشهير "القانون في الطب" أن يوفق بين طب أبقراط وطب جالينوس، مضيفاً إليهما ما عرفه عن طب فارس والهند والسريان والعرب، وما دلته عليه خبراته الشخصية والتجارب التي قام بها بنفسه. وقد كان لهذا الكتاب الفضل في بيان العلاقة الوثيقة بين الحالات النفسية وأمراض الجسم، وبيان تأثير التغذية وتأثير المناخ في الصحة، وبيان إمكان انتقال مرض السل بالعدوى، وانتشار الأمراض بسبب القذارة والمياه الملوثة. وكان ابن سينا دائماً يوصي بأن تجرب الأدوية أولاً على الحيوانات للتأكد من فعاليتها وخلوها من الضرر.
وقد حل كتاب "القانون" هذا محل كافة كتب الطب التي ظهرت قبله، وظل الكتاب الطبي المعتمد في العالم الإسلامي حتى مطلع القرن العشرين، أما في أوروبا فقد ظل المرجع الرئيسي في تدريس الطب في الجامعات حتى القرن السابع عشر (أي ما يقرب من ستة قرون)، حتى قيل فيه إنه "ظل بمثابة الكتاب المقدس في الطب أطول مما ظل أي كتاب آخر".
ابن رشد (1126- 1198م):
فيلسوف وطبيب وفقيه أندلسي، أهم كتبه في الطب كتاب "الكليات" الذي حوى أول وصف علمي لوظيفة شبكية العين، وكان فيه أول من لاحظ أن من يصاب بالجدري لا يصاب به مرة ثانية، وبالكتاب عرض واف لعلمي التشريح ووظائف الأعضاء، وقد تُرجم إلى اللاتينية.
غير أن أهم إنجازاته هو في ميدان الفلسفة، فهو الشارح الأكبر لفلسفة أرسطو، وكان له الفضل في أن فرق بين هذه الفلسفة وأفكار مدرسة الأفلاطونية الحديثة، في حين كان الفلاسفة العرب قبله يخلطون بين هذه وتلك.
وهو إن لم يكن أول شارح مسلم لأرسطو، فهو أعظم هؤلاء الشارحين وأعمقهم تأثيراً في الحضارة الأوروبية التي سرعان ما أغفل أبناؤها سائر الشروح السابقة عليه، وأقبلوا على دراسة ترجمات كتب ابن رشد، قبل أن يتجهوا إلى دراستها في أصلها اليوناني، بل إن ثمة من بين كتب أرسطو ما فُقد أصله ولم يصل إلى الأوروبيين إلا عن طريق شروح ابن رشد وغيره من المترجمين والفلاسفة العرب.
الظاهر بيبرس (توفي عام 1277م):
من أعظم قادة الإسلام في الحروب، وقاهر المغول في موقعة "عين جالوت"، ومُقوض دعائم دولة الصليبيين في الشام، عدت الأجيال التالية عهده أحد العصور الذهبية في الإسلام.
كانت جحافل المغول تجتاح في زمنه بلدان المشرق العربي قُطراً بعد قُطر، وتقترب طلائعها من حدود مصر، وقد توجه بيبرس في معية السلطان قطز إلى فلسطين لصدهم، وكان للأول الفضل الأكبر في إيقاع هزيمة نكراء بهم في "عين جالوت" عام 1259م، كانت أول هزيمة يخبرونها، وسرعان ما تحول مدهم بعدها إلى جزر. وقد كان لانتصار بيبرس وقطز هذا فضل عظيم في تجنيب مصر إلى الأبد ويلات الغزو المغولي الذي عطل مسيرة التطور الحضاري الهادئ في أقطار المشرق العربي، بحيث باتت القاهرة منذ ذلك الحين عاصمة دار الإسلام دون منازع.
إقرأ أيضا: المائة الأعظم في تاريخ الإسلام يتصدرهم الرسول محمد (1من2)