بعد مرور أكثر من ثماني سنوات تعود رابعة، ويتكرر ذكرها من جديد، كونها حقيقة وألما عصيا على النسيان، لكن ذكرها بدا في صورة تراجيدية، مأساوية من جديد، مع القضية المشهورة إعلامياً بفض اعتصام رابعة، وأحكام الإعدام النهائية الباتة فيها.
إن حماية
حقوق الإنسان يجب أن تكون الغاية الرئيسة لكافة الأنظمة السیاسیة، ويجب عدم التذرع بأي شيء كمبررٍ لانتهاك القانون لارتكاب أفعالٍ ترقى إلى جرائم تمثل اعتداءً على حقوق الإنسان، وبصفة خاصة الحق في الحیاة. وعقوبة الإعدام تطبقها
مصر بشكلِ يهدد الحق في الحیاة، خاصة مع وجود أكثر من 105 أفعال مجرّمة عقوبتها الإعدام، في قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937.
أحكام الإعدام في مصر أكثرها تصدر عن قضاء استثنائي غیر طبیعي، وھو ما يعرف بدوائر الإرهاب أو القضاء العسكري، بالمخالفة للدستور المصري والمواثيق الدولیة المُصدّق علیھا من قبل الحكومة المصرية.
استمر القضاء المصري بشقّيه المدني والعسكري في التصدي للقضايا ذات الطابع السياسي منذ أكثر من سبع سنوات دون اكتراث، حتى بلغ عددها 1600 حكم، وتم تنفيذ الأحكام في 98 مواطناً خلال السنوات الماضية في قضايا سياسية. ورهن الإعدام حالياً 76 معتقلا ينتظرون تنفيذ الإعدام، بعد أن صدرت بحقهم أحكام نهائية باتة واجبة النفاذ نتيجة محاكمات غير عادلة، أبرزهم المحكوم عليهم الـ12 في قضية فض اعتصام رابعة العدوية.
وانطلاقاً من دورنا، نحن مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، وكمنظمة حقوقية غير حكومية في الدفاع عن حقوق الإنسان، ومُناهِضة لعقوبة الإعدام، وفي إطار بذل العناية، والجهود لأجل إنقاذ ضحايا الإعدام التعسفي في مصر، تقدمت المؤسسة في بداية آب/ أغسطس 2021 بشكوى ضد الحكومة المصرية إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، برقم 767/21، عقب صدور حكم من محكمة النقض بتأييد حكم الإعدام في 12 ضحية، في قضية فض اعتصام رابعة العدوية رقم 34150 لسنة 2015 جنايات مدينة نصر. وقد وصلنا خطاب اللجنة بهذا القرار في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وتم الإعلان عنه في تصريح صحفي بتاريخ 5 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وطلبنا الأساسي والرئيس في الشكوى كان إصدار أمر بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الضحايا الـ12 في هذه القضية، وطلباً آخر احتياطياً وهو إصدار أمر مؤقت بتعليق تنفيذ الحكم، الذي قد يتم بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية حسب نص المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية.
ونظراً لخطورة تنفيذ الحكم أثناء نظر الشكوى، وهو خطر يستحيل تداركه، أصدرت اللجنة قرارها في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر بتعليق تنفيذ حكم الإعدام، وذلك وفقاً للمادة 100 من قواعد الإجراءات المعتمدة في عام 2020.
هناك جدل دائر حول قوة القرار، ومدى جدواه وهل هو ملزمُ أو غير ملزم، ولذا يلزم أن نؤكد على أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب هي جهاز من الأجهزة التابعة للاتحاد الأفريقي، وهي معنية بحماية حقوق الإنسان.
وتستمد اللجنة شرعيتها وصلاحيتها من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، وهو معاهدة دولية صاغتها الدول الأفريقية تحت غطاء الاتحاد الأفريقي حالياً (منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً). ومصر قامت بالتصديق على الميثاق الأفريقي في 20 آذار/ مارس 1984، وبالتالي بموجب ذلك التصديق فهي ملزمة بقرارات اللجنة الأفريقية، حتى وإن كانت اللجنة لا تملك سلطة مباشرة لإجبار الدولة على الالتزام.
ولكن الميثاق الأفريقي وقواعد إجراءات اللجنة الأفريقية تعطيها الحق في إحالة ذلك إلى الاتحاد الأفريقي ورئاسته لاتخاذ إجراء ضد الدول التي لا تلتزم بقرارات اللجنة، خاصةً في حالة الخطر الجسيم الذي لا يمكن تداركه، كما في أحكام الإعدام والاعتداء على الحق في الحياة.
وحسب نص المادة 58(1) من الميثاق الأفريقي، إذا اتضح للجنة بعد مداولاتها حول رسالة أو أكثر تتناول حالات بعينها يبدو أنها تكشف عن انتهاكات خطيرة أو جماعية لحقوق الإنسان والشعوب، فعليها أن توجه نظر مؤتمر رؤساء الدول والحكومات إلى هذه الأوضاع، بالإضافة إلى أنه يحق للجنة بعد الفصل في موضوع الشكوى والوصول لجدارتها أن تقوم بإحالة الشكوى للمحكمة، عندما لا تمتثل الدولة لقرار اللجنة، أو عندما لا تمتثل الدولة للتدابير المؤقتة التي تطلبها اللجنة، وإذا وجدت اللجنة انتهاكات خطيرة أو كبيرة لحقوق الإنسان.
والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب مُكمِلة لعمل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ويجب أن نفرق بينهما (المحكمة، واللجنة)، حيث دائماً ما يختلط الأمر على غير المختصين، فلكلٍ منهما اختصاصات مختلفة.
ونؤكد نحن مؤسسة عدالة على أن ما صدر هو قرار في إطار التدابير المؤقتة، أصدرته اللجنة لأجل أن تقوم باستكمال مهمتها في البت في الشكوى، وهذا تدبير احترازي لحماية الضحايا من تنفيذ الحكم قبل الفصل في الشكوى وصدور قرار نهائي في موضوعها.
إننا في بداية الطريق، وأمامنا جهد شاق لأجل الوفاء بالتزامنا والاستجابة لطلب اللجنة الذي طُلِبَ منا في نص القرار، وهو أنه يتعين تقديم الأدلة والحجج بشأن المقبولية والأسس الموضوعية في غضون 60 يوماً وفقاً للمادة 116 (1) من قواعد الإجراءات.
علينا بذل العناية، وليس تحقيق نتيجة، فالقضية عادلة، وتستحق أن ندافع عن ضحاياها، وذلك باستخدام كافة الأدوات القانونية والحقوقية الدولية والإقليمية على السواء.
وندعو إلى التعامل مع هذه القضية من منظور إنساني وحقوقي بغض النظر عن الأيديولوجية السياسية للمحكوم عليهم بالإعدام، ولندافع عن حقوق الإنسان أياً كان لون المعتقل أو جنسه أو عقيدته.
كما لا يجب أن نستدعي السوابق السيئة من عدم استجابة الحكومة المصرية لمثل هذه القرارات، وتنفيذ الأحكام دون اكتراث من الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية، فذلك لن يضعفنا. وعلينا أن نستمر في استثمار كافة القرارات الدولية والإدانات حول عقوبة الإعدام وتنفيذ الأحكام من قِبل الدولة المصرية، حتى نضغط لأجل وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام السياسية المخالفة لقواعد العدالة والإنصاف العالمية والمحلية.