العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2020، هو اليوم الدولي لمناهضة عقوبة الإعدام، الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو العمل على الحد منها، والسعي إلى استبدالها بعقوبات أخرى سالبة للحرية، وذلك لأجل الحد من الاعتداء على الحق في الحياة، وحماية النفس البشرية من انحراف السلطات، وإساءة استعمال عقوبة الإعدام، خاصة في الدول غير الديمقراطية التي تسود فيها حالات الاضطراب السياسي، كالدولة
المصرية على سبيل المثال.
مصر تُعد من أعلى خمس دول عالميا في إصدار عقوبة الإعدام وتنفيذها، فخلال الفترة من تموز/ يوليو 2013، وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2020 صدر 1558 حكما بالإعدام فقط في قضايا على خلفية أحداث سياسية، تم تنفيذ الأحكام بحق 80، وما زال يسير في ممر الموت 68 مواطنا ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام، ودائما تتعلل الحكومة المصرية بالشريعة الإسلامية، وذلك عند مخاطبتها بإلغاء عقوبة الإعدام أو الحد منها أو استبدالها بعقوبة أخرى، في الوقت الذي نجد فيه أن الشريعة الإسلامية تسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل، حيث يوجد في مبادئ الشريعة الإسلامية نص صريح يقول: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" (والشبهة معناها) خلل في التأكد المطلق من المسألة، فإذا دخلت الشبهة توجَب إيقاف العقوبة المحددة تجاه هذا الموضوع أو الجناية.
وقد عرف أيضا في مبادئ الشريعة الإسلامية مبدأ يسمى "حفظ النفس"، أي الحيلولة دائما دون الوصول إلى إزهاق روح هذا الإنسان، والبحث الجاد لمنع وقوع عقوبة الإعدام، وهذا ما يتوافق مع ما نصت عليه المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يعرف بالحق في الحياة.
كما تُعلن الحكومة المصرية في المحافل الدولية أنها تلتزم بضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في الدستور وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي لا يعدو كونه كلاما لا وجود له على أرض الواقع، فإن تطبيق معايير وضمانات المحاكمة العادلة يلزمه بالضرورة وجود سلطة قضائية نزيهة ومستقلة، والواقع في القضاء المصري عكس ذلك تماما، خاصة عند محاكمة المعارضين السياسيين.
في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2013 أصدر وزير العدل المصري القرار رقم 10412، بتخصيص دوائر قضائية جنائية للنظر في قضايا الإرهاب، وبتاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر 2013، قرر رئيس محكمة استئناف القاهرة تشكيل دوائر خاصة في القاهرة مُشكّلة من قضاة من محاكم الجنايات، سُميت "دوائر الإرهاب" تنفيذا لذلك القرار، وقد جاء قرار تشكيل تلك الدوائر، بسبب تكرار تنحي المحاكم وعدد من القضاة عن نظر القضايا المسندة إليها في هذا الصدد "كونها قضايا سياسية".
وقد صدر هذا القرار بالمخالفة لقرار الجمعية العمومية لقضاة محكمة الاستئناف بتوزيع العمل القضائي طبقا لقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، كما قامت كل دائرة استئناف على مستوى الجمهورية بتخصيص دائرة أو أكثر للنظر في قضايا الإرهاب. وبناء على ذلك، يتم اختيار محكمة بعينها أو قاضٍ بعينه للنظر في دعوى معينة؛ فضلا عن مخالفته للمادة 97 من الدستور المصري لسنة 2014، "ألا يُحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، وأن المحاكم الاستثنائية محظورة".
المادة رقم 30 من القانون رقم 46 لسنة 1972 جعلت اختصاص تشكيل الدوائر القضائية من اختصاص الجمعية العامة لكل محكمة، وليس من اختصاص وزير العدل أو حتى رؤساء المحاكم، لذا فإن تشكيل أي دوائر قضائية أو توزيع العمل القضائي الذي يُخالف هذه المادة من قانون السلطة القضائية يصفها بالبطلان المطلق.
إن توافر ضمانات
المحاكمات العادلة التي أوصت بها المواثيق الدولية والدساتير لهو دليل على وجود نظام سياسي في الدولة يحترم
حقوق الإنسان، وعدم توافرها دلالة على انهيارها؛ واحترام الحق في المحاكمة العادلة ضرورة من ضرورات الدولة الديمقراطية العادلة التي لا غنى عنها، ولا يجب التفريط في أي من هذه الضمانات سواء عند القبض أو الاحتجاز أو العرض على جهة التحقيق، أو في أثناء إجراء المحاكمة أمام القضاء، أو بعد صدور الأحكام.
قرار وزير العدل الذي سبق الإشارة إليه، أطاح بأعظم ضمانة من ضمانات العدالة، وهي المحاكمة أمام القاضي الطبيعي، عندها افتقد العشرات لحياتهم وآلاف من المصريين سُلِبت حريتهم خلف أسوار السجون، وأدى ذلك لوجود قضاة بعينهم، عُرفوا بقضاة الإعدام؛ أحصيت منهم تسعة عشر قاضيا.
هؤلاء وحدهم فقط أصدروا أحكاما جماعية بالإعدام، بلغت 1056 حكما حتى عام 2019، أشهرهم، القاضي "محمد ناجي شحاتة" الذي أصدر 263 حكما، ويتصدر المركز الأول.
والثاني القاضي "سعيد صبري"، حيث أصدر 220 حكما، وهو صاحب أكبر رقم إحالة للمفتي في تاريخ مصر، حيث أحال لمفتي الجمهورية أوراق 683 متهما في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مركز العدوة بمحافظة المنيا (جنوب مصر)"، ثم قضى بإعدام 183 مُتهما، بعد إحداث ضجة كبيرة في مصر والعالم.
ثم القاضي "شعبان الشامي"، حيث أصدر 160 حكما، والقاضي "حسن فريد"، حيث أصدر 147 حكما، القاضي "محمد شرين فهمي"، حيث أصدر 46 حكما.
القضاء العسكري.. ومحاكمة المدنيين عسكريا وإصدار أحكام الإعدام
المحاكم العسكرية في مصر هي أيضا كان لها نصيبٌ كبير في إصدار أحكام بالإعدام، فهي محاكم استثنائيةٌ، مُكونة من عسكريين، للنظر والفصل في جرائمَ أُحيلت لها من النيابة العامة أو من النيابة العسكرية، وقد تمت محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري، بموجب القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، والخاص بحماية المُنشآت العامة والحيوية، وتبعية الجرائم التي تتعلق بها إلى القضاء العسكري، وذلك بالمخالفة لنص المادة 204 من الدستور المصري 2014، التي تم تعديل نصها لكي يتم فرض مشروعية على القضاء العسكري لمحاكمة المدنيين، وذلك في نيسان/ أبريل 2019.
القضاة العسكريون غير مستقلين، حيث تُشرف عليهم جهة تنفيذية، وهي هيئة القضاء العسكري التي تتبع وزارة الدفاع، ولا يتم السماح للمحكوم عليه بالطعن على الحكم إلا بعد تصديق وزير الدفاع على الحكم. ولا يوجد موعد محدد في القانون للتصديق على الأحكام، وذلك لا يحدث في القضاء الطبيعي، حيث يتم الطعن على الأحكام خلال 60 يوما من تاريخ صدور الحكم.
فالحق في المحاكمة العادلة من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور المصري، لذا يتعين الالتزام بهذا الحق في جميع الأوقات، بما في ذلك في أثناء حالات الطوارئ أو في أثناء النزاعات المسلحة، فهو حق غير قابل للاستثناء.
وقد نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على "الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية تُوجه إليه، أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون".
أبرياء كُثر خلف القضبان وداخل السجون في مصر يبحثون عن الإنصاف والعدل ولا يجدون.. وللحديث بقية.