هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه، إن عامين اختفيا في ومضة الأسبوع الماضي في السودان.
وأضافت مالك في مقالها الذي ترجمته "عربي21": "عامان من العمل لإخراج السودان من ثلاثة عقود في العزلة، وعامان من محاولة تشكيل حكومة مدنية، وعامان من الحداد على من قضوا في ثورة السودان للإطاحة بعمر البشير".
وتابعت: "عامان من الأمل في أن تكون هذه الدماء لم تذهب سدى، في النهاية، كان كل ما يهم هو أن الجيش سئم خلال عامين من الشراكة مع المدنيين في اتفاقية انتقالية لتقاسم السلطة".
إقرأ أيضا: تقارير: وفد من الموساد تواجد في الخرطوم بعد الانقلاب
وقام الجيش، الأسبوع الماضي، بالاستيلاء على السلطة في انقلاب قضى على كل ما كسبه الشعب السوداني منذ الإطاحة بالحكومة العسكرية للبشير في عام 2019.
ولفتت مالك إلى أن الثورة بعثت الأمل في الحكم
الديمقراطي، ليس فقط في السودان، ولكن في جميع أنحاء العالم العربي، وبالنظر إلى الوراء، يبدو أن قصر عمرها
كان حتميا. فقد تكون انتفاضة السودان أطاحت بالبشير، لكن خلفه كانت توجد دولة
عسكرية وأمنية لها جذور عميقة ومصالح اقتصادية معقدة.
وشددت على أنه "عندما أصبح واضحا أن الشعب السوداني لن يتسامح مع زعيم عسكري آخر كبديل للبشير، توصل الجيش إلى اتفاق مع الأحزاب المدنية على ترتيب انتقالي لتقاسم السلطة كان ينبغي أن يمهد الطريق للانتخابات".
ونبهت مالك إلى أن "الاستقرار الجديد في البلاد لا يزال في مهده،
يواجه الجيش الآن إدانة دولية وأزمات دبلوماسية، وقطع الانقلاب محاولات إعادة دمج السودان في
المجتمع الدولي، بعدما تم تعليق الإعفاء من الديون، مما ترك الاقتصاد في حالة
انهيار، وألغت أمريكا 700 مليون دولار من المساعدات بعد 24 ساعة فقط من الانقلاب".
ورأت أنه "بدون مواجهة ضوابط الشفافية أو
المساءلة، سيتمكن النادي الحاكم الجديد في السودان من تقسيم البنية التحتية
للبلاد، والاستيلاء على المواد الخام مثل الذهب، وبيعها للحلفاء الإقليميين، سيكون
لديهم القوة النارية لقمع التمردات في المناطق المهمشة في البلاد، من خلال القيام
بصفقات قذرة ومربحة مع الحلفاء الخليجيين، وسيكونون قادرين على تنفير من يريدون في
الغرب".
وباعت قوات الدعم السريع بالفعل جنودا
سودانيين "بعضهم أطفال" للإمارات والسعودية لتقديم الدعم لحروبهم في اليمن، بحسب مالك التي قالت، إن
بيع موارد السودان وأفراده لمن يدفع أكثر هو عمل مربح للغاية بحيث لا يمكن التخلي
عنه مقابل بضع مئات من الملايين من الدولارات من المساعدات الغربية.
وبهذا المعنى، فإن ثورة السودان، مثل كل
الثورات، لم تكن فقط ضد نظام واحد، بل ضد العديد من الأنظمة. لقد استهدفت
الموروثات والترتيبات الفاسدة التي تجلت في ديكتاتور واحد "البشير" الذي
أوكلت إليه السلطة من خلال شبكته الكبيرة من الداعمين.
في كل مرحلة من مراحل الانتفاضة منذ
عام 2018، اكتشف الشعب السوداني طاغية آخر وراء المستبد، حيث يقف خلف البشير كتيبة
من الجنرالات الذين وصلوا إلى السلطة عندما لم يكن العديد من المتظاهرين في
الشوارع قد ولدوا. بحسب الكاتبة.
وخلف الجنرالات كان جيش المرتزقة، وخلف
المرتزقة يقف حلفاء الثورة المضادة، حلفاء السودان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
السعودية والإمارات ومصر، الذين أرادوا ضمان ألا يصبح حكم مدني ديمقراطي حقيقة
واقعة على الإطلاق على عتبة بابهم.
وأكدت مالك أن "إدانة أمريكا وتوجيه اللوم من قبل الأمم
المتحدة لن يجدي مع سياسة الأمر الواقع الحديدية التي تدعم الانقلاب في السودان".
في الواقع يمكن اعتبار نجاح الثورة
السودانية أصلا على أنه معجزة ولكن كونها استمرت عامين كاملين قبل أن يتحرك الجيش
مرة أخرى فهو دليل على عدد المتظاهرين الذين لم يكلوا، والذين استمروا في التدفق
إلى الشوارع في عام 2019. لم يكتفوا بالإطاحة بالبشير، بل فرضوا شكل الحكومة
الانتقالية التي تبعته.
وشددت على أن "ملايين السودانيين حدقوا في فوهة ما بدا
وكأنه فشل مؤكد، وثابروا، لقد فعلوا ذلك مرة أخرى الأسبوع الماضي، حيث نزلوا إلى
الشوارع بالملايين لرفض الانقلاب والمطالبة بعودة الحكومة المدنية، والإفراج عن
العديد من أعضائها، بمن فيهم رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، المعتقلين أو الخاضعين
للإقامة الجبرية".
وتابعت: "انتظر السودانيون 30 عاما للثورة، حتى
قامت ثورة لثلاث سنوات مرة واحدة. في الأسبوع الماضي، تعرض المتظاهرون لإطلاق
النار والضرب مرة أخرى، وسقط القتلى والجرحى في شوارع مدن السودان، ومرة أخرى،
تحدث مواجهة مقلقة بين الشعب السوداني وجيش وتحالف من قوات الأمن لديه خياران فقط،
إما الانصياع لإرادة السودانيين، أو ذبحهم".
ويعتقد الجنود والعسكريون أنه قد يكون
هناك خيار ثالث، أن ينتظروا على أمل أن يتعب الناس من الاحتجاجات وتستقر الحكومة
العسكرية الجديدة، وهذا يبدو غير مرجح.
لكن حتى لو انتصر الانقلاب، فسيكون
فوزا صعبا، ستضعفه الحاجة للرقابة المستمرة وقمع المعارضة.
وختمت مالك بالقول: "قد تبدو المقاومة المدنية للانقلاب ضعيفة عند مقارنتها بقوة الجنرالات وداعميهم، لكن الجيش يواجه شعبا مصمما على ألا يحكم بالقوة مرة أخرى. يبدو تصميمهم بلا حدود مثل شهية الجيش للسلطة".