كتب

مسيرة العودة وكسر الحصار.. من مقاومة الفلسطينين للاحتلال

 المقاومة والمسيرات السلمية هي ثمرة لاستمرار النضال الفلسطيني بيدين عاريتين بشكل سلمي
المقاومة والمسيرات السلمية هي ثمرة لاستمرار النضال الفلسطيني بيدين عاريتين بشكل سلمي

الكتاب: "مسيرة العودة وكسر الحصار، من الفكرة إلى الانطلاقة والمواجهة، 2018- 2019م"
الكاتب: محمد منصور أبو ركبة
الناشر: دار الكلمة، غزة- فلسطين، 2021م


مثلت مسيرة العودة، عام 2018-2019م، استمراراً لشعلة النضال الفلسطيني، في وجه المحتل "الإسرائيلي"؛ لتقف مسيرة العودة في وجه تصفية القضية الفلسطينية، التي بدأت بطرح السلام الإقليمي، وإبعاد القدس كلياً عن طاولة التفاوض، وتصاعد خطوات ضم الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، وشطب قضية اللاجئين، وحق العودة، ومع ذلك مازال الشعب الفلسطيني، يتصدى لكافة عمليات استئصال جذوره، وهويته الوطنية، والعربية، وجاءت انطلاقة مسيرة العودة في الذكرى السنوية ليوم الأرض، بتاريخ 30 آذار/ مارس عام 2018م، تخللها الزحف الشعبي باتجاه خطوط الهدنة، لعام 1949م، وبلغ الزحف الشعبي الفلسطيني ذروته، في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، بتاريخ 15-5-2018م.

في هذا السياق صدر كتاب مسيرة العودة وكسر الحصار، من الفكرة إلى الانطلاقة والمواجهة، للباحث الفلسطيني محمد منصور أبو ركبة، الصادر عن دار كلمة، غزة ـ فلسطين، عام 2021م.. يقع الكتاب في 397 صفحة من الحجم الكبير، قسم هذا الكتاب إلى تقديم من المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، ومقدمة، وثمانية فصول، وخاتمة.
 
يؤرخ الكاتب لحقيقة ثابتة في تاريخ النضال الفلسطيني، بأن المقاومة والمسيرات السلمية هي ثمرة لاستمرار النضال الفلسطيني بيدين عاريتين، بشكل سلمي على جزء من تراب فلسطين، ولم تكن تلك المسيرة التجربة الأولى للشعب الفلسطيني، فقد خاض الشعب الفلسطيني بداية عام 2011م (ص51- 52) مسيرته التي حققت نجاحا رمزياً، بمشاركة جميع فئات الشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن، ولا ننسى أن مئات اللاجئين في سوريا تجاوزوا حدود قرية مجدل عين شمس بهضبة الجولان، وكذلك الحال في بيروت، والمملكة الأردنية الهاشمية، ما أعطى الجميع بارقة أمل؛ بإمكانية أن تحقق تلك المسيرات، مشوار الألف ميل من العودة إلى ديارهم، ولفت أنظار العالم لقضيتهم.

أوضح الكاتب للقارئ أن التفكير بإعادة إطلاق مسيرة العودة؛ جاء كرد فعل عما روج له الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ باعتبار القدس عاصمة "لإسرائيل"، بتاريخ 6-12-2017م، مما يعطي انطباعاً أن تلك المسيرة، جاءت كرد فعل على موقف، وليس موقف فلسطيني قائم بذاته، ضد استمرار الاحتلال، ويؤرخ للمسيرة أنها جاءت كمبادرة شبابية بدأت في مقال وتغريدة لأحمد أبو اريتمه في 7-1-2018م قائلاً: "ماذا لو خرج مائتا ألف متظاهر في مسيرة سلمية، واقتحموا السلك الشائك شرق غزة رافعين الأعلام، ومفاتيح العودة، ونصبوا الخيام في الداخل، وأقاموا مدينة هناك..." ( ص68)، وسرعان ما تلقفت الأحزاب والفصائل الفلسطينية الفكرة، وتحولت إلى مسيرة فصائلية موجهة؛ مما أسهم في سرعة تقلصها خلال عام.

بين ثنايا الكتاب ناقش الكاتب مسيرة العودة، التي فصل عنوانها بأنها مسيرة العودة وكسر الحصار كما تعارف عليها فيما بعد، فجاء الفصل الأول تحت عنوان تعريف المسيرة الشعبية ونشأتها عربياً ودولياً، سلط فيه الكاتب محاوره، على تعريف مسيرة حق العودة الشعبية وسلميتها، والجذور التاريخية للمقاومة الشعبية في العالم، وأرخ فيها الكاتب لسنوات النضال الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني، منذ عام 1917م "في هذه المرحلة استطاعت المقاومة تحقيق نجاح كبير، وذلك بقدرتها على نشر الوعي بالمشكلة تنبيه العرب بالخطر الصهيوني، وذلك بوسائل شعبية، وبطرق سلمية تمثلت بالاحتجاجات، والشكاوي الرسمية، والبيانات..." (ص45).

 

إن هذه المسيرة هي أسلوب نضالي مستدام ومتراكم، وليست فعالية موسمية، أو حدثاً ليوم واحد ينتهي بغروب شمسه، ولن تنتهي إلا بتحقيق العودة الفعلية للاجئين الفلسطينيين

 



تتبع أبو ركبة في الفصل الثاني مسيرة العودة، وكسر الحصار أسبابها، وأهدافها، ووثيقة مبادئها العامة، وأعطى فيها القارئ تفاصيل، موسعة عن فكرة مسيرة العودة وتدرجها، منذ عام 2011م، حيث انطلاقة ما سمي "الربيع العربي"، مروراً بعام 2013م، وحتى عام انطلاقة مسيرة العودة وكسر الحصار عام 2018م، مسلطاً الضوء على مبادئها" إن هذه المسيرة هي أسلوب نضالي مستدام ومتراكم، وليست فعالية موسمية، أو حدثاً ليوم واحد ينتهي بغروب شمسه، ولن تنتهي إلا بتحقيق العودة الفعلية للاجئين الفلسطينيين"(ص73)، متوسعاً في أهدافها ومبتغياها، وفي ذلك يقول: "الضغط على المحتل الإسرائيلي، وعلى المجتمع الدولي؛ لإنفاذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين على أرضهم، وتأكيد تمسك الفلسطينيين بهذا الحق الثابت في وجه كل محاولات تضييعه وإلغائه" (ص78)، مركزاً على انطلاقة المسيرة لعودة " لقد تحول يوم الأرض في الثلاثين من آذار/ مارس 2018م، إلى يوم تاريخي مجيد في قطاع غزة، شهد زحف مئات الألوف من الشيوخ، والرجال، والنساء، والشباب والأطفال ليعلنوا بدء مسيرة العودة السلمية..."(ص85).

وعن أسبابها قدم الكاتب تزايد حدة الحصار المفروض على قطاع غزة، وتفاقم انعكاساته الإنسانية والمعيشية، مع تشديد السلطة الفلسطينية، لإجراءاتها العقابية بحق القطاع، على قيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ بالإعلان عن وضع خطة صفقة القرن، وفرضها على الشعب الفلسطيني والدول العربية(ص87، 88).

لعل أحد أهم إنجازات مسيرة العودة، هو تفعيل الغرفة المشتركة، التي ضمت فصائل المقاومة الفلسطينية (ص70)، وكرست بذلك وحدة القيادة الجماعية شراكة، بعيداً عن استفراد تنظيم واحد للقيادة، فأوجدت في أكثر من مناسبة نقطة التقاء، كانت مفقودة بين الفصائل الفلسطينية، بفعل الانقسام الفلسطيني البغيض، واختلاف الأيدولوجيات، حول قضية تتعلق بثابت وطني، ألا وهو حق العودة، وهي مسألة حققت التوافق أيضاً، لغرفة العمليات المشتركة في إدارة الميدان؛ مما جعلها تتحول من غرفة عمليات مشتركة إلى جبهة مقاومة موحدة (ص276).

كما جمع الكاتب في الفصل الثالث، أدوات مسيرة العودة بتنوعها وتعددها، مقسماً إياها بين ثلاثة أنواع من الأدوات هي السلمية، التي لا يعترف بوجودها المحتل، وقابلها بأعتى أنواع أسلحته الفتاكة" للوهلة الأولى شهدت مخيمات العودة على الحدود الشرقية المحاذية للاحتلال، تطوراً في أدوات النضال المستخدمة، ففي الأسابيع الأولى شهدت حراكاً شعبياً سلمياً، وتم تنظيم إطلاق أعلام فلسطين، ولعب كرة القدم، وتنظيم فعاليات وطنية..."(ص100)، إلى جانب الأدوات الخشنة، التي لجأ إليها الشباب الفلسطيني مع هول الأسلحة "الإسرائيلية"، وارتقاء عدد كبير من الشهداء، وإحداث عاهات مستديمة للعديد من المصابين، الذين بترت أطرافهم، كما استحداث الشباب المناضل، أدواته المتجددة، النابعة من تصميمه على استمرار سلمية مسيرته، فما بين الرشق بالحجارة، وقص الأسلاك، ابتدع أسلوب المرايا العاكسة، وأضواء الليزر، قسم الشباب نفسه بين عدة وحدات" لم يتوان الشبان الفلسطينيون، عن ابتداع أفكار جدية لمقارعة الاحتلال الإسرائيلي...، على طّول الحدود الشرقية لقطاع غزة، فطورت بعد وحدة الكوشوك، ووحد الطائرات، والبالونات الحارقة، ووحدة قص السلك ووحدة المساندة، وظهرت وحدة جديدة أطلق عليها" وحدة الإرباك الليالي، تجمعت فيها كل الأدوات السلمية (ص110)، وفي إطار المساومات الدولية، خسر الاتحاد العام للمراكز الثقافية، منحة مالية، إثر مشاركة رئيسها يسري درويش في مسيرة العودة" تم تهديدناً من قبل المانحين؛ لمشاركتنا في مسيرة العودة، وتم ايقاف مشروع بقيمة مليون نصف دولار، من مؤسسة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة"(ص116)، وحاول الكاتب وضع تقييم لأدوات مسيرة العودة، "رغم دور أدوات مسيرة العودة، وفعالياتها في الضغط على الاحتلال، إلا أنها كانت تتوقف بين الحين والآخر، حيث كان ذلك لإفساح المجال أمام الجهود المصرية والأممية، التي رعت تفاهمات التهدئة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي ودولة الاحتلال..." (ص121)، ووضع سبل تطوير المسيرة.

كان لابد من التعرض للانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال؛ بحق المشاركين في المسيرة ، ما ميز هذه الدراسة أنها عالجت بالإضافة للنواحي التاريخية والسياسية، الانتهاكات القانونية؛ لذلك خصص لها الكاتب الفصل الرابع، موضحاً طبيعة الانتهاكات، ومخالفتها لمواثيق القانون الدولي لحقوق الانسان، وانتهاك اسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني" خلال تلك الفترة قتل 189 فلسطينيا أثناء التظاهرات، وهو الأمر الذي يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أهمية احترام الحق في الحياة" حسب ما جاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة المستقلة، للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة خلال مسيرة العودة (ص132).

 

قدم الكاتب تزايد حدة الحصار المفروض على قطاع غزة، وتفاقم انعكاساته الإنسانية والمعيشية، مع تشديد السلطة الفلسطينية، لإجراءاتها العقابية بحق القطاع، على قيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ بالإعلان عن وضع خطة صفقة القرن، وفرضها على الشعب الفلسطيني والدول العربية

 



حول الأسلحة الفتاكة، وآثارها المدمرة" تناولت وسائل اعلام إسرائيلية استخدامها الرصاص الانشطاري أو المتشظى المتفجر والمسماة هولوبو ينت"(ص149)، التي تدخل الجسد من خلال فتحة صغيرة وتحدث فتحة كبيرة إذا خرجت منه، وتقوم بتدمير الأوعية الدموية واللحم البشري وتشهم العظام، ووضع الكاتب قائمة بالأسلحة الفتاكة، وآثارها المدمرة، ومعاناة الجرحى في الحصول على العلاج المناسب، الذين منعوا من السفر للعلاج في الخارج وصولاً إلى لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، التي منعت اسرائيل دخولها إلى القطاع لممارسة عملها، خشية من فضح اسرائيل، وكشف حقيقة ما ارتكبته بحق المتظاهرين السلميين، (ص160-161)، ومما جاء في تقريرها" أطلق قناصة الجيش النار على أكثر من ستة آلاف متظاهر أعزل على مدى أسابيع متتالية ...يعتبر إطلاق النار المتعمد على المدنيين، الذين لا يشاركون مباشرة بالأعمال العدائية جريمة حرب"(ص162)، ولكن الكاتب أغفل تضمين التقرير كملحق نهاية كتابه.
 
كما تناول الفصل الخامس مسيرة العودة، وحضورها في وسائل الاعلام على المستوى المحلي، والعربي، والدولي، وكذلك تغطية الإعلام الاسرائيلي لها، وعد الكاتب الأعلام الجديد أداة لمقارعة الاحتلال" السوشيال ميديا، هي معركة أخرى مع قوات الاحتلال، أثبت من خلالها نشطاء التواصل الاجتماعي قدرتهم على محاربة الاحتلال، في أحدث ميادين القتال التكنولوجية بطريقتهم الخاصة (ص182)، ومن ثم استعرض الفصل السادس ردود الفعل الفلسطينية، والاسرائيلية، والعربية، والإقليمية، والدولية، وفصل في ردود الفعل الفلسطينية على مستوى مشاركة التنظيمات الفلسطينية المختلفة، مركزاً على موقف حركة فتح الرافض؛ لعسكرة المسيرة منذ بداية انطلاقها، وانسحابها من الغرفة المشتركة للفصائل،" دار نقاش حثيث وطويل بين قيادات، وكوادر حركة فتح في قطاع غزة، حول طبيعة مشاركة حركة فتح في مسيرة العودة وكسر الحصار، وذلك بطبيعة المناخ العام للقطاع الذي تحكمه حركة حماس، وإما المشاركة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، التي سوف ترفضه حركة حماس" (ص226).

يوضح الكاتب أن معارضة حركة "فتح" للمشاركة لعدة أسباب أهمها: "حركة حماس هي من تقود قطاع غزة، وتقوم باعتقالات لكوادر حركة فتح في القطاع"، ويضيف" أصبحت مسيرة العودة تُجّيير باتجاه أجندات خاصة، وضيقة تتعلق بأوضاع قطاع غزة، الأمر الذي ترفضه حركة فتح، لأن المقصود من مسيرة العودة هو حق العودة، وإفشال كل المخططات التصفوية التي تستهدف القضية الفلسطينية" (ص227)، وتناغم مسيرة العودة مع نضال فلسطينيي الداخل، وكان الأجدر تناول تلك السياقات، وتقديمها في الفصل الثالث؛ لتكون موضوعات الكتاب متسلسلة في الدراسة.

نظرا للزخم الذي كانت عليه مسيرة العودة، كان لابد من احتوائها على المستوى الفلسطيني، والعربي، والدولي؛ لذلك تدخلت أطراف متعددة للدخول في مفاوضات التهدئة، وهو عنوان الفصل السابع، مستعرضا طبيعة التهدئة، والهدنة في مفهومها التاريخي والسياسي، والمواقف الفلسطينية من التهدئة في قطاع غزة، إلى جانب المواقف العربية، وخاصة القطري والمصري، وكذلك الموقف الأمريكي الداعم لهما، ليتم وقف مسيرة العودة بشكل رسمي 26 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019م.

كان من الصعب إقفال مسيرة العودة، في عامها الأول قبل وضع فصل خاص بتقييم ومراجعة بين الإنجازات، والإخفاقات الذي شمله الفصل الأخير، حيث المآلات الفلسطينية من مسيرة العودة، وانتهائها إلى شنطة العمادي المالية الشهرية، على الرغم من الإنجازات التي حققتها على عدة المستويات، وإخفاقاتها في ظل الإجرام "الإسرائيلي"، والخلافات الداخلية المحيطة بها، وتحولها من مسيرة للشعب الفلسطيني ككل، لمسيرة عودة خاصة بحركة "حماس"، وغياب الرؤية والمرجعية، والتوظيف السياسي لها، فكان استثمارها أقل القليل على مستوى الفعل الفلسطيني، فلم تكن هناك رؤية ثابتة، أو أهداف طويلة المدى في ظل محدودية الدعم الخارجي، الذي تلقته مسيرات العودة قبل الدخول في ملف التهدئة" وضعت مسيرة العودة قطاع غزة أمام تحديات استراتيجية، استدعت تدخلاً دولياً كثيفا لمنع انهيار القطاع، وانفجاره، ونتيجة لذلك تعززت مكانة حماس كلاعب رئيس، لا يمكن تجاوزه في كل ما يتعلق بشؤون غزة" (ص284).

اعتمد الكاتب في كتابه، على مجموعة كبير من الكتب، والمراجع العربية المهمة، التي أغنت دراسته، ومنها الشباب الفلسطيني من الحركة إلى الحراك، (1908-2018م)، لأحمد جميل أبو العزم، ناهيك عن تقارير المراكز الحقوقية، حول انتهاكات قوات الاحتلال "الاسرائيلي"، بحق المشاركين في مسيرات العودة، وتقارير وزارة الصحة، وكتابات أخرى لكل من رياض العيلة ورائد نعيرات، وعدنان أبو عامر، فضلا عن والرسائل العلمية، وتوظيف متقن لمواد القانون الدولي والإنساني.

كما أثرى الكاتب دراسته بمجموعة مقابلات متنوعة، من عدة أحزاب وفصائل فلسطينية دون تميز بينها، وسمح لهم الكاتب بالتعبير عن وجهة نظرهم، وطرحها بين ثنايا فصول كتابه، كما هي دون تدخل، فهو ترك لأصحاب القرار السياسي من مختصين وأكاديميين، وقادة الفصائل حرية التعبير عن مواقفهم، ورؤيتهم لمسيرة العودة، ولكن دون مشاركة من أصيبوا في تلك المسيرة، الذين كان لهم دور أساسي في ميدان المسيرات، وتعرضوا لأذى بليغ واعاقة مستديمة.

على أن هناك ثمَّة ملاحظات هامشية، لا تؤثِّر كثيرًا على القيمة التاريخية لما كتبه أبو ركبة، فكتابه يعد الأول في التأريخ لمسيرة العودة وكسر الحصار، ومنها:

ـ مع انطلاقة مسيرات العودة، لم تكن مسيرة واحدة كما ظهر في عنوان الكتاب بأنه مسيرة العودة وكسر الحصار، إذ أنها كانت مسيرات متعددة وعلى كافة الحدود الفلسطينية، واختزالها في مسيرة واحدة، جاء بعد أن ألصق بها مفهوم كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، فبعد تم إقحام كسر الحصار عليها، بدا الغرض الرئيس لهذه المسيرة حزبي يهدف لكسر الحصار فقط .

ـ ظل الكاتب في كتابه حيادياً في طرحه للملفات الساخنة، التي تعلقت بمجريات مسيرات العودة، وكيفية تقليصها، ومن ثم تعليقها بشكل رسمي، ولم يحاول أن يدين أويتهم، أو ينتقد أي من مجريات مسيرة العودة.

ـ وقع الكاتب في بعض المصطلحات التي تخالف عدالة قضيتنا كقوله عن ارتقاء الشهداء سقوط قتلى على الأرض، وهي لغة يستخدمها المحتل "الإسرائيلي"، ومن تبعه(ص54)، وغاب عن الكاتب أبو ركبة طابع التعليق على الاقتباسات الواردة في المقابلات في بعض الأحيان، مما أوقعه في عامل السرد التاريخي النمطي أحياناً. 

ـ أغفل الكاتب بصورة غير مقبولة وضع نتائج لدراسته المفصلة، تتناسب مع زخم المعلومات التي ضمها الكتاب، التي اجتهد في كتابة مادتها، ونأى الكاتب بنفسه عن انتقاد أصحاب القرارات الفلسطينية في قطاع غزة،  مما غيب أسلوبه التحليلي في بعض المواقف.

وبعد ذلك فالكتاب مرشح للقراءة لكل من أراد الإلمام، بتفاصيل مسيرة العودة وكسر الحصار، ويطلع على مجرياتها، ويفتح هذا الكتاب، آفاقاً جديدة للبحث في مسيرات العودة التي لن تتوقف جذوتها، طالما بقي المحتل "الإسرائيلي" على أرض فلسطين.


التعليقات (0)