هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أسبوع حافل شهد تطورات كبيرة تخص المسار السياسي الذي بدا أنه اتخذ منعطفا حادا بعد أن أقدم جمهرة من أعضاء مجلس النواب على سحب الثقة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وما أعقب ذلك من ردود فعل غير متوقعة.
للوهلة الأولى ظهر أن أزمة الثقة في عبدالحميد الدبيبة كانت مفتعلة، والغاية إلهاء الخصوم عن اتجاه رئيس البرلمان وأنصاره فيما يتعلق بإجراء الانتخابات وفق قانون انتخاب الرئيس الذي أصدروه، وكذلك نقل الصراع إلى الجبهة الغربية بعد تكليف رئيس جديد للحكومة من نفس الجهة يترتب على تعيينه تفجر نزاع هناك.
على ما يبدو لم يكن عبدالحميد الدبيبة، ومن يدعمه، أقل دهاء من عقيلة صالح ومن معه ومن يسانده في مناوراته، فبعد مشوار من رحابة الصدر والصبر والتحمل لأذية النواب في جلسات الاستجواب المتكررة، والانتظار الطويل لقرار الإفراج عن الميزانية العامة ها هو رئيس الحكومة ينزل إلى حلبة التدافع السياسي ويواجه البرلمان بقوة الرأي العام الذي فاجأ الجميع بانحيازه للدبيبة وصب جام غضبه على عقيلة صالح وباقي الأعضاء.
أمام التطور الكبير في المشهد الليبي والذي يتصدر الدبيبة بطولته يمكن أن نرى سيرا حثيثا صوب الانتخابات عبر توافق على قاعدة دستورية وقوانين انتخاب الرئيس والبرلمان،
عقيلة صالح ومن شايعه في خطة نزع الشرعية عن الحكومة تعروا ليس فقط بوقوعهم في التدليس وفي مصادمة الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، بل بسبب ردة الفعل المذهلة لشرائح واسعة ومتنوعة من الليبيين، لم تقتصر على الغرب والجنوب كما يمليه الانقسام السياسي الذي كان البرلمان أحد عرابيه، بل انخرط في ردة الفعل القوية الشرق عبر باقة منوعة أسهم في تشكيلها الشباب والشيب، والرجال والنساء، وكان للشعراء دورهم في الحط من قدر البرلمان وتعلية مكانة الدبيبة.
كفة الحكومة ترجح على كفة البرلمان في تدافع سحب الثقة، فالبعثة الأممية عبرت عن موقفها بشكل صريح في التحفظ على الإجراء واعتبرت وكأن شيئا لم يكن، والرأي العام قال كلمته، ولأن البرلمان لا يقف على أرض صلبة والقرار محمل بتجاوزات دستورية وقانونية كبيرة، لهذا ليس أمام عقيلة صالح والآخرين إلا التهدئة وحفظ ماء الوجه، وتكييف موقفهم بشكل لا يمس صلاحيات ولا مسؤوليات الدبيبة وحكومته.
تداعيات سحب الثقة على سباق الرئاسة
أصداء إجراء سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية دوت في فضاء التنافس على الرئاسة في الانتخابات المزمع عقدها في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. فها هو حفتر يتهيأ للانتخابات الرئاسية بتنحيه مؤقتا عن مهامه كقائد عام للجيش، وتحدثت مصادر عن عزم عقيلة صالح خوض غمار التجربة، لكن ما وقع من تدافع خلال الأيام القليلة الماضية يمكن أن يقلب الطاولة على الإثنين، فالتأييد الواسع للدبيبة سيكون أكثر من كافٍ لنزوله إلى ساحة السباق الرئاسي، وحظوظه يمكن أن تكون كبيرة حتى في الشرق، والتزوير ستكون عاقبته وخيمة في حال تأكد خسارة حفتر وعقيلة، وهي مؤكدة في حال نزولهما هما الإثنين، إذ أن الأصوات التي سيتحصل عليها عقيلة ستكون خصما من رصيد حفتر، ولو استمر التأييد للدبيبة فإن احتمال أن يكتسح النتيجة ليس مستبعدا في ظل الطبيعة التي يختار على أساسها الناخب الليبي من يمثله لرئاسة البلاد.
ولأن الدبيبة يدرك ذلك فقد أقدم على تنفيذ قرار زيادة مرتبات قطاع التعليم تضمن له أصوات أكبر فئة عددا ضمن موظفي الدولة والبالغة ما يزيد عن 650 ألف عنصر، وزد على هؤلاء شريحة الشباب الذين يشكلون نحو ثلث السكان والذين شملهم بمنح الزواج وقروض الإسكان، كما أن تعهده بزيادة أصحاب المرتبات الأساسية والمتقاعدين يمكن أن تحقق له فوزا مريحا.
أمام التطور الكبير في المشهد الليبي والذي يتصدر الدبيبة بطولته يمكن أن نرى سيرا حثيثا صوب الانتخابات عبر توافق على قاعدة دستورية وقوانين انتخاب الرئيس والبرلمان، فقد يكون ما وقع الأيام القليلة الماضية مشجعا لقطاع من الجبهة الغربية الرافض لقانون انتخاب الرئيس الذي أصدره البرلمان لتغيير موقفهم، وسيتحول القلق إلى الجهة المقابلة لننتظر ردة الفعل بعد الأحداث المهمة التي وقعت.
يبقى أن نشير أن سيناريو التوافق بين الدبيبة وعقيلة وحفتر ليس مستحيلا، بل هو ممكن جدا برغم ما وقع من جفاء وقطيعة، إذ ليس من المتوقع أن يتجه الدبيبة بمواقفه السياسية الأخيرة الحدية إلى أبعد مدى، فقد تراجع عن دعوى إسقاط البرلمان في مظاهرة الجمعة، ويمكن أن تكون نتائج الانتخابات في حال إجرائها سببا في التوافق ولو بشكل مؤقت، وحتى في حال فشلها فإن المشهد مرشح لتفاهمات ترعاها أطراف دولية وإقليمية تحفظ للحكومة شرعيتها وللبرلمان مكانته حتى يقع التغيير عبر انتخابات عامة.