كتب

انتفاضة 1946 في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي.. قراءة في كتاب

قراءة هادئة في ثورة 1946 في مصر وتداعياتها إقليميا ودوليا- (عربي21)
قراءة هادئة في ثورة 1946 في مصر وتداعياتها إقليميا ودوليا- (عربي21)

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان عود الحركة العمالية قد اشتد، وبدأت الحركة الطلابية في مصر تتطلع حولها بحثا عن حليف استراتيجى يمكن التعاون معه فى خوض معركة التحرير بدلًا من القيادات الحزبية التقليدية المتهافتة، ومن هنا كان الالتقاء الكبير الذي تم في 21 شباط (فبراير) 1946 بالطبقة العاملة المصرية، تتويجًا لكفاح أصلب الطبقات الوطنية عودًا، في لقائها بالعناصر المثقفة والواعية من الطلاب. 

كان ذلك أول تحرُّك وطني ديمقراطي، استهدف انتزاع الاستقلال، ونَيْل الحُريَّات الديمقراطيَّة، ما وَضَعَ حجر الأساس لإسقاط المَلَكيَّة، وإجلاء القوات البريطانيَّة عن مصر، بعد أن خلَّصَت تلك الانتفاضة الحركة الوطنية المصرية من آفة المفاوضات العقيمة مع المحتل البريطاني.

في هذا السياق صدر للباحث المصري هشام عبد الرؤوف، كتابه الجديد "انتفاضة 1946"، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2020. 

يقع الكتاب في 177 صفحة من القطع المتوسط، موثقًا ومفهرسًا، ويتألف الكتاب من تقديم للمؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين، ومقدمة، وأربعة فصول وخاتمة وملاحق. اعتمد الباحث على عشرات المراجع، ناهيك عن شهادات شخصيات عاشت الحدث، أمثال: نسيم يوسف، وألبير أرييه، وجمال غالي.

تهدف هذه الدراسة، بحسب المؤلف، إلى إلقاء الضوء على "اندلاع انتفاضة، أغفلها مُؤرِّخُو الحركة الوطنيَّة! فكتبتُ عنها، وسميتُها "انتفاضة 1946"، وأغلب الظن أن بخل مؤرخي اليسار جاء من قبيل التواضع. جاءت هذه الانتفاضة تتويجًا لحركة وطنية، امتدت على مدى نحو نصف قرن، وتجديدًا لأساليبها الكفاحية، التقليدية، التي استُهلكت، على مدار هذه الحقبة التاريخية؛ فلم تكن انتفاضتنا في معزل عن سلسلة النهوض الشعبي المصري" (ص 9).

يناقش عبد الرؤوف في الفصل الأول، وعنوانه "الاقتصاد السياسي للانتفاضة"، الخلفية التاريخية، عن الحركة الوطنية المصرية، منذ الثورة العرابية (1881)، فالأساس الاقتصادي ـ الاجتماعي للانتفاضة، ثم الحركة الطلابية، بتاريخها وتمثيلها السياسي، وأتم هذا الفصل، بالوضع عشيَّة الانتفاضة، محليًا، وإقليميًا، ودوليًا، وأثره في توفير شروط قيام تلك الانتفاضة. وبذلك "ألقت الأحداث بالمسؤولية على الشعب المصري، فكان لذلك كله أثره الملموس، في إحداث النهوض الثوري في مصر، غداةَ الحرب العالمية الثانية، فقد تهيَّأت الظروف على المجالات كافةً، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، محليًا، لقيام الانتفاضة؛ إضافةً إلى الوضعين، الإقليمي، والدولي" (ص 43).
 
أما الفصل الثاني، الذي حمل عنوان "الحامل السياسي"، يشير المؤلف في هذا الفصل إلى "تجمَّع حاملو الانتفاضة هذه، في تجمُّع وطني، ضم العناصر الوطنية التقدُّمية من شباب الوفد، والكتلة، وبعض القوى الأيديولوچيَّة الأخرى، التي برزت على الساحة السياسية، كالإخوان، ومصر الفتاة، والتنظيمات الماركسية المختلفة، في انفصالٍ عن القيادات السياسية التقليدية، رافعين شعار"إن التحرُّر الوطني من الاستعمار، والحصول على الاستقلال التام، لا يُنحان بل يُؤخذان بالقوة"؛ فقد فاقت الوعود البريطانية بالجلاء الثمانين مرَّة، وإن انحرف البعض (الإخوان، ومصر الفتاة) عن هذا المسار الثوري، وانساقوا وراء وعود الحكومات، وما اتَخذت من شعارات وما اتَّبعت من وسائل، في مناورة الذين حملوا انتفاضتنا. بذا، تكون شروط الانتفاضة قد نضجت، واكتملت" (ص 70).

 

لم تكن هذه الانتفاضة علامة فارقة في التاريخ الوطني المصري، الحديث والمعاصر، فحسب، بل عمَّ أيضًا، أثرها العالم أجمع، فانتشرت ظاهرة الحركة الوطنية الطلابية، في قارَّات عالمنا، في القرن العشرين،

 



أعقبه الفصل الثالث، بعنوان: "وقائع الانتفاضة"، وتضمَّن عرضًا لأحداث هذه الانتفاضة، من ملابسات نشأة "اللجنة التنفيذية العليا للطلبة"، ومذبحة كوبري عباس، وانتقال الحراك ضد السراي، وإنشاء "اللجنة الوطنيَّة للعمال والطلبة"، ومظاهرات يومَيْ 21 فبراير/ شباط، و4 مارس / آذار، في عهود وزارتيْ محمود فهمي النقراشي، الأولى والثانية، وبينهما وزارة إسماعيل صدقي، وختم هذا الفصل بالأصداء العربية لانتفاضتنا.

تناول المؤلف في الفصل الرابع "ما بقي منها للتاريخ" امتدادت الانتفاضة، وتداعياتها، على كُلٍّ من البريطانيين، والملك، والحكومة، والشعب.

يختم عبد الرؤوف الكتاب، بعنوان: "بدلًا من الخاتمة" بالقول: "فلم تكن هذه الانتفاضة علامة فارقة في التاريخ الوطني المصري، الحديث والمعاصر، فحسب، بل عمَّ أيضًا، أثرها العالم أجمع، فانتشرت ظاهرة الحركة الوطنية الطلابية، في قارَّات عالمنا، في القرن العشرين، فمن اليابان حركة "جنزا كورين"، إلى حركة طلاب الولايات المتحدة ضد الحرب الڨيتنامية، ومن حركة طلاب برلين (1953)، و"بودابست" (1956)، إلى الحركة الطلابية الإيطالية كابانا" (في الستينيَّات)، مرورًا بالحركات الطلابية في تشيكوسلوڨاكيا "ربيع براج" (1968)، والصين "ربيع بكين"، وفرنسا "كوهين بندت"، التي أُطلق عليها "تمرد مايو" (1968)" (ص 125).

خيرًا فعل الباحث المصري هشام عبد الرؤوف باختياره "انتفاضة 1946"، لأنها انتفاضة مسكوت عنها في التاريخ المصري الحديث، ولم يتناولها الباحثون، في حدود قراءاتي، فنجح عبد الرؤوف في رصد آثار هذه الانتفاضة، ويبدو أن الباحث انقطع لتاريخ مصر الحديث، فقد صدر له في العام 2019، كتاب "منحنى الحركة الوطنية المصرية (1881 ـ 1952). وفي انتظار الجديد.

*كاتِب وباحِث فلسطيني


التعليقات (0)