ثمة نظرية أحترمها جداً: إن الذي لا يستطيع تنفيذ ما تريده أنت، اسأله ماذا يستطيع أن يفعل، حتى تقفا على أرضيةٍ مشتركة، ثم يأتي دورك في كيفية المواءمة بين ما تريده، وما يريده.
ومن رحم هذه النظرية ولد "
التدريب المهني"، الذي يفتح صدره لمن لم يحالفه الحظ في التفوق الأكاديمي، ويلبي رغبات الطلاب الذين لديهم ميول مهنية ويتيح لهم فرصة الإبداع والابتكار. كما يوجه عدد من المتفوقين وجوههم شطره، وهذا يدحض آراء كثيرة طالما استوطنت في عقول كثيرين بأن من يولي وجهه شطر التدريب المهني هو من "المتسربين والفشلة".
تشرفت قبل أيام بزيارة دائرة التدريب المهني في محافظة رفح- تل السلطان، وجلستُ مع مديرها المهندس حسن الهمص وفريقه الرائع، واستمعت لهم. أعجبني صنيعهم.
تميز المركز في قطاع الإنشاءات، حيث بدأ بثلاثة تخصصات مهنية كشجرة مباركة أثمرت واشتد عودها، لتصبح 10 تخصصات مهنية حسب حاجة سوق العمل، وهي: الكهرباء العامة، القصارة، الطوبار والحديد المسلح، الدهان والديكور، البلاط، السباكة، الحدادة واللحام، أنظمة المراقبة وأجهزة الإنذار، صيانة اللابتوب والالكترونيات، بالإضافة لمختبر حاسوب يخدم خريجي الجامعات في الكثير من الدورات النوعية كالرخصة الدولية لقيادة الحاسوب والتصميم.
ومن الجدير بالذكر أنه يلوح بالأفق القريب تنفيذ مشروع إنشاء مركز تدريب مهني للفتيات يحتوي على تخصصات نوعية في الخياطة وتصميم الأزياء، التصوير والمونتاج، التسويق والتجارة الالكترونية، فنون الطهي، الحرف اليدوية، التجميل.
يستقبل المركز الطلبة الحاصلين على شهادة الثالث الإعدادي بالحد الأدنى، ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 عاماً، ويجيدون القراءة والكتابة، ثم يخضعون لامتحاناتٍ فمقابلة شخصية، كما يتم تنظيم دورات قصيرة تستهدف العمر من 16 إلى 39 عاما.
يتدرب الطلاب على أحدث المنهجيات الحديثة في التدريب التي تتيح لهم الاندماج في سوق العمل بسهولة، كما توجد شراكات بين المركز والقطاع الخاص لتدريب الطلاب داخل سوق العمل، والتي أنتجت قصص نجاح لطلاب كُثر بعملهم في القطاع الخاص أثناء وبعد التدريب أو فتح ورشهم الخاصة.
يكتسب الطلاب العديد من الكفايات الفنية والمنهجية والشخصية والاجتماعية، حيث يتم اعتماد منهجية المهام المركبة بحيث يكون الطالب محور العملية التدريبية، بالحصول على المعلومات بنفسه وتحليلها وتنفيذ المواقف التعلمية والقيام بعملية التوثيق والعرض.
تم تنفيذ العديد من المشاريع الصغيرة مع خريجي مركز التدريب من قبل الجهات الممولة والداعمة بمبالغ تصل إلى 7000 دولار للمشروع الواحد، ويحصل الطالب على شهادة الدبلوم المهني، التدريب المجاني على أحدث الأجهزة والمعدات، مدربين خبراء.
كما سيتم تنفيذ مشروع "تمهير" خلال الفترة القادمة، والذي يستهدف أربعة تخصصات عبارة عن دوراتٍ قصيرة لمدة أربعة شهور ممول من الوكالة البلجيكية للتنمية، في كل تخصص 22 طالباً. ويحصل الطالب على حقيبة تدريبية، وضيافة، ومواصلاته مؤمنة.
ورغم جدية فلسفة المركز العملية في التدريب، إلا أن ذلك لا يخلو من الأنشطة الترفيهية والأيام المفتوحة وتنظيم دوري كرة القدم، ومما أعجبني تنظيم مهرجان تخرج كبير مبهر لجميع الطلبة في قاعة الشاليهات كما الحال مع خريجي الجامعات.
وبالعودة إلى العنوان، فأوجه المظلومية كما أرى هي:
الاهتمام الرسمي ليس بالمستوى المطلوب، كما أن النظرة المجتمعية له بأنه لا يذهب إليه إلا "ضعفاء التحصيل الدراسي"، وهذه نظرية ليست صادقة 100 في المئة، بل علمت من خلال زيارتي للمركز بأن من المتفوقين ينتسبون للمركز نظراً لعدم قدرتهم على الانتساب للجامعات بسبب ضعف إمكانياتهم المالية، ورغبتهم بذلك.
ختاماً أقترح:
- زيادة الاهتمام الرسمي بمراكز التدريب المهني، فالوطن يلزمه الكهربائي والبليط والحداد والخياط كما يحتاج المهندس والطبيب والمعلم، فلا تولوهم الأدبار، وكونوا عوناً لهذه المراكز حتى يكونوا سندا لأبنائكم في بناء حياتهم واختيار مستقبلهم..
- تغيير النظرة المجتمعية الدونية لمراكز التدريب المهني.
- نشر الوعي والثقافة بأهمية هذه المراكز في تنمية المجتمع والاقتصاد.
- دعوة الطلبة الراغبين بالالتحاق فورا بمراكز التدريب المهني واغتنام الفرصة، ففيها ينسج الإنسان خريطة حياته من عرق جبينه.