بداية الحقبة الضائعة:
الألم أو الإحساس بالظلم والقهر والتخلف بداية حقبة الوعي وتشخيص المشكلة،
وهو أمر نختلف عليه وفق الجهاز المعرفي المنقول، ونستمر بالاختلاف ولا نرضى بقيادة
ولا زعامة إلا أن تكون من فئة "ب"، وتمحق الزعيم أو القائد الذي يظهر من
أي حرف آخر في بيئة منظومة تنمية التخلف، وتسفّه الحروف ما ظهر عند غيرها، إلى أن
ينعزل ويموت الأمل فيه. كذلك يفعل الآخرون مع من يظهر من أي حرف، فأحادية النظرة
من ضمن المنقول في الجهاز المعرفي المشكل لمنظومة تنمية التخلف؛ فأنا الفاهم
والواعي والمؤمن والوطني الذي يملك الحلول، حتى لو كنتُ واضح التفاهة، وغيري
الجاهل والخائن والكافر، وإن كان في رزانة الدعوة للحق والمنطق.
في ذات الفئة "ب" هذه، تظهر الفردانية أنانية تهمل عالمها
والعلماء أو المفكرين وهم أقل الناس قدرة للدفاع عن أنفسهم، وإنما يحتاجون غالبا إلى
قادة وزعماء لترويج أفكارهم، فعندما يواجهون بتسفيه المجموعة وتسفيه المجموعة
للمفكر، حاضر عكس اجتماع المجموعة على رأي واحد صواب. فالعمل الفرداني دون مؤسسة لا
ينجز؛ لأنه سيواجه التحديات بلا قوة صد ويفتقد للتنسيق ومتابعة التطبيق وتصويبه،
فلا تكون مخرجات قوية دالة على الفكرة، وتضعف بالتشويه الذي يحصل فيموت الشخص
والفكرة ليس مهما من السابق للموت.
بطل واحد! فاهم واحد! خبير واحد! هذه العقلية قادتنا إلى التخلف والعدمية
وصنع الفاشل من الناجح؛ الإنسان يستطيع تحقيق طموحه الشخصي منفردا، بيد أن طموح الأمة
لا يحققه إلا مجموعة منتظمة في عمل مؤسساتي، فالإحساس والتشخيص والذهاب إلى الحلول
ما لم يكن مؤسساتيا، فهو سيقود إلى الفوضى بتراكم الإحباطات، والخضوع والركود إلى
حالة انفجارية لا تضبطها قوانين وأعراف.
فكرة الإصلاح والتغيير:
الإصلاح لا يأتي كنشاط على فوضى أو هياكل ليست معرفة المهام أو شعوب لا
تعرف ما تريد، وإنما تتحسس الألم فقط وتبحث في خيالها عن المنقذ وتذهب إلى الأوهام
والخزعبلات، أو تستحضر تراث الاستسلام للواقع وللظلم وكأنه قدر مقدور. هذا الوصف، يحتاج مراجعة كبرى وإلى تغيير بعزيمة مؤسساتية مترابطة بين مجموعة من المفكرين، ومجموعة من القادة وزعماء تنفيذيين للأفكار والمعالجات والمتابعة. أي تشكل منظومة
بها أفكار ومعالجات لهذه الأفكار ومخرجات تستلمها البيئة والحاكم والمحكوم، ثم تعاد
التغذية بمواطن الإخفاق ومحتمل
النجاح وهكذا أو بتغيير شامل، لكن يضاف له برامج
مكثفة للتوعية وتثبيط الرعاع وتهدئة الغوغاء، ليتمكن العاملون من إجراء قواعد
التغيير.
أما الإصلاح، فهو عملية ضمن مسار منظومة فاعلة، تحدث إخفاقات في بعض أنشطتها
فتدرس وتوضع بدائل تدخل التجربة إلى تصويب العمل. الإصلاح والتغيير عمليّا، يرتكزان
على الاستقراء للواقع، ثم استنباط الحلول وهذه الملاحظة مهمة؛ لأن القوالب الجاهزة
من تجارب
التاريخ أو تاريخ الشعوب الأخرى ليست صالحة، وإنما تضيف جروحا جديدة
للمجتمع.
الإصلاح يحتاج إلى تشخيص وأفكار للحل وكوادر مؤمنة بالحل وتعمل عليه وقبول
من البيئة، وهذه أمور داخلية، لكن بغياب أي منها لا تثمر، الإثمار له أيضا واجبات
رعاية وديمومة وصيانة وهذا أمر مهم.
أما التغيير، فيتضمن معادلة الإصلاح وقبولا إقليميا وقبولا دوليا وضمان مصالح
الجميع حقيقة. وطبعا بغياب أي من هذه الأمور، فسيوضع في المعادلتين صفر وكل ما
يضرب بالصفر، فالنتيجة الصفر رياضيا أو بمنطق الفكرة، يعني
الفشل.
الفشل برداء النجاح:
عندما نتحدث عن النجاح، فإننا نتحدث عن أمر مدروس مقصود، وعندما أردنا
النهوض وأتينا بالتقليدية والعقلية الفردية، عجزنا أن ننتج مدنية أو نستحث حضارتنا
الفكرية فاستعنّا بالاستعمار لجلاء الاستعمار، فترك من منظومة متوافقة مع الخضوع
للمتغلب فينا مما نراه إلى اليوم، وهو لم يخرج فعلا، وإنما ربح خسائره وزاد من
خسائرنا، وأرهقتنا المظاهر الصوتية التي تتحدث عن إزالة الفقر بأفكار مستوردة،
والجهل بنظم مستوردة، وكلها قوالب تضعنا في ضيق وتمزق أجزاء منا، وتسبب لنا النزف
من قطوع وجروح.
دعونا للديمقراطية فأخذناها مستأصلة من نظم تصويبها وتصفق الجماهير لوعود
الوهم، فإن صدف أن حدثت طفرة فيها، فهنالك قوى منك تثبطك بل تنهي أي فكرة أو أمل، وأنت
مخدر تصفق لجلادك. إن التغيير والإصلاح الحضاري والمدني، لا يأتي إلا منك ومن خلال
الاستقراء والاستنباط السليم، عندما نتخلص من الثرثرة التي لا تبني ثقافة ومثقفا
بل مضيعة للعمر، ونروض أنفسنا على الاستماع والحوار بدل الجدل، والسعي للأفضل بدل
الظن بامتلاكنا الأفضل، فإن ثبت أن ما لدينا الأفضل فهذا خير، وإن عرفنا أننا لا
نملك الأفضل فهو خير أيضا.
إن ميلنا إلى أن نكون مستهلكين للمنتج المدني، هو أحد إخفاقات أنتجها من صمم
الناس الذين خلفوا الاحتلال في الإدارة، التعامل مع عقيدتنا الإسلامية وكأنها
عنكبوت، وتقديس غير المقدس من أشخاص وتاريخ، يجعلنا ننسى أن أمتنا ككل كانت ما بين
الهامش كالعرب، والظلم والاستعباد لأمم كان وطأة إمبراطوريتين لا تحوي عوامل
الكرامة الإنسانية والقيم العليا.
إننا لو نظرنا إلى دورة التاريخ، سندرك أن الإسلام ليس دينا، وإنما فكر وقيم
ترتقي بالإنسان وبناء
المدنية وإبراز الجمال في العالم، رغم كل التشوية والتضليل.
إن الكلمة الأولى "اقرأ" وليس ثرثر بأي كلام، فالقراءة انطلاقة
إلى التغيير الدائم والإبداع والعلم والمعرفة، متى ما هجرنا الإسلام عدنا كما كنا،
أمة جامدة وأخرى تبعية، وأخرى هامشية وأخرى تجد الظلم مكرمة، من أجل هذا لا بد أن
نتطرق إلى تاريخ مهم، وهو محاولة لطرح سؤال: لماذا لم تستمر مدنيات كالصين في قيادة
العالم، أو مدنية وحضارة كالإسلام، ليعود أتباعها إلى الغفلة والجاهلية؟ وما نراه
يكفينا الوصف.