هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كلما أصدر الحكم العسكري في مصر قرارا بالإعدام لمواطنين مصريين أبرياء، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالنقاش والاقتراح، والسؤال الذي يطرح دائما: لماذا لا تبادر المعارضة إلى الاعتراف بالسيسي، أو المصالحة معه، مقابل العفو عن المعتقلين، وبذلك ننقذ هذه الدماء؟ وكأن السيسي يتلهف لأي خطوة تقدمها الجبهة الرافضة لانقلابه، ليفرج عن المسجونين، ومع ذلك فالأمر يحتاج إلى نقاش، وقبل النقاش لا بد من الإجابة عن أسئلة مهمة في الموضوع، وهي:
هل يحتاج السيسي لهذا الاعتراف؟ وهل هناك أي رغبة لدى السيسي ونظامه لذلك؟ وهل هناك من يرفض ذلك من المعارضة؟ وهل هناك من يقبل من المعتقلين هذا الأمر؟ وهل هناك تجارب لهذا النظام مع غير الإسلاميين مثلا: قام بالعفو عن معتقلين مدنيين، سواء أعلنوا تراجعهم عن موقفهم أم لا، فيمكن أن يقاس عليها مع الإسلاميين؟ هذه أسئلة مهمة، بالإجابة عنها يتضح هل هناك جدوى من هذا النقاش أم لا؟
بالنظر السريع على هذه الأسئلة، فالسيسي لم يعد بحاجة للاعتراف به ولا بنظامه، فقد قدم مقابل ذلك تيران وصنافير، ومكن الإمارات والسعودية من التملك في مصر، وأشرك كل من ساهم معه في الانقلاب في مقدرات مصر، ووطد علاقته مع الكيان الصهيوني، إلى درجة أن أصبح منهم من يعتقد أنه صهيوني أكثر منهم.
وليست لديه رغبة، ولا للمحيطين به، بأي درجة من التنازل وإخراج أي معارض من السجن، سواء كان إسلاميا أم غيره، ولكن الاختلاف أصبح في الأحكام والطريقة، مثلما فعل مع الإخوان، فقد قسم الإخوان إلى طرفين: جبهة محمد كمال، وجبهة محمود عزت، لجبهة كمال التصفية أيا كان موقف صاحبها، ومع جبهة عزت وقت وجود كمال يكتفي بالاعتقال، أو الترك لفترة معينة، ثم بعد تصفية من قرر تصفيته، قام باعتقال جبهة عزت، والحكم عليهم بأحكام لا تفترق كثيرا عن التصفية، ولكنها بطرق أخرى.
وهو ما تم مع القوى التي يطلق عليها: مدنية، فرغم إعلان الجميع أنهم ليس في نيتهم الخروج في مظاهرات، وكثير منهم اتجه للقمة العيش، ومع ذلك لم يسلم منه أحد، سواء بالسجن أو القتل، وليس علاء عبد الفتاح، وأخته سناء، وغيرها من الفتيات والنساء ممن ليسوا من الإسلاميين ببعيد، وتم قتل شيماء الصباغ، وهي ليست من الإخوان المسلمين.
إن أي مصالحة تشترط وجود طرفين يحرصان عليها، أيا كانت قوة الأول والآخر، وأيهما أقوى أو أضعف، وعندنا نموذج الجماعة الإسلامية في مصر في عهد مبارك، كانت هناك إرادة عند جهة في النظام لإنهاء هذا الملف، وقامت الجماعة الإسلامية بمراجعات، انتهت بخروج عدد كبير منهم، رغم بقاء قياداتهم في السجن،
بل عندما بدرت بعض النوايا لبعض المخلصين في مصر، للنقاش والتحرك في ملف التهدئة، وأن مسار الإعدامات والاستبداد سيودي بمصر إلى كوارث لا نهاية لها، تحرك الطرف الأقوى في النظام، وعجل بتنفيذ أحكام إعدام، وفي شهر رمضان الكريم، وهو ما يؤكد أنه لا توجد أي نية لدى هذا النظام لأي بادرة إقامة عدالة، فضلا عن العفو عن مخطئ إذا ثبت خطؤه، لأنه يعلم لو طبقت معايير العدالة ـ التي كانت في عهد مبارك على الأقل ـ فلن يتم حبس أحد منهم، فضلا عن إعدامه.
إن أي مصالحة تشترط وجود طرفين يحرصان عليها، أيا كانت قوة الأول والآخر، وأيهما أقوى أو أضعف، وعندنا نموذج الجماعة الإسلامية في مصر في عهد مبارك، كانت هناك إرادة عند جهة في النظام لإنهاء هذا الملف، وقامت الجماعة الإسلامية بمراجعات، انتهت بخروج عدد كبير منهم، رغم بقاء قياداتهم في السجن، رغم انتهاء مدة حبسهم قانونيا، مثل: الدكتور طارق الزمر والشيخ عبود الزمر.
الموقف من أي تسوية معروف شرعا وسياسيا، وأذكر هنا للتاريخ، أننا اجتمعنا مجموعة من المشايخ والعلماء وأهل الفكر والسياسة في مؤتمر مغلق، كان ذلك في آذار (مارس) 2015م، وناقشنا كل الاحتمالات، والموقف منها، وكان منها مناقشة المصالحة مع السيسي، وقُدم في ذلك ورقة بحثية، وضعت هذا الاعتبار، والشروط الشرعية والواقعية لذلك، ولكن كشأن كثير من هذه الاجتماعات، ما أن تنفض، ينفض معها كل ما يتعلق بها، وتبقى ذكريات الجلسة فقط!
وقد انتبه بعض أفراد في القوى السياسية العربية لتفكير النظام المصري في الإعدامات، قبل أن يتم تنفيذ أية حالة فيها، فتم عقد جلسة عمل للنقاش حول الموقف من الإعدامات والتحرك المبكر ضدها، كانت برعاية المجلس العربي للثورات والديمقراطية، برئاسة الدكتور المنصف المرزوقي، وإدارة دكتور أيمن نور وقتها لهذه الورشة.
لست أعني بكلامي إغلاق هذا الباب، بل هو باب يظل مرهونا بإرادة قوية لتفعيله، سواء تنطلق هذه الإرادة من أناس يتوفر لديهم الإخلاص والحب لهذا الوطن، والخوف من الله سبحانه وتعالى من إراقة الدماء، والسعي لحفظها، مهما كان في ذلك من التنازل، سواء في هذا الطرف أو ذاك.
وليس في تاريخ الإسلاميين ما يجعلهم يرفضون ذلك، من حيث أصل الأمر، إلا من لديه مصلحة في عدم إنهائه، وقد رأينا من قبل الإخوان في السجون، حين قال المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي عمن أيدوا عبد الناصر ليخرجوا، فقال قولته المشهورة: تقوم الدعوة على أكتاف أصحاب العزائم، ولأهل الرخص في دعوتنا مكان، وحينما كتب الدكتور يوسف القرضاوي خطابا للرئيس الليبي الراحل القذافي، يطلب منه العفو عن أفراد من الإخوان المسلمين محكوم عليهم بالإعدام، وكان قد كلمه شفهيا، فطلب منه أن يكتب كتابا، فلم ير القرضاوي حرجا في ذلك، لإنقاذ رقاب برآء، وتم بالفعل إطلاق سراحهم.
فمسألة إلقاء اللوم في هذه المسألة على الإسلاميين بأنهم لماذا لا يتحركون في هذا الملف، فليس في مكانه، وليس صحيحا، لأن أدوات نجاح الأمر لا تتوافر بنسبة عشرة بالمائة بالأساس، نعم هناك تقصير لدى هذا الطرف وقياداته تحديدا في التحرك الصحيح في قضية المعتقلين والإعدامات، وقضايا أخرى تكلمنا فيها سابقا، لكن في هذه المسألة تحديدا فإن المسألة تتعلق بإرادة دولية أولا لإنهاء هذا الملف، وقتها لن يملك السيسي قرارا فيه.
[email protected]