منذ سقوط بشار الأسد، وانتصار الثورة
السورية في دخول معظم المناطق السورية، والتعليقات لا تتوقف، والنصائح كذلك
للسوريين تخرج من كل محب لهم ولثورتهم، أو من كل راكب للموجة، فمن أسوأ آثار
السوشيال ميديا أنها حولت كل من في يده موبايل، وفتح قناة على اليوتيوب، أو صفحة على
وسائل التواصل الاجتماعي، إلى خبير يلقي بنصائحه في كل شيء، في ما يعرف وما لا يعرف،
فالمهم المشاهدات، والمهم الأرباح، وهما دافعان دفعا الكثيرين لخوض غمار الأمر،
ولو على حساب الناس والحقائق، وتحولت أفراح الناس ومصائبهم إلى تريند، ومادة مغرية
بالحديث.
ولذا كان تعجب كثير من السوريين، من كم
المصريين الذين تحدثوا في الشأن السوري، قبل سقوط بشار وبعده، وتحليلاتهم
وتخميناتهم، وكان العجب من أشخاص لا يعرفون أسماء مناطق في
سوريا، ولا يعرفون
نطقها الصحيح، لو أنهم قرأوا الاسم لأول مرة، فما بالك بالحديث عن واقع ملتبس،
والقليل تكلم عن علم، أو عن تحليل لأحداث وفق معطيات معينة، حلل من خلالها، بناء
على تخصصه، وربما لفت المصريون انتباه الناس، لما تتمتع به قنواتهم على اليوتيوب،
والصفحات العامة، من كثرة المتابعين، سواء من المصريين أو بقية الدول العربية،
ولما تحلوا به من طرافة، فجعل الناس تتندر على من تحدثوا بالفهلوة المصرية التي لا
تتناسب مع الحدث الخطير.
لكن بعد سقوط بشار، بدأ عدد من المصريين
ينصحون، ونصائحهم وإن لم تكن عن علم بالواقع السوري، فإنها ناتجة عن تجربة مريرة
عاشها المصريون جراء الانقلاب على ثورتهم، فهو نصح المكلوم، وتجربة المتألم، الذي
يتمنى أن ينجح آخرون في ثورتهم، فلعل ذلك أن يكون عونا له على محنته، أو إسهاما في
إنهائها، أو تخفيف غلوائها وجرائمها.
بعد سقوط بشار، بدأ عدد من المصريين ينصحون ونصائحهم وإن لم تكن عن علم بالواقع السوري، لكنها ناتجة عن تجربة مريرة عاشها المصريون جراء الانقلاب على ثورتهم، فهو نصح المكلوم، وتجربة المتألم، الذي يتمنى أن ينجح آخرون في ثورتهم، فلعل ذلك أن يكون عونا له على محنته، أو إسهاما في إنهائها، أو تخفيف غلوائها وجرائمها.
ومعظم النصائح الحالية من المصرييين، من
تخوفهم أن تنقلب الثورة السورية إلى كابوس كما حدث في الثورة المصرية، عن طريق
انقلاب، يأتي رويدا رويدا، بتغفيل الثوار، أو الاستيلاء على المؤسسات، وترك الثورة
عارية مجردة من كل وسيلة تحميها، أو تؤازرها، كما حدث تماما مع الثورة المصرية.
بالطبع هناك من يتحدث عن الشأن السوري،
متكهنا بأشياء لا دليل لديه عليها، لكنها من باب الحديث في المجال الواسع، حمال
الأوجه، فهو يلقي بعدة تكهنات، فإن حدثت واحدة منها، وقتها يعلن أنه بحنكته
وخبرته، قد حذر من قبل، وهو ما نراه عند بعض اليوتيوبرز، فربما تجد الشخص منهم يقول
الشيء ونقيضه، وعندما يحدث نقيض ما قال، يخرج ليعلن أن ما حدث هو ما قاله بالفعل،
معتمدا على سذاجة من يتابعونه، أو على أنهم جماهير ذاكرتها أشبه بذاكرة السمك،
فهؤلاء بقدر تفاهة ما يقومون به، بقدر ما للأسف تجد لهم متابعين، وهو ما يراهن
عليه المؤيدون للثورات المضادة.
الذين ينصحون ويلحون في النصح للسوريين
مخلصين في نصحهم، هم من يطلق عليهم المثل المصري: من لسع من الشوربة، ينفخ في
الزبادي. ولأنهم أصحاب تجربة مروا بها، وقد كان لديهم من الثقة ما جعلهم يصمون
آذانهم عن أي نصح، من تجارب سابقة مر أصحابها بنفس السيناريو، خاصة في دول يحكمها
العسكر، فأذكر أن باحثين جزائريين حذروا الإسلاميين في مصر، من عشرية سوداء مثلما
حدثت معهم، وأن الأحداث في مصر قبل الانقلاب العسكري في يوليو 2013 لا تؤدي سوى
لنفس ما حدث عندهم. وعندما وقع الانقلاب، كان الشيخ عباسي مدني رحمه الله مريضا،
وقد خرج من جلطة أصابته، فطلبني للقاء، وأخبرني أنه لا يقابل أحدا، ولكنه طلبني
لأبلغ رسالته للإخوان في مصر، وأنه يوصيهم بأمرين، الأول: إياكم وترك الميادين،
والثاني: إياكم وحمل السلاح.
كل تغيير له مقاومة، أدرك ذلك الثوار أم لم يدركوا، ومن غفل عن أدوات الثورة المضادة، والتي تتلون بتلون الزمان والمكان والأشخاص، فهو معرض للعودة لأسوأ مما كان عليه، وهو ما حاولته الثورات المضادة في كل مكان عملت فيه، بألوان وحيل مختلفة
لست هنا بمعرض تخويف أو تحذير السوريين من
نفس مصير المصريين، بل أسوق هنا دوافع نصح من مروا بتجارب مماثلة، ويخشون على هذه
التجربة التي ستكون ملهمة للكثيرين بلا شك، وإن كان لدى من يقلل من شأن تخوف
المصريين مبررات لذلك، بأن مصر كان فيها جيش يحكم، ولم ينسحب، بل كانت الشرطة هي
المنسحبة، وهناك حزب وطني، وليس هناك في سوريا حزب بعث بقي، والحقيقة أن هذا ما
توهمه المصريون في ثورتهم، وظنوا سقوط النظام، ولم يكن سوى سقوط واجهته، أو رأسه،
الذي سرعان ما ترك رؤوسا تدير بعده المشهد، ولأن هناك مصالح إقليمية ودولية متعلقة
بعدم تمكين الشعوب، قامت بكل جهد حثيث لاستعادة هذه المنظومة وبأسوأ مما كانت عليه
قبل ثورة يناير.
ليس مطلوبا من السوريين أن تصغى أسماعهم
وأفئدتهم لكل ما يقوله المصريون وغيرهم، ولكن ليس مطلوبا أيضا الثقة الزائدة
بالنفس، أو بأن سوريا غير مصر، وأن الإسلاميين في مصر لم يتوافقوا ولذا تم
الانقلاب عليهم، فقد توافقوا في تونس وتم الانقلاب عليهم أيضا، وفي مصر كان هناك
جيش، فمن كان مع قيس سعيد وهو أضعف من يقوم بانقلاب على مستوى العالم العربي
والإسلامي؟!
فكل تغيير له مقاومة، أدرك ذلك الثوار أم لم
يدركوا، ومن غفل عن أدوات الثورة المضادة، والتي تتلون بتلون الزمان والمكان
والأشخاص، فهو معرض للعودة لأسوأ مما كان عليه، وهو ما حاولته الثورات المضادة في
كل مكان عملت فيه، بألوان وحيل مختلفة، وليس معنى ذلك أن الثورة المضادة قدر مقدور، بل هي مما يحذر منه، ولا يغفل عنه، فمن أدرك ذلك وتيقظ له، وفوت كل فرصة
لها، وأقام بنيانه الجديد على أسس قوية، ومجتمع قوي متماسك، كان إلى النجاح أقرب
وأجدر.
[email protected]