كتاب عربي 21

السيسي الوردي متوعدا باللغة "السيسوغليفية"

أحمد عمر
1300x600
1300x600
للسيسي عصا سحرية ومعجزات، ومن معجزاته أنه استطاع شقِّ صفوف المعارضة بعصاه السحرية، فانقسم بحر المعارضة إلى عدة ترعات وتفريعات، حتى إنَّ معارضين معروفين مشهودا لهم بالحكمة والحصافة فرحوا بجنازة الفرعون المبعوث من العالم السفلي رحمةً للسيساويين، ولعنة للمصريين الذين تصادمت قطاراتهم، وتهدّمت بعض جسورهم، وخسفت ببعض عماراتهم الأرض. فقد شهدنا في الأخبار مسلسلة أفلام كوارث حقيقية، والكوارث لم تتوقف يوماً في مصر، فهي تقع على شق زلزالي أشد من فالق اليابان الجيولوجي، هو فالق الفرعونية، ولعنة الفراعنة الوحيدة هي الفساد والإفساد.

هدَّد بعض هؤلاء المتنورين أصدقاءهم الذين تبرؤوا من العروبة على صفحاتهم بعد الجنازة الخارقة وموكب الموتى، وقد أكلوا سبانخ الفراعنة، فتنمّروا وتنصّلوا من العروبة، فكان التهديد بنزع جنسية الصداقة الإلكترونية منتهى الوطنية التي تجمع بين الفرعونية والعروبة على وسادة واحدة. رعاة الفرعونية يعلمون أنَّ الفرعونية هي نقيض الإسلام، وأن فرعون الذي توجوه ملكا جديدا وزكّوه ووصفوه بأوصاف لطيفة مثل أنه من أهل الفترة، ولم يبلغنا حتى الآن أنه من أهل الشفاعة، هو على الحقيقة: عدو الله وعدو رسوله موسى عليه السلام، و"إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ"، وإنه صاحب العبارة الشهيرة: أنا ربكم الأعلى.

يقول لسان العرب عن الفرعون:

فرع: فَرْعُ كُلِّ شَيْءٍ: أَعْلاه، و"مَا عَلا مِنَ الأَرض وارْتَفَعَ؛ فارِعٌ: مُرْتَفِعٌ طَوِيلٌ الفُرُوعُ: الصُّعُود، وأَفْرَعَ فِي قومِه وفَرَّعَ: طَالَ، وتَفَرَّعَ القومَ: رَكِبَهم بالشتْمِ. وقد شتم السيسي المصريين كثيراً من غير أن يسميهم شعبه، فهو يخاطبهم كأنهم غرباء، وأهانهم إما باللسان وإما بالفعل، وهو يهينهم باتضاعه لأمراء صغار في الخليج أو كبار، أو بمخالفته المراسيم وصعوده إلى طائرة الملك السعودي، مخالفا قواعد المراسيم. ومسافة السكّة هي نفس عبارة: أيوا جاي وعندك واحد شاي في الخمسينة، ولكن بلغة سيسوغليفية.

نتابع مع لسان العرب معاني فرع: وأَفْرَعَتِ الضَّبُعُ فِي الْغَنَمِ: قَتَلَتْهَا وأَفْسَدَتْها، الفِرْعَوْنُ بِلُغَةِ القِبْط؛ التّمسَاح، ويجمل معنى الفرعون علي فهمي خشيم قائلاً: هو البيت العالي. وقرأت على بعض الصفحات الساخرة أو الجادة، ففي مصر لا تستطيع أن تفرق بين الجدّ والمزاحة: أنَّ السيسي أخرج مومياء الفراعين كسلاح استراتيجي لتهديد إثيوبيا باللعنات، وخرم السد.

السيسي يقلد مسيرة ماو تسي تونغ الثقافية:

لم يواكب سيسي كونغ رحلة المومياوات من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة المصرية وحسب، وإنما تذكّر شعورا محنطا له، وهو شعوره بالقلق على المياه في 25 يناير، فربط من حيث لا يدري بين المياه وبين الثورة. وتتبعتُ تغريدات مشاهير مصر من إعلاميين وكتّاب وصحافيين، فوجدتهم مخطوفين ومسحورين بالإخراج السينمائي، فتذكرتُ أنَّ الفرعون سَحَر أعين الناس بالصورة قديماً، فقد كان فرعون موسى يحب العروض والسيما.

وكان الفرعون القديم قد أرسل في المدائن حاشرين، فأتوه بكل سحّار عليم، "وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ". وسمعتُ إعلاميين معاصرين سحرة بفن التحليل السياسي يطالبون المضيف بأجورهم على الهواء مباشرة، على الأقل أجرة مسافة السكة!

الثعبان المبين:

"قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى".

والأفاعي رمز مصري فرعوني قديم، بل إنَّ غطاء الرأس الفرعوني مأخوذ من هيئة ثعبان الكوبرا. ودعا مصريون ساخرون إلى فرض الزيّ الفرعوني في المدارس، ووجدوا أن زيّ "الإخوان الفراعين" إسلامي بمحتواه، فهو أيضاً حجاب يستر رأس المرأة ورأس الشاب، وإن كان يثير الذعر ويذكّر بالأفعى، ولعل الفراعنة المصريين اتخذوه لإثارة الهيبة والرعب، والإيهام بالخلود. فالحيّة أطول الكائنات عمراً، وسمّاها العرب بالحيّة لأنها تحيا وتجدّد جلدها، وقد جدد النظام، أو جُدد له ثوبه، فعاد الفرعون وعادت الحية تسعى.

ماو قام بثورة ثقافية للتخلص من عناصر الثورة المضادة، وهي عند السيسي كذلك وبينهما فروق وتجمعهما عبادة الأشخاص.

مواعيد عرقوب ووعيد مربع:

وقد ارتبكت بعض النخبة المعارضة، فانسحرت بالتاريخ الفرعوني والعرض الخاطف للأبصار، بل إنَّ بعضهم انتشى فخراً بعد تهديد السيسي إثيوبيا وهو على ظهر "سفينة الحب" بين إعلاميات مصريات غير معروفات، وعملت الكاميرا صورة تقريب وكلوز وجوز وموز لإعلامية محجبة تضمُّ يديها إلى صدرها، وتعصر فؤادها وجداً وحباً مثل علامة لايك الإيموجي "ادعمه". فعلت ذلك وهي تسمع السيسي يهدد إثيوبيا على حين غفلة، ويتوعّد المصريين بالهزيمة!

وكان يجدر بالسيسي وهو يهدد أن يلبس زياً عسكرياً، كما يفعل عندما يهدد الشعب المصري بالفقر، وأن يكون حازماً، لا أن يتوعد الأحباش بلغة الذكريات، و"خلي بالك من زوزو": "ما شوفتوش حصل إيه مواجهة زي    62 (حرب اليمن) و67 (النكسة) والعراق حصل إيه".. هذه لغة ذكريات، وبرنامج هيا بنا نلعب، وليس لغة تهديد، وإن كانت، فهي حروب خاسرة كلها "وأكلنا فيها علقة كلنا"، فكيف يهدّد بحروب خسرها المصريون كلها! لا بد أنه كان يطمئن إثيوبيا لأنه لم يذكر حرب أكتوبر، فهي حرب انتصر فيها المصريون على قومه وأبناء عمومته. ألم يعلن أنَّ خط سرت وجفرا خط أحمر ثم تحوَّل خطه الأحمر إلى خط سلام أبيض؟ لم نكن نعرف أنَّ السيسي فنان تشكيلي أيضا.

أيها السادة: عندما يهدد السيسي فهو يغازل، وعندما يغازل فهو يتوعّد. هذه هي اللغة السيسوغليفية: انتوا مش نور عينيّا وإلا إيه.

كتاب الموتى:

سمعنا تسريباً صوتياً قديماً يقول السيسي فيه بنبرة الحكيم: إنَّ الجيش لن ينقلب على الثورة، لأنَّ مصر ستعود ستين سنة إلى الوراء، وقد عادت ثلاثة آلاف سنة بفيلم المومياوات، وبدا المصريون سعداء بالعودة إلى "كتاب الموتى"، ورأينا المومياوات تنبعث من رقادها وربما يحول المتحف الكبير إلى قاعة أفراح ويلم النقطة من فرح تحتمس الثالث على أخته حتشبسوت. وزيجات سفاح القربى كانت شائعة بين الفراعنة، فالإله أوزريس تزوج أخته الإلهة إيزيس، وسيت تزوج نفتيس.

الفراعنة كانوا حريصين على نقاء الدم الفرعوني، حتى إن صفة أخت تعني عشيق في الفرعونية، بينما دُفن مرسي بالليل من غير جنازة، وفي غير مقبرة أهله، لأنه لو سُمح له بجنازة، لخرجت مصر كلها تشيّع بطلها ورئيسها النزيه المنتخب. فالموتى في مصر التي يراد لها أن تكون قبرا يدفنون عشرات المرات، والأحياء يعيشون في المقابر ويمنعون من الدفن عند الموت.. مصر مش أم الدنيا، دي أم الآخرة أيضا.

اختار السيسي أن تكون جنازة زملائه وأسلافه الفراعنة ملَكيّة فاخرة باذخة، منع عنها الشعب. وكثر الحديث الإعلامي عن عظمة الفراعنة الملوك الذين استطاعوا الحفاظ على جثثهم، بينهم فرعون موسى الذي شاء الله أن ينجيه من الحيتان لكي يكون لمن خلفه آية. ورأينا صور نعالهم الذهبية، وأمتعتهم وكنوزهم وأموال الشعب المصري المسروقة. وقيل عن قناع توت آمن إنه أغلى كنز في العالم في بلد فقير أوي، لقد أخذ الفراعنة وأموالهم وزينتهم والسلم إلى العالم السفلي.

ليس من قصص كثيرة مهمة تروى عن فضائلهم أو بطولاتهم ودفاعهم عن مصر سوى تغريدة وحيدة لو ذكرها السيسي لقال خيراً، وهي عن ماء مصر الذي فرّط فيه، ووقّعَ بيده على وثيقة التخلي عن الماء للأحباش. والسد حقيقةً ملكٌ للبنك الدولي، ولو صدق الإعلام لقال: إن هؤلاء الفراعنة ملوك أذلّوا الشعب المصري، وبنوا الأهرامات على جثث المصريين، وإنهم كانوا يبيحون سفاح القربى، فقد تزوجت حتشبسوت من أخيها رمسيس التاني، ونجد في فيلم قناع توت آمون، وهو واحد من أفلام لعنة الفراعنة، بروفيسور اللغات القديمة يقع في حبِّ ابنته ويسافحها.

لعبة البز كاشي:

عرض الجنازة يذكّر بلعبة "البز كاشي" إبان الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وزعموا أنَّ هذا العرض الجنائزي سيجلب الخير، وإنها دعوة للسياحة الداخلية والخارجية، لعبة البز كاشي الميت وهو نزاع فرسان على عجل أو عنزة، أما الميت في مصر فهو فرعون. ولعبة العرض المصري خالية من التشويق ومحفوفة بالرعب، وكان السوري والعربي عامة يسمع الأناشيد الوطنية فيتوّرم من لدغ الكلمات، ثم يخرج إلى الشارع منتفخاً كالبالون، وما يلبث البالون أن ينفجر عند أول صفعة من شرطي، أو إهانة من مخبر أو إذلال من موظف. وقد ظهر أنَّ السيسي جادٌ كل الجدّ في العودة ثلاثة آلاف سنة إلى الوراء، وهناك خطة لإحياء الهيروغليفية وفرضها على المدارس إلى جانب اللغات التالية: الإنكليزية، والفرنسية، والصينية، والفرعونية، فيضع التلميذ المسكين بين اللغات ويتبلبل بلبلا أو عندليبا مثل عندليب الدقي. الغرض هو إعادة مصر إلى عهد العبودية.

تردّد أن السيسي سيحتفل قريباً بافتتاح العاصمة الإدارية للفراعنة، فالحفلات والعروض مثيرة، وتدرّ الشرعية على النظام الذي يحب الإثارة والعروض السينمائية وعروض الأزياء التي يقدمها النمر الوردي على السجاد الأحمر مع مومياواته المدللة.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)