ماذا يعني قبول المحكمة الأوروبية التحقيق بجرائم مصر وفرنسا بالعملية "سيرلي"؟
القاهرة- عربي2112-Nov-2406:14 PM
0
شارك
العملية سيرلي تعكس العلاقات الأمنية الوثيقة بين مصر وفرنسا- الأناضول
نجحت أخيرا، جهود حقوقية مصرية ودولية في فتح التحقيق
بجريمة مقتل آلاف المهربين على الحدود المصرية- الليبية في العملية المخابراتية والعسكرية
المعروفة بـ"سيرلي"، التي امتدت بين أعوام 2015 و2019، والتي كشف فيها موقع (ديسكلوز) الاستقصائي عن اشتراك
السلطات العسكرية الفرنسية والعسكرية المصرية فيها بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"،
بدعوى محاربة الإرهاب.
وفي خطوة لافتة، قبلت المحكمة الأوروبية
لحقوق الإنسان نظر القضية التي أقامتها منظمتا "مصريون بالخارج من أجل الديمقراطية"،
و"كودبينك"، المسجلتان بأمريكا، ضد حكومة باريس في شباط/ فبراير الماضي،
بشأن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والتواطؤ، والتعذيب، على الأراضي المصرية من تموز/
يوليو 2015 وحتى كانون الثاني/ يناير 2019، كجزء من العملية الأمنية والاستخباراتية الفرنسية لصالح الجيش المصري.
اظهار أخبار متعلقة
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اتخذت
أولى الخطوات بإبلاغ فرنسا بالشكوى مع توجيه مجموعة من الأسئلة، لباريس، وفقا لإخطار
نشرته المحكمة بموقعها الإلكتروني 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.
"القصة.. وتطوراتها" مع الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر منتصف
العام 2013، حصل قائد الانقلاب -قائد الجيش حينها- عبد الفتاح السيسي، على الكثير من
الدعم المالي الخليجي والأمريكي والأوروبي، إلى جانب الدعم الاستخباراتي والأمني، وتوفير
التقنيات الأمنية المتقدمة.
وفي هذا الإطار، وفي شباط/ فبراير 2016، أطلق
وزير الدفاع الفرنسي، آنذاك، جان إيف لودريان، العملية "سيرلي" الاستخباراتية
السرية للمراقبة الجوية وتأمين حدود مصر الغربية مع ليبيا (1200 كيلومتر)، بهدف وقف
تهريب الأسلحة من ليبيا لمصر ومنع أي تهديد إرهابي، عبر فريق من 10 عسكريين فرنسيين
من تخصصات مختلفة.
اظهار أخبار متعلقة
وبعد نحو 5 سنوات ونصف، من إطلاق العملية
بعلم السلطات الفرنسية وفي تكتم شديد بعيدا عن الإعلام المحلي والدولي، وتحديدا في
تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعلن موقع "ديسكلوز"، حصوله على مئات الوثائق
الرسمية الفرنسية السرية التي تكشف عن انتهاكات ارتكبت خلال عملية عسكرية سرية لفرنسا
في مصر، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
الموقع الاستقصائي أكد أن القوات الفرنسية
شاركت في 19 عملية قصف مدنيين بين العامين 2016 و2018، دمرت عدة سيارات، وربما تسببت
بسقوط مئات الضحايا، موضحا أنه "وفقا لمعايير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
(56\83)، يمكن إثبات تواطؤ فرنسا بعمليات الإعدام غير القانونية هذه"، لكنه لم
يذكر تحديدا عدد الضحايا.
منذ ذلك الحين يقوم حقوقيون مصريون إلى
جانب المنظمتين المذكورتين سابقا، بجهود تقودها المحاميتان الأمريكية هايدي ديكستال،
والفرنسية لويز دوماس، وركزت منذ أيلول/ سبتمبر
2022، على فتح التحقيق في فرنسا مع إمكانية الملاحقة القضائية بموجب مبدأ الولاية القضائية
العالمية.
"تعنت ورفض فرنسي"
وفي حديث سابق مع "عربي21" أوضحت
ديكستال أنه بعد رفض المدعي العام الفرنسي النظر في الشكوى في كانون الأول/ ديسمبر
2022، الأمر الذي أكده ثانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدعوى أن الشكوى غير مشفوعة
بأدلة كافية، ومع استنفاد كافة سبل الانتصاف المحلية في فرنسا؛ تم رفع القضية إلى المحكمة
الأوروبية لحقوق الإنسان، في شباط/ فبراير 2024.
وبينت أن "القضية تسعى خلف الإجراءات
القانونية اللازمة لإجراء تحقيق جدي في فرنسا، ولا تطلب من المحكمة الأوروبية التحقيق
بنفسها في الجرائم والانتهاكات التي تسببت فيها العملية سيرلي".
وأوضحت أن هذا الأمر خارج نطاق قدرة المحكمة
الأوروبية، لكن يمكنها النظر فيما إذا كانت باريس وفرت الظروف اللازمة والفعالة لإجراء
تحقيق كامل، ونظر الشكوى بفرنسا، كما تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وتتضمن الشكوى وجود انتهاكات بموجب الاتفاقية
الأوروبية لحقوق الإنسان، وفق المواد: (2) الخاصة بالحق في الحياة، و(6) المتعلقة بالحق
في محاكمة عادلة، و(13) الخاصة بالحق في الانتصاف، وهي أمور تزعم الشكوى أن فرنسا لم
توفرها فيما يتعلق بالجرائم المرتبطة بسيرلي.
وأعلنت المحكمة الأوروبية في 30 أيلول/
سبتمبر الماضي أنها ستبدأ المرحلة الأولية من الإجراءات من خلال إحالة القضية إلى فرنسا
بسلسلة من الأسئلة، كما أصدرت إشعارا عاما بالقضية بموقعها الإليكتروني، طارحة مجموعة
أسئلة ترى أنها ضرورية، بما يشمل اختصاص فرنسا بالنظر في الجرائم المرتكبة في مصر،
والتزام باريس بالتحقيق في الوفيات المدنية الناتجة عن العملية سيرلي.
وأكدت المحامية ديكستال، أن هذا يعني أن
القضية التي جاءت إثر قتل المئات من المدنيين -وليس الإرهابيين- وتقديم أدلة على هجمات
أدت إلى مقتلهم وجرحهم وتكشف تورط مسؤولين فرنسيين ومصريين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم
تعذيب، وتواطؤ "بدأت تأخذ خطواتها الأولية، وأن فرنسا أصبحت الآن على دراية بالاتهامات،
والأسئلة الأولية التي طرحتها المحكمة، بشأن الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان بموجب
الاتفاقية الأوروبية في هذه القضية".
"تجميل لوجه قبيح"
وفي قراءته لقرار المحكمة الأوروبية بقبول
التحقيق في قضية العملية السرية "سيرلي"، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم
أبوخليل: "رغم حالة التفاؤل، لست مستبشرا بما يحدث، والذي يقول فقط إن حقوق الإنسان
في العالم بخير، وأن المنظمات الحقوقية بخير، لكن الكل يعرف أن القصة كلها تخضع للقرار
السياسي مثل قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بمصر مطلع 2016، ومثل انتهاكات
كثيرة جدا وقعت".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قلل
أبو خليل من أهمية قبول المحكمة الأوروبية للقضية، مؤكدا أنه "لو كان هناك عدل لدى
الاتحاد الأوروبي لفتحوا ملف قتل فرنسا 10 ملايين جزائري، والجماجم بمتحف الطبيعة بباريس،
ومجازر حدثت بالبوسنة والهرسك سربرينتشا بتسعينيات القرن الماضي".
اظهار أخبار متعلقة
وحول أهمية توقيت القرار في ظل تراجع الحديث
عن ملف مصر الحقوقي في عهد السيسي، يعتقد أن قرار المحكمة الأوروبية "تجميل لوجه
قبيح، في النهاية لا يساوي الحبر الذي كُتب عليه، ويبين فقط أن هناك مجتمعا دوليا ومحكمة،
ولكن لا نرى لها أثرا، لأن المجتمع الدولي يفتقد الشفافية والعدل والمساواة، وعنصري
يبغض كل ما هو عربي ومسلم".
"كارثة كبرى.. وعالم غير منصف"
وعن النتائج المرتقبة من قرار المحكمة الأوروبية،
وهل يعني قبول القضية أنه سيحدث إدانة لمصر وفرنسا؟ قال الحقوقي المصري محمد زارع:
"القرار يعيد القضية للسلطات القضائية الفرنسية للتحقيق، فهذا ما تقدر على فعله
المحكمة الأوروبية بأنها تحث السلطات للتحقيق في الشكوى والمزاعم، لأنه في السابق لم
يهتم القضاء الفرنسي بتلك الشكاوى ورأى أنها بغير موضعها فتجاهلها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف:
"كل الاحتمالات واردة؛ والقضاء الفرنسي يحقق بالشكوى وبالنهاية يصل إلى الإدانة
أو يصل إلى العكس، وفي كل الأحوال كانت هناك جولات سابقة ربما كانت أكثر وضوحا في ذلك،
وأظن أن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان كانت فيها، وقدمت شكاوى وحركت قضية، لكن
كل تلك التحركات بلا جدوى وتأخذ في النهاية بعدا إعلاميا".
وفي إجابته على السؤال: هل يمنع ذلك بعض
دول أوروبا وأمريكا من دعم نظام السيسي بمعدات عسكرية أو أجهزة تجسس؟ رأى زراع، أنه
من "المهم أن يتقدم الناس بشكاوى تحاول أن تحجم كم البطش الذي يحدث".
ولفت إلى أنه "بحسب المعلومات الواردة
فآلاف الأشخاص قد يكونون قد فقدوا حياتهم دون ارتكاب جريمة كبيرة، وهم بعض المهربين نتيجة
التعاون الأمني مع المخابرات الفرنسية، وبعض الأشخاص على الحدود تم قصفهم دون التأكد
من أنهم إرهابيون، وللأسف المزاعم تقول إنهم كانوا مجرد مواطنين عاديين وبعضهم يهرب
أشياء مثل السجائر، ما يمثل كارثة كبرى تورطت فيها فرنسا ومصر".
ويرى أن "الحديث عن هذه الأشياء ربما
يكون مفيدا في المستقبل؛ لكن التعاون بهذا الشكل أو الدعم الأعمى غير المبصر بشكل ليس
به أية مراجعة قد يتوقف مع هذه الدول، وهذا مهم بحد ذاته، أما محاولة الإنصاف ومحاسبة
المتورطين الفرنسيين ومن ساعدوا المصريين بالجرائم فالمحكمة يمكنها التعامل مع الجانب
الفرنسي وأظن أنه لن يصل لأشياء كبيرة، وإنصاف كامل، والموضوع إعلامي أكثر منه عدالة".
وأشار إلى أنه "قد يؤثر هذا على الداخل
الفرنسي؛ لأن هناك رأيا عاما يعارض الحرب والتجاوزات، وربما يكون الداخل الفرنسي له تأثير
أكبر، ويحد من التعاون غير المبصر، لكن في النهاية المصالح تغلب، وسيحدث تعاون، وكما
تقول الأحداث الكبرى إن آخر ما يفكر فيه الحكام إلا ما ندر هو حقوق الإنسان".
وأوضح أن "خير دليل ما يحدث في فلسطين؛
فالعالم كله يرى والمنظمات والمحاكم الدولية تشاهد، ومع ذلك المجازر والمذابح والمحارق
سارية، وكل هذا يعطي مؤشرات أننا بعيدون عن العدالة، وهو رأي محبط، ولكن هذا الواقع،
كما أنه في النهاية آراء المحكمة الأوروبية غير ملزمة، هي تحث الدول ومؤسسات العدالة
للقيام بدورها ولكنها لا تجبرهم على الانصياع للتدابير".
وفي رؤيته لاحتمالات أن يحيي ذلك قضايا
أخرى تم تجميدها مثل قضايا فض اعتصام رابعة وقتل الرئيس مرسي، وغيرها من الجرائم، ويؤثر
في المستقبل الحقوقي في مصر، يعتقد زارع، أنه "ربما يكون بشكل جزئي، لكن المصالح
بين الأنظمة الدكتاتورية ومنها المصري قائمة ويتم التعاون مع أوروبا وأمريكا، ومنطقهم
أنه ليس بالضرورة أن من ارتكب جريمة أن تكون هناك محاسبة له".
"خطوة لكشف جرائم أخرى"
وقال الحقوقي المصري أحمد العطار:
"يأتي قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بقبول النظر في القضية ليفضح كم الانتهاكات
والجرائم التي قامت السلطات المصرية بارتكابها بحق أبناء الشعب المصري، بداعي مكافحة
ومحاربة الإرهاب، بداية من سن قوانين وتشريعات سجن على أثرها عشرات الآلاف من المواطنين
أغلبهم من الشباب بتهم (الانضمام إلى جماعة إرهابية)".
المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان،
في حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "تقرير موقع (ديسكلوز) الاستقصائي،
أول من كشف عن عمليات القتل والتصفية خارج إطار القانون التي ارتكبت بحق آلاف الأبرياء
من أبناء القبائل العربية المنتشرة على الحدود (المصرية- الليبية)، والذين يعملون كمهربين
للبضائع والسلع، (وهي جرائم يحاسب عليها القانون المصري بالسجن وليس بالإعدام)".
ويرى العطار، أن "قرار المحكمة الأوروبية
جاء ليسلط الضوء على حجم الجرائم التي ارتكبت تحت غطاء الحرب على الإرهاب ليس فقط بالصحراء
الغربية ليفتح المجال لتحقيقات أخرى عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، في عموم مصر، وخاصة
ما ارتكب بشبه جزيرة سيناء وكان الهدف المعلن حينها محاربة الإرهاب، أيضا".
ويعتقد أن "الأمر ليس متوقفا فقط على
جرائم السلطات المصرية بحق مواطنيها؛ ولكنه يطال أيضا الدولة الفرنسية التي ساعدت وزودت
مصر بالمعلومات اللازمة لارتكاب هذه الجرائم؛ بالرغم من علمها المسبق بعد أشهر قليلة
من أن العملية ليس لها علاقة بمكافحة الإرهاب".
ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية، "رغم
ذلك استمرت لسنوات تمد حكومة مصر بالمعلومات، ليسقط مزيد من الضحايا، وتواصل فرنسا
سلسلة جرائمها التي ارتكبتها بحق أبناء القارة السمراء، كما فعلت مسبقا في مالي وتشاد
وغيرها، من الدول الأفريقية التي قتلت منها الآلاف بالتعاون مع عملائها من قادة هذه
الدول، والهدف المعلن كذلك هو مكافحة ومحاربة الإرهاب".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "علينا أن نتذكر أن فضح هذه
الجرائم وفضح مشاركة فرنسا مصر بها في حد ذاته يعد أولى الخطوات الصحيحة لتحقيق شفاف"،
متوقعا أن "تتوقف التطورات في نظر القضية على مدى قوة الضغط ومواصلته بكافة الأصعدة،
لكشف المزيد من الجرائم التي شاركت بها حكومة مصر مع دول أخرى، تقوم بإمدادها بمعدات
وأسلحة تُستخدم للتعذيب أو التجسس على معارضيها، ومن ثم إرهابهم وحبسهم لسنوات، والتهمة
الانضمام لجماعة إرهابية، وبالرغم من ذلك تستمر في دعمها وإمدادها".
وختم الباحث الحقوقي بالقول: "الحقيقة
إن ما ارتكبته السلطة الحاكمة في مصر من جرائم خلال 12 سنة يدعو من لديه القدرة على
تفعيل مثل هذه القضايا خارجيا لأجل كشف الحقيقة ووقف سياسة ومنهجية الإفلات من العقاب".