تقارير

"قصر الباشا".. آخر القصور المتبقية من آثار غزة القديمة

صورة حديثة لقصر الباشا بعد وصول السلطة الى غزة عام 1994م- (عربي21)
صورة حديثة لقصر الباشا بعد وصول السلطة الى غزة عام 1994م- (عربي21)

يعتبر "قصر الباشا" الذي يقع وسط مدينة غزة النموذج الوحيد المتبقي من القصور في غزة، حيث يمثل معلما تاريخيا وحضاريا وأثريا هاما في المدينة منذ إنشائه في العهد المملوكي قبل أكثر من سبعة قرون.

ويقع القصر، الذي يعتبر قلعةً قديمةً، في شارع الوحدة بمدينة غزة، وله عدة مسميات أشهرها "قصر الباشا"، ولا يُعرف تحديدا متى تم بناؤه، ولكن طريقة تصميم المدخل بالإضافة إلى البناء الداخلي تشيران إلى أنه تم تشييده خلال فترة الحكم المملوكي.

 



ويؤهل موقع قصر الباشا في مدخل البلدة القديمة من مدينة غزة أن يكون مقر القيادة خلال حكم المماليك والعثمانيين لغزة وليكون أشهر المواقع الأثرية حاليا والذي تحول إلى متحف منذ العام 2010م.

وأكد الدكتور حمودة الدهدار مسؤول البلدة القديمة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن قصر الباشا واحد من أهم المعالم الأثرية في قطاع غزة بحكم تاريخه الذي يعود للحقبة المملوكية وموقعه الاستراتيجي على المدخل الرئيسي للبلدة القديمة لمدينة غزة حيث كانت تقام في ساحته معظم المناسبات القديمة.

وأوضح الدهدار في حديثه لـ "عربي21" أن مساحة مبنى القصر هي 500 متر مربع فقط، ولكن المساحة الإجمالية لساحات ومداخل القصر تقدر بـ 6 دونمات.

وأشار إلى أن وزارته أولت أهمية كبرى بهذا القصر منذ تأسيسها عام 1994م بعد أن أهمله الاحتلال خلال فترة حكمه وقامت بتحويله إلى متحف.

وأكد أنه بعدما تعرض القصر لأضرار جراء القصف البريطاني له في الحرب العالمية الثانية أهمله الاحتلال بشكل كبير خلال احتلال غزة لمدة 27 سنة.

 



وأوضح أنه مع دخول السلطة الفلسطينية لغزة عام 1994م فقد تمت دراسة المكان كيف يمكن استغلاله، وتم الاتفاق على تحويله إلى متحف بعد إعادة ترميمه بالكامل على أن يتم ترميمه على مرحلتين، الأولى إعادة ترميمه وصيانته بالكامل، والمرحلة الثانية إعادة تأثيثه وتحويله إلى متحف بحيث يتم جمع كل المقتنيات الأثرية المكتشفة في قطاع غزة التي تعود من قبل الميلاد إلى الفترة العثمانية فيه وذلك بعد فرزها وتصنيفها وحفظها بشكل علمي.

وأكد المسؤول الفلسطيني أن المتحف أتاح فرصة كبيرة لأهالي قطاع غزة لمعرفة تاريخ القطاع حيث يضم بين جنباته الكثير من آثار قطاع غزة، معربا عن أمله في تطويره بشكل كبير.


وقال: "ضمن خططنا المستقبلية للحفاظ على المبنى الأثري نحاول أن يكون المبنى معلما مستقلا ويكون المتحف مجاورا، أي أن تكون الصالة متعددة الأنشطة، وذلك باستخدام الساحات وأن يكون المتحف هو العرض".

وأضاف: "المخطط جاهز ولكن قلة التمويل وحصار غزة يعيقان تنفيذه، وهو ينصب على توسعة المكان وإنشاء مبنى يكون أسفل الأرض عبارة عن صالة انتظار للسياح والزوار والرحلات، تكون نصفها تحت الأرض والنصف الآخر فوق الأرض، وتكون قاعة بنرامية ونقطة انطلاق للمتحف تظهر كل المواقع الأثرية في قطاع غزة وتكون نقطة تأهيلية للمتحف، وتكون مداخل ثانية له غير المدخل الرئيس للقصر حاليا وهو في الناحية الجنوبية".

وأشار إلى أنه من الممكن أن يكون قصر الباشا منطلقا لربط مواقع البلدة القديمة الأثرية ببعضها البعض وذلك لنقل السياح بشكل سلس إلى هذه المواقع والتي تقع في مساحة صغيرة.

وأكد جمال سالم، رئيس الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون والتراث، أن قصر الباشا يتمتع بموقع استراتيجي كونه يقع على تلة عالية وممكن أن يتم الاستفادة منه لتشجيع السياحة في قطاع غزة الذي يعاني من قلتها لأسباب كثيرة منها الحصار والفقر، مشددا على أهمية دور الإعلام في توعية المواطنين للمواقع الأثرية والتاريخية في قطاع غزة ومن أهمها قصر الباشا.

 


وقال سالم لـ "عربي21": "لا يمكن إغفال دور الإعلام في توعية المواطنين بأهمية المواقع الأثرية والحفاظ عليها ويجب أن يكون له دور بارز في ذلك، وعدم الاكتفاء بإيصال المعلومات في البرامج فقط، بل علينا عمل أفلام وثائقية ومسلسلات تاريخية متعلقة بالمناطق الأثرية، لتشجيع المواطنين على زيارة هذه الأماكن".

وأضاف: "الآثار لها قيمة تاريخية عظيمة، وهي قيمة توجد في كل الآثار مهما كانت صغيرة أو كبيرة، مهما كانت ثابتة أو منقولة، فتراث كل قطعة آثار يمتد إلى آلاف السنين، وكلما كان الشيء قديما كانت القيمة المادية لها أكبر، فهناك بعض قطع الآثار التي تحكي لنا عن التاريخ، وبدون هذه الآثار لا يمكننا معرفة أي حدث تاريخي، ولا يمكننا التعرف على شخصيات تاريخية".

وشدد على أهمية المحافظة على الآثار وتطويرها وعدم المساس بها وحمايتها من الضياع والدمار، أو التشوه أو فقد جزء من أجزائها أو اختفاء معالمها.

وقال سالم: "ترك الأثر دون علاجه، وصيانتها والعمل على ترميمه من أي تلف يجعله يتناثر مع مرور السنوات، الأثر دائما في حالة من الصمت، لا يستطيع الأثر أن ينطق ويتحدث عن المعاناة والألم، لذا علينا الاهتمام بالأثر حتى يبقى كما هو ولا يظهر عليه التعب والهلاك وتزيد معاناتهم، ولا نقدر على العلاج لأن الوقت يكون قد مضى".

وأضاف: "للمحافظة على الآثار لابد من نشر الوعي الكافي عن أهمية الآثار وأهمية الحفاظ على تراثنا في المدارس وفي الجامعات وفي الإعلام، ولابد من الاستعانة بأهم المدلولات التراثية لنزرع بداخل الطلاب حب الإيثار وحب المحافظة عليها".

وشدد على أهمية إقامة المعارض وإقامة الندوات التي تعنى، وتهتم بالبحث عن أهمية الآثار وتوعية الشباب عن التراث الشعبي.

وطالب سالم بوضع استراتيجيات وطنية لتعريف الشعوب على التراث، والعمل على زيادة الحرص على حفظ كل المكاسب سواء حضارة أو تاريخ، وتنظيم رحلات مدرسية المتاحف والمعابد والمعارض والأماكن الفنية، والأماكن التي تحتوي على رموز ثقافية، ويطلع الطلاب على التراث.

وقال: "المباني الأثرية جزء من التراث وعلينا تعلم كيفية الحفاظ على المباني الأثرية وتطويرها خلال زيارتها وعدم الكتابة على جدرانها ، والعمل على تأهيلها لاستقبال السياح، ولا بد من تهيئة المكان ليكون واجهة مشرفة من الناحية السياحية.

وطالب سالم بوضع قوانين صارمة تعاقب كل من يعبث في الآثار أو يتاجر بها أو يهربها، وكذلك وضع أمن وحراسة على كل الأماكن التي تحتوي على آثار وتراث، ووضع كاميرات للكشف عن أي شخص يعبث في التراث.

وشدد على ضرورة الاهتمام بالصيانة الدورية للمناطق الأثرية وترميم الآثار، وتدريس مادة ترميم الآثار على يد كبار المتخصصين، لينشأ جيل قادر على حماية الآثار.

ومن جهتها أكدت الباحثة في علم الآثار والتاريخ نريمان خلة أن قصر الباشا يعتبر النموذج الوحيد المتبقي للقصور في غزة، ويمثل في تصميمه ومحتواه المعماري فلسفة وطابع العمارة الإسلامية.

وأوضحت خلة في حديثها لـ "عربي21" أن قصر الباشا يقع في حي الدرج بالجهة الشرقية من البلدة القديمة فيها، وذلك الحي يعد من أغنى أحيائها بالمباني التاريخية تبرز عراقة تاريخ غزة على مر العصور، ويتكون من مبنيين منفصلين, بينهما حديقة, مبنى الإدارة ومبنى المتحف وهو الجزء المخصص لعرض المقتنيات الأثرية, مدخل هذا القصر يقع في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي.

 



وقالت: "لا توجد لوحة تأسيسية تؤرخ لبناء هذا المبنى، ويقال أن بنائه يعود للعمارة الإسلامية المملوكية ودل على ذلك وجود رنك (شعار) الأسد، على المدخل الرئيس للقصر؛ وهو عبارة عن أسدين متقابلين اُتخذ للدلالة على انتصار المسلمين على الخطرين المغولي والصليبي".

وأضافت: "سُمي قصر الباشا بالعديد من التسميات التي عُرف بها خلال مراحل التاريخية مختلفة مرت بها مدينة غزة، فقد أطلق عليه خلال العصر المملوكي (658 ـ 922هـ/1260 ـ 1517م) لقب (مقر نيابة غزة)؛ وهو لقب الذي كان يطلق على حكام الولايات خلال ذلك العصر، أما في العصر العثماني (922 ـ 1341هـ/1517 ـ 1923م) فقد أطلق عليه (قصر الباشا)، و(دار السعادة)، و(قصر أل رضوان)؛ نسبة إلى أسرة أل رضوان الغزية التي حكمت غزة خلال العصر العثماني بين عامي (963 ـ 1101هـ/1556 ـ 1690م)".

وأشارت إلى أن قصر الباشا تعرض للاحتلال من قبل الحملة الفرنسية لبضع أيام أثناء اندحارها مهزومة من مدينة عكا سنة (1213هـ ـ 1799م)، لذلك أطلق عليه العامة تسمية خاطئة باسم (قلعة نابليون).

 وأوضحت خلة أن القصر واصل تأدية وظيفته كمقر لوالي غزة خلال العصر العثماني، حتى مجيء الاحتلال البريطاني لفلسطين سنة (1336هـ/1918م)، حيث تحول القصر إلى مركز لشرطة الاحتلال البريطاني وسُمى (بالديبويا).

وأكدت أنه أثناء حكم الإدارة المصرية لغزة بين عامي (1367-1386هـ/1948-1967م) تم تحويل القصر كمبنى لإدارة  مدرسة الأميرة فريال ـ وهي أخت الملك فاروق ـ، وبعد انتهاء (ثورة 23 تموز (يوليو) 1952م)، تغير اسم المدرسة إلى مدرسة الزهراء الثانوية للبنات ـ تيمناً باسم فاطمة الزهراء ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأشارت إلى أن القصر آل إلى وزارة السياحة والآثار مع قدوم السلطة؛ والتي قامت بترميمه وتوظيفه كمتحف أثري يعرض آثار غزة منذ أقدم العصور وذلك عام 2010م.

 

 

 

 


التعليقات (0)