تقارير

بلدية غزة من كبرى بلديات فلسطين الصامدة أمام التحديات

بلدية غزة واحدة من كبرى وأقدم البلديات الفلسطينية التي تأسست خلال الحقبة العثمانية- (عربي21)
بلدية غزة واحدة من كبرى وأقدم البلديات الفلسطينية التي تأسست خلال الحقبة العثمانية- (عربي21)

تعتبر بلدية غزة واحدة من كبرى وأقدم البلديات الفلسطينية التي تأسست خلال الحقبة العثمانية في القرن التاسع عشر للميلاد، ولعبت دورا مهما في الحياة الفلسطينية، وكان رئيس البلدية يعتبر بمثابة الحاكم الفعلي للمدينة أو العمدة.

وكان لبلدية غزة وعلى مدار العصور والحقب الماضية دور مهم في الحياة الفلسطينية، اختلفت من حقبة لأخرى، حيث كان يعتبر رئيس البلدية بمثابة العمدة أو الحاكم حتى قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م، ليتحول هذا المنصب إلى منصب خدماتي بعيدا عن أي بعد سياسي.

 



ورأس هذه البلدية منذ تأسيسها عام 1893م من قبل الدولة العثمانية 25 شخصية فلسطينية مرموقة على فترات مختلفة عرف منهم: مصطفى العلمي، سعيد الشوا، محمود أبو خضرا، عمر الصوراني، فهمي الحسيني، راغب العلمي، عمر صوان، عبد الرازق فليبو، رشدي الشوا، منير الريس، رشاد الشوا، ماجد أبو رمضان، عون الشوا، رفيق مكي، نزار حجازي، يحيى السراج.

وأكد الدكتور يحيى السرّاج رئيس المجلس البلدي الحالي، أن مدينة غزة هي مدينة قديمة وعريقة وعتيقة، بدأت فيها الأنشطة المدنية منذ قدم الزمان.

وقال السرّاج لـ"عربي21": "مدينة غزة فيها آثار الكثير من الحضارات الماضية القديمة والعريقة، ولعل كل شبر من المدينة يوجد فيه آثار لحضارة قديمة".

وأضاف: "نحن نفتخر كوننا من سكان مدينة غزة، والمجلس البلدي الحالي كونه حريصا على رعاية التراث الفلسطيني وعلى نمو وتطور هذه المدينة ويفخر بإرثها وتاريخها من رؤساء البلديات العظماء السابقين الذين بذلوا جهدا كبيرا في تطوير هذه المدينة".

 



وأوضح أن مدينة غزة هي كبرى المدن الفلسطينية بالنسبة لعدد السكان وتميزت بصراعها المستمر وتحديداتها الكبيرة، مؤكدا أنه على رغم من كل التحديات التي تواجه غزة فإنها لا تستسلم وتقاوم وتنفض من تحت الرماد وتعود بقوة أكبر واندفاع أقوى، لا تتنازل عن أهدافها ولا تتنازل عن طموحاتها ودائما تأمل بوجود المستقل المشرق والأمل المقبل.

وتطرق السرّاج لوضع بلدية غزة في العهد الأخير منها منذ قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م، قائلا: "هذه الفترة التي تتحدث عنها منذ العام 1994 حتى اليوم فترة شائكة وفيها تناقضات مختلفة تميزت بتحقيق عدة أهداف على الأرض لعل من أهمها الحرية المقيدة نوعا ما في قطاع غزة".

وأضاف: "القوة التي عاصرت فيها المدينة خلال هذه الفترة وسط حروب قاسية وقاهرة تؤكد على أن ضخامة هذه الحروب وقوتها لم تفت في عضد المواطن الفلسطيني رغم الانقسامات والخلافات الموجودة، ولكن في لحظات المحنة يتحد الشعب الفلسطيني ويبدأ في التخطيط للمستقبل وتناسي الجراح والتحديدات والخلافات البنية".

وتابع: "الفترة عصيبة وما زلنا نعيش تداعياتها، ولكن الأمل في المستقبل لا ينتهي ونحن الآن على أعتاب مبادرة جديدة ونأمل أن تكون هناك انتخابات تحقق لنا شيئا من اللحمة والوطنية وأن يكون اتحادنا نحو نمو وتطوير ورفاهية الشعب الفلسطيني".

وأشار رئيس بلدية غزة إلى أنه منذ أن تولى منصب رئيس البلدية في آب/ أغسطس من عام 2019م أخذ على عاتقه خدمة كافة شرائح المجتمع بشكل عام وخاص في تشجيع الاهتمام بحقوق الفئات الضعيفة والمهمشة، واحترام حقوق الإنسان. 

وأوضح أن أهداف المجلس البلدي تتمثل في 4 محاور رئيسة، وهي: ترتيب البيت الداخلي، تفعيل وتطوير مراكز البلدية الثقافية، تسهيل الإجراءات على المواطنين، الاستثمار وتنمية أملاك البلدية.

وأكد رئيس البلدية على أنه يحرص على تعزيز سياسات مهمة في التعامل مع الجمهور، لإرساء وتعزيز المساءلة الاجتماعية في البلدية، وتعزيز سياسات الشفافية والمشاركة المجتمعية في عملية صنع القرار وتنفيذه، وجسر الهوة بين المجتمع والبلدية عبر العديد من الآليات.

وقال السرّاج: "لدى المجلس البلدي الحالي الرغبة والدافعية للنهوض بواقع مدينة غزة وبلديتها لتصبح البيت الحاضن للجميع".

وأضاف: "يعمل المجلس البلدي على تحديد السياسات التي تحكم عمل البلدية، ويوفر الإشراف والمساءلة من خلال لجان متخصصة للمجلس إلى جانب الاجتماعات الدورية مع كوادر البلدي".

وأكد الباحث الدكتور ناصر الصويّر مؤلف كتاب "المجالس البلدية الفلسطينية" أن بلدية غزة أنشئت في العهد العثماني عام 1893م، وكان أول رئيس مجلس بلدي في مدينة غزة الحاج مصطفى العلمي.

 



وأشار الصوير في حديثه لـ "عربي21" إلى أن آخر من تولى رئاسة المجلس في العهد العثماني سعيد الشوا، الذي أنجز المستشفى البلدي الذي أصبح فيما بعد مقرا لبلدية غزة في الوقت الحالي والذي يقع في ميدان فلسطين وسط  المدينة.

وقال: "توالت على مدينة غزة عدة مجالس بلدية بدأت في عهد الدولة العثمانية في عام 1893م ومروراً بفترة الانتداب البريطاني (1918ـ 1948)، ثم الإدارة المصرية للقطاع (1948ـ 1967)، ومن بعدها الاحتلال الإسرائيلي (1967ـ 1994)، ثم عهد السلطة الفلسطينية (1994ـ 2007)، ثم الفترة التي حكمت فيها حركة حماس (من 2007 وحتى يومنا هذا).

وأوضح أن محمود أبو خضرا كان أول رئيس بلدية في العهد البريطاني وظل فيها ما بين عامي 1918 و1924م.

وشدد الصويّر على أن المجلس البلدي تحول في العهد البريطاني إلى مجلس تابع للسلطات، لا يستطيع أن يجابه إرادة الانتداب، وأن يستقل بالبلدية كمؤسسة محلية وطنية مستقلة وظلت التبعية قائمة، بسبب ما فرضته سلطة الانتداب من قوانين مقيدة لأي خطوة من شأنها تحقيق أي استقلالية للبلديات عن جسم الانتداب.

ويعتبر عبد الرزاق فليبو أول رئيس بلدية بعد تولي الإدارة المصرية شؤون قطاع غزة عام 1948م.

وقال الصوير: "حينما احتلت إسرائيل قطاع غزة كان راغب العلمي هو رئيس البلدية، خلفه رشاد الشوا الذي اغتيل في عام 1988م برصاص مسلحين مجهولين".

وأضاف: "عند قدوم السلطة إلى قطاع غزة عام 1994م عينت عون الشوا رئيسا لبلدية غزة، والذي بقي فيها عدة سنوات إلى أن خلفه الدكتور ماجد أبو رمضان عام 2005.

 


وأشار إلى أنه بعد عام من سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة وتحديدا في عام 2008م تم تعيين رفيق مكي رئيسا للبلدية وقد بقي فيها إلى العام 2014، حيث تم تعين نزار حجازي خلفا له والذي استمر حتى العام 2019، ليتولى الدكتور يحيى السراج حاليا رئاسة البلدية ولا يزال على رأس عمله.

ومن جهته قال أستاذ التاريخ الدكتور غسان الشامي: "إن فلسطين شهدت خلال القرن التاسع عشر وهو القرن الأخير من عمر الإمبراطورية العثمانية تحولات جذرية، شملت مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد بدأت الدولة العثمانية سياسة الإصلاحات في كل الولايات وكان لسياسة التحديث على النمط الأوروبي بالغ الأثر في نمط الإدارة ومؤسسات الحكم القائمة في فلسطين". 

 


وأضاف الشامي لـ"عربي21": "يعتبر قانون البلديات لعام 1877م، الأساس التنظيمي لتركيبة المجالس البلدية والبلديات في العهد العثماني، وقد منح هذا القانون البلديات صلاحيات تنفيذية متعددة الجوانب، وأوكل إليها مهام خدمية واسعة جميعها تصب في مجرى حياة السكان داخل حدود منطقة البلدية؛ ولكنه بالمقابل شدد على وجوب عدم تجاوز مصروفات البلدية الذاتية عُشر وارداتها، ما يؤكد أن السلطة المركزية أرادات ضمان الاكتفاء الذاتي للبلديات، وإغلاق المجال أمام توقع إمدادها بمساعدة مالية".

وأوضح أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر توالى إنشاء البلديات الفلسطينية تباعاً تنفيذاً لسياسة الإصلاح الإداري التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية منذ ذلك الحين.

وأشار أستاذ التاريخ إلى أن بلدية غزة أنشئت عام 1893م بعد 30 عاما من إنشاء بلدية القدس، وذلك بفرمان خاص من السلطان العثماني، قبل صدور قانون البلديات العثماني.

وقال الشامي: "لقد ترك العثمانيون فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وفيها 21 مجلساً بلدياً هي: (عكا، حيفا، شفا عمرو، صفد، الناصرة، طبريا، بيسان، طولكرم، نابلس، جنين، القدس، رام الله، اللد، الرملة، الخليل، بيت جالا، بيت لحم، بئر السبع، عسقلان، خانيونس، وغزة).. أي إنه لم تكن هناك بلدية يهودية واحدة وهو ما يؤكد قلة عدد اليهود في فلسطين قبل إعلان وعد بلفور وسقوط الإمبراطورية العثمانية".

وأشار إلى أن بلدية غزة كانت واحدة من أقوى البلديات في فلسطين وأن فهمي الحسيني ومنير الريس وراغب العلمي ورشاد الشوا، كانوا من أقوى الرؤساء الذي قادوا البلدية وكان كل منهم يعتبر بمثابة العمدة لغزة وفي عهدهم تم إنشاء العديد من المنشآت الحيوية منها مقر بلدية غزة الحالي ومتنزه البلدية في شارع عمر المختار.

وشدد الشامي على أن بلدية غزة كانت واحدة من أغنى البلديات الفلسطينية، وكانت تقرض بلدية عسقلان وبئر السبع نظرا للموارد التي كانت لديها من التجار الفلسطينيين، وكانت تشتهر بالتجارة بحكم موقعها الجغرافي.

 

 

 


التعليقات (0)