قضايا وآراء

موقف المعارضة المصرية من تقارب القاهرة وأنقرة.. الخطأ الاستراتيجي

ياسر عبد العزيز
1300x600
1300x600
الجدل حول القرار التركي بشأن المعارضة المصرية

منذ أيام لا تتوقف الاستفسارات والتساؤلات عما يحدث وما سيحدث، بعد القرار التركي بفتح أفق تطبيع العلاقات مع القاهرة، ومن ثم عن مصير المعارضة المصرية التي اتخذت من تركيا مقراً لها.

وقد ظهرت بوادر تقارب بين القاهرة وأنقرة، على إثر تثمين تركيا لموقف النظام المصري من رفض المساس بالحدود البحرية لتركيا وعدم الرضوخ لرغبات اليونان وضغوط الكيان الصهيوني في هذا الملف. وإن كان هذا الموقف هو ما فتح باب التقارب، لكن الإشارات كانت ترسل منذ أشهر، غالبها كان من الجانب التركي سواء على مستوى وزير الخارجية أو المتحدث باسم الرئاسة أو من الرئيس التركي نفسه، وهو ما كتبت عنه في حينها مقالا عنونته بـ"هل بات على المعارضة المصرية أن تحمل حقائبها وترحل عن تركيا؟!"، استشرفنا فيه المواقف في ظل هذه الإشارات، وطرحنا حلولا وبدائل على المعارضة أن تعمل على تعظيم النظر فيها، مع تغافل موقف مبادئي للدولة التركية. وهنا أنا أتحدث عن الدولة لا الإدارة، ومواقفها المبادئية المتمثلة في عدم تسليم من لاذ بها، منذ العصر العثماني وحتى يوم الناس هذا.

ولما كان الكل يدعي وصلا بليلى، فقد فُتح باب التخمينات والادعاءات، وأدلى كل بدلوه حتى أن أحدهم كان يرد على أسئلة المتهافتين وكأن القرار بيده، من غلق قنوات أو ترحيل قيادات أو حتى إبعادهم، ولما كان القرار هو قرار دولة، فلم يكن مقبولا أن نسمع إلا من الدولة، ولأن الأمر حتى الآن لم يخرج على شكل قرار، فإن كل ما قيل ويقال عبارة عن تكهنات، اللهم إلا تلك المناقشات المقبولة ممن صدره الطرف التركي ليكون همزة وصل بين الإدارة التركية والإعلام المصري في تركيا تحديدا، وهو ما نتج عنه عدة مقابلات ولقاءات إعلامية كانت خلاصتها، والرجل في مساحة تسمح له بنقل وجهة نظر الإدارة، أن أعيدوا النظر في السياسة التحريرية وصيغة خطاب إعلامكم، نقطة ومن أول السطر، مع العلم أن تركيا دولة قانون وحريات والطلب كان وديا.

المقاومة المصرية والفرص الضائعة

وأول السطر هذا، يحيلنا إلى الفرص الضائعة من المقاومة السلمية المصرية، ودعوني هنا أسميها بالمصطلح الذي اخترت في أدبياتي: المقاومة السلمية المصرية. وهنا علينا أن نقسم تلك المقاومة في تركيا إلى إخوان مسلمين وجماعة إسلامية وثلة من المقاومة المدنية غير المحسوبة على الفصيلين السابقين، وقطاع واسع من المقاومة السلمية غير المحسوب على كل من سبق ذكرهم. وعندما نتحدث عن المقاومة، فإننا نتحدث عن الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما وتصدرا وتوغلا في الشارع المصري والعالم: الإخوان المسلمون؛ الذين فتحوا الباب أمام الاجتهادات عندما غابت اجتهاداتهم والأطروحات عندما تأخرت أطروحاتهم، بين منسحب لبناء رؤيته، وبين منخرط لسحب الرؤية.

لقد كانت السنوات السبع الماضية مقسمة بين فترة الزخم الثوري والممتدة من الدعوة إلى تظاهرات الثلاثين من حزيران/ يونيو عام 2013 إلى أواخر عام 2015، ثم التحول غير المبرر، والذي يعرف تبريره البعض، لسحب الحراك والتحول في الخطاب وخفض سقف المطالب، وتحول الحراك من الحراك المقاوم للانقلاب إلى حراك حقوقي مغلف بصبغة ثورية، تصاعدت خلاله دعوات بالاستسلام. وكلما زاد البطش أو أحبط حراك شعبي عفوي أضيف إلى رصيد المعتقلات مزيدا من الأحرار.

اليوم وبعد أن بات التقارب بين أنقرة والقاهرة قريبا، وقدمت في ذلك بوادر حسن النوايا، بطلب التهدئة من المقاومة المصرية في تركيا وإفراج النظام المصري عن التركي المحتجز في القاهرة منذ سنوات، عاد أصحاب طرح الاستسلام للواجهة، ولأن المرجفين يصطادون الضعفاء، بات لهم صدى من قرع الفخار. هذا الطرح كان على مر السنوات الخمس الماضية أو يزيد لكن بأشكال مختلفة، ولقد لعب دور "نُعيم" (في غزوة الأحزاب) في صف المقاومة أشخاص كثر في تلك الفترة، وسيتعاظم هذا الدور طالما أننا لا نعرف قواعد اللعبة، وطالما أننا نخسر استراتيجيا ونعمل على المستوى التكتيكي، وطالما ظللنا ندور في حلقة الاصطفاف المفرغة، لكن أهم خسارة في هذا السياق هي تصميم الإخوان على الحفاظ على الجماعة وتقليل الخسائر، وهذا حقهم، لكن الجيوش أسست لتدافع لا لتستعرض زيها وعتادها، وعلى نفس درجة الأهمية تصميمهم أن يكونوا في الصف الخلفي وترك الصدارة لغيرهم مع الدفع من الخلف، ما حول المقاومة السلمية إلى معارضة وهو ما يراد لها من "نُعيم" الوظيفي. لكن السؤال المفصلي سواء "لنُعيم" أو للإخوان: هل سيقبلكم النظام في القاهرة أن تكونوا معارضة؟

الخطأ الاستراتيجي

على الرغم من أنه لا يوجد قرار تركي بخصوص المقاومة/ المعارضة السلمية المصرية، فإن التنبيه على أن وجود قرار مثل ذلك في المستقبل، وهو ما يمكن أن يلعب عليه النظام المصري في المستقبل، سيكون خطأ استراتيجيا بامتياز، وذلك في حال ما إذا تحولت المقاومة/ المعارضة السلمية في خياراتها إلى مساحات الفاعلية المنجزة.

لدى المقاومة السلمية المصرية سنتان هما فترة الإدارة التركية قبل انتخابات 2023، وهما عامان مهمان يزيد من أهميتهما وجود جو بايدن في البيت الأبيض، وخطابه المفتوح نحو ترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، من جهة، وتمسك تركيا بقيم الحرية والديمقراطية في إطار محددات الأمن القومي التركي، من جهة أخرى.

وعندما يُوضع في الاعتبار ذلك البيان الموقع من 31 دولة التي أدانت فيه الانتهاكات الحقوقية في مصر، فإن مساحات العمل متاحة، وكسب أوراق ضغط على المحافل الدولية، وإعادة ترتيب الخطاب الإعلامي بما يحقق أهداف الثورة وبما لا يتخطى مساحات تقاطع المصالح التركية مع النظام، فإن المعارضة يمكنها أن تكون رقما في معادلة العلاقة بين القاهرة وأنقرة، وهو ما ترغب فيه الأخيرة بلا شك، أو أي دولة تحتضن أي معارضة، وبما أن المقاومة السلمية المصرية لم تفقد الهدف الاستراتيجي، ولو حاول البعض (نُعيم) إيهامنا بذلك، فإن الخطط الاستراتيجية والتشغيلية لكل مرحلة مفتوحة لكل فصيل لو صدق النية، فالكل يعرفون طريقهم، والتعويل على الآخر ما هو إلا تكاسل سيحاسب عليه التاريخ، والشعب من قبله.

إن الحديث عن أن المعارضة/ المقاومة السلمية لا يمكن أن تكون من الخارج هو حديث ينافي العلوم السياسية والتاريخ، ويروج له من المختصين للأسف ومن غيرهم، من أجل بث روح الهزيمة وإيجاد مبرر لضعف النتائج وصولا لإسكات المعارضة. ولعل نموذج الجنرال شارل ديجول بعد اجتياح الألمان لفرنسا في الحرب العالمية الثانية وهروبه إلى الجزائر ليعيد أوراقه ويخوض حرب التحرير؛ قد يخرس هذه الأصوات، لأن الحديث عن تجربة الخميني وثورته في إيران غالبا ما كان يرد عليه بأن هذه غير تلك، وإن كانت هذه مثل أختها ولكن الأمر يتوقف على من يرى.

المعارضة/ المقاومة المصرية لا تحتاج إلا أن تفتح الباب للإبداع، ما يعني فرصة أكبر للشباب وضخ دماء جديدة في قيادة المرحلة، فالبدائل متاحة ومساحة المناورة ممكنة، لكن أزمتنا الحقيقية في فتح المسارات لتلافي الصدمات وخلق فرص للاختراق وتحقيق النتائج.
التعليقات (0)