الاستثمار في تغيير العقيدة والهوية مهمة إماراتية بدوافع ذاتية أو تنسيق وتكليف صهيوني، بهدف كسر الجدار العازل بين الشعب
المصري وبين التطبيع الاجتماعي والثقافي المعطل مع الصهاينة منذ أكثر من 40 عاما، فهل أنهى محمد بن زايد هذه الوظيفة في
الإمارات العربية لينتقل بها إلى دول أخرى، خاصة مصر وحكومتها التابعة قسرا للقرار والتمويل الإماراتي؟!
الإمارات ترتب لاختراق
التعليم المصري خاصة ما قبل الجامعي، والذي يحوي قرابة 23 مليونا من التلاميذ و55 ألف مدرسة وقرابة مليون ونصف المليون من العاملين في مجالات العمل التعليمية والادارية والخدمية المختلفة. مؤسسة التعليم في مصر تقدر بعشرة أضعاف دولة الإمارات وما تملكه من مليارات.
شواهد المخطط الإماراتي تظهر من خلال تغلغل النفوذ الإماراتي في قطاع التعليم المصري، سواء من حيث حجم الاستثمار أو أهدافه ومردوداته، وفي عمليات إنشاء وإدارة المدارس الدولية والخاصة، وكذلك قطاع الخدمات المرتبطة بها كالبرمجيات والكتب والمواد التعليمية وعمليات نقل الطلاب، والاعتبارات الحاكمة لهذا التغلغل (موسوعة جيمس الإمارتية للتعليم نموذجا).
تتفيذ المخطط الإماراتي ليس سهلا، لاعتبارات أكبر من الإمارات، دولة وسلطة وإمكانات. هناك تحديات ضخمة أمام الدولة المصرية نفسها لو أرادت تنفيذ ذلك، فما بالك بدولة صغيرة؟ بالفعل حاولت مصر في عهد مبارك على مدار قرابة 15 عاما، هي فترة وزارة الدكتور حسين كامل بهاء الدين ابن مدرسة الاشتراكية الثورية والتنظيم الطليعي الناصري، تنفيذ مخطط تعديل الثقافة وتغيير
الهوية وتبديل العقيدة، عقيدة شعب وفيمن يعادي أو يسالم، لكنها فشلت كما كان متوقعا لها، رغم سقف الإمكانات المتاحة بلا حدود على المستوي الفني والإعلامي والتنفيذي والمالي والأمني والثقافي وغير ذلك.
وزارة حسين كامل بهاء الدين غيرت المناهج، فتم حذف الآيات والأحاديث وسير الصحابة والأبطال التاريخيين، وكل ما يتصل باليهود والجهاد عموما، وتم إبعاد المعلمين أصحاب التوجهات الإسلامية والوطنية إلى الأعمال الإدارية بعيدا عن التعليم والتربية، وتم إبعاد خبراء التعليم في المراكز التربوية ومراكز المناهج واستخدام فرق عمل أخرى محسوبة على الفكر الأمريكي، وتم إرسال مئات المعلمين المحسوبين على تيار الوزير لبعثات في الخارج، إعدادا لما يسمى الكتلة الحرجة في إدارة التعليم، وإضافة مادة القيم والأخلاق تمهيدا لإلغاء مادة التربية الدينية، فماذا كانت النتائج والتداعيات؟
فشل يعقبه فشل، فلا تعليم ولا تربية ولا ثقافة.. فرغت المدارس من الطلاب وازدحمت مراكز الدروس الخصوصية، وزاد الإرهاق المادي على ملايين الأسر المصرية غير القادرة.. تمت مقاطعة الكتاب المدرسي الذي يكلف ميزانية الدولة مليارات، وتم الإقبال على الكتب الخاصة الخارحية ومذكرات الدروس الخصوصية. وزاد التسرب من التعليم وزيادة الأمية داخل مؤسسة التعليم نفسها، حين بلغت 30 في المئة من إجمالي تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي التي استهدفها الوزير بمخططه السابق. ومن الطريف أن غالبية المعلمين المبتعثين للخارج لتكوين الكتلة الحرجة ورأس حربة مشروع الوزير؛ هربوا في بلدان الغرب ولم يعودوا إلى مصر، وكان السفر فرصتهم للهروب من مصر إلى بريطانيا وأمريكا وفرنسا، وتحولت الكتلة الحرجة إلى مشهد وموقف حرج للوزير ومشروعه.
النتيجة النهائية كانت المزيد من الفشل في التعليم لانصراف الوزارة عنه لمهام سياسية أخرى، فضلا عن العقبات والتحديات التي يعانيها التعليم أصلا، وفشل مخطط الوزير لعدة أسباب مجتمعية وعقيدية وثقافية وشعبية، فضلا عن نمط الفشل العام في منصات الإدارة وفي مختلف المجالات.
ورداء على ذلك، جاء المشروع العملاق لبعض خبراء التربية والاجتماع والذي حمل عنوان "المؤامرة على التعليم المصري"، مشروع قاده الدكتور جمال عبد الهادي المؤرخ الإسلامي والأستاذ على لبن، الخبير التربوي، بالتعاون مع عدد كبير من العاملين في مجال التعليم، وصدرت عدة مجلدات توثق مخطط الوزير والوزارة وفرق العمل الداعمة.
والذي لا يعرفه البعض، خاصة أصحاب الموقف السلبي من المؤسسة العسكرية بسبب انقلاب السيسي على الحكم المدني، أن العقيدة العامة داخل المؤسسة العسكرية هي "إسرائيل العدو ولا شأن لنا بتصريحات الساسة"؛ حقيقة حجبها الغبار الكثيف الذي غطى المشهد نتيجة الإنقسام المجتمعي المتزامن مع ثورة يناير وما بعدها.
لا أتساءل ولن أتساءل هل سينجح مخطط الإمارات، فبكل يقين لن ينجح. الإمارات تجيد التآمر والإنفاق وتجيد أيضا الفشل والإخفاق، وشعب مصر، بعيدا عن نظام الحكم، صاحب تجارب رائعة في الحفاظ على لغته ودينه وثقافته وهويته.. حفظك الله يا مصر.