هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت شبكة
"سي إن إن" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الأحداث الأخيرة التي جرت في
فرنسا بعد نشر أحد المدرسين رسوما تسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والدعم
الحكومي له، وردود فعل فرنسيين على ذلك.
وقالت الشبكة إنه
"للمرة الثانية وفي غضون عدة أسابيع، تعاني فرنسا من هجوم وصفته بالوحشي
واتهمت فيه السلطات ما أسمته "الإرهاب الإسلامي".
وأضافت:
"عملية القتل في كنيسة مدينة نيس الفرنسية جاءت عقب مقتل صمويل باتي، وهو
المدرس الذي تم قطع رأسه بعد عرضه لرسوم كاريكاتورية، نُشرت في مجلة شارلي إيبدو
والتي تسخر من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أمام طلاب صفه.
وقالت رانيا، وهي
طالبة في باريس تبلغ من العمر 22 عاما: "بالطبع هذه الرسوم الكاريكاتورية
تزعجني لكنني لا أعيرها اهتماما، أعتقد أنه لا يوجد ما يبرر القتل، أنا أؤمن بالله
وأعتقد أن الأمر لا يعود لي لسن القانون".
الهجمات الأخيرة
تعد بمثابة تذكير بالتوترات في المجتمع العلماني الفرنسي، الذي كثيراً ما يمجد قيم
حرية التعبير وحرية ممارسة الدين.
ويعيش في فرنسا
ما يقرب من 5 ملايين مسلم، وغالبهم يعيشون في مناطق فقيرة وهم مهمشون سياسيا
وإعلاميا. ويقول الخبراء إن الغالبية العظمى من مسلمي فرنسا لا يؤيدون
"التطرف الإسلامي"، لكنهم غالباً ما يواجهون قوالب نمطية غير عادلة.
اقرأ أيضا: فشل فرنسا ونجاح نيوزيلندا في ملف الأقليات
وتقول ميريام
فرانسوا، وهي باحثة مشاركة في مركز الدراسات الإسلامية SOAS: "أعتقد أن هناك محاولة لأسلمة الفقر في
فرنسا من قبل اليمين المتطرف، ما جعل الناس ينظرون إلى الجريمة في الضواحي على
أنها مشكلة إسلامية وليست مشكلة اجتماعية واقتصادية".
وتقول "سي
إن إن": حقيقة أن هناك خطابا معاديا للمسلمين في البلاد ليس بالأمر الجديد،
خاصة أنه في انتخابات فرنسا عام 2017 والتي كانت بين الرئيس الحالي إيمانويل
ماكرون ومارين لوبان التي قادت الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينة المتطرفة، كان
هناك أكثر من 10 ملايين ناخب فرنسي صوتوا للوبان، وهي مرشحة مناهضة للهجرة ادعت أن
فرنسا "تتعرض للهجوم من قبل الإسلام المتطرف".
ودفعت شعبية
لوبان المتزايدة بشأن المخاوف حول الإسلام إلى إحداث قوانين جديدة ومثيرة للجدل
عام 2010 حيث تم حظر ارتداء النقاب والبرقع للمسلمات في الأماكن العامة.
المواقف اليمينية
المتطرفة وتقاليد العلمانية المتأصلة في فرنسا قد تلعب دوراً في قرارات الشخصيات
العامة في وسائل الإعلام الفرنسية وفي سياستهم ما أدى إلى انتقاد الإسلام بطرق
ساخرة في بعض الأحيان.
وقال أوريلين
موندون وهو متخصص في الشعبوية اليمينية من جامعة باث: "تمتلك فرنسا تاريخاً
حافلاً من الإعلام الساخر، في السنوات الأخيرة بدأت بالضرب في الأمور التي تتعلق
بالمسلمين. عندما تقوم بذلك في بلد يوجد فيه كراهية إسلامية هيكلية، فإنك تشكل خطرا حقيقيا يتمثل في خلق المزيد من وصمة العار والإقصاء".
ويعتقد موندون
أن البعض يسيء تفسير مبدأ فرنسا التاريخي للعلمانية حيث "نص قانون 1905، الذي
فصل الكنيسة عن الدولة، بأنك ستواجه عقوبات إذا أرغمت شخصاً ما على اتباع دين
معين، وبالمثل إذا منعت شخصاً ما من اتباع دينه، لكن الآن وفي ظل فرنسا الحديثة ما
نراه يتنافى مع القانون خاصة مع إجبار النساء والفتيات على خلع حجابهن
وبراقعهن".
ويقول سيدي با،
وهو طالب قانون مقيم في باريس: "إن مناخ الإسلاموفوبيا يدفعني إلى التفكير في
موقفي كمسلم يعيش في فرنسا، وأنا أفكر في بدائل إذا استمر الوضع في التدهور".
لدى فرنسا تقليد
طويل يفخرون به في حرية التعبير، ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لمهاجمة رسامي
الكاريكاتير أو الصحفيين بسبب ما يقولونه أو يرسمونه. لكن بعد هجمات شارلي إيبدو أشار
العديد من الفرنسيين إلى دعمهم الكامل لممارسة الصحيفة لحرية التعبير.
وتقول ميريام فرانسوا إن خطاب الكراهية لا ينبغي اعتباره جزءاً لا يتجزأ من الهوية الفرنسية، مضيفة أن "من الممكن أن تشعر بالغضب من جرائم القتل التي حدثت، مع الاعتقاد بأن ما
تفعله شارلي إيبدو هو أمر مسيء".
وأضافت:
"المشكلة بالنسبة لفرنسا هي عندما يبدأ الناس بالتظاهر بأن حق شارلي إيبدو في
الإساءة هو مقياس للهوية الوطنية، ما يحجب وجهات النظر ويشير ضمنياً إلى أنك إذا
لم تدعم شارلي إيبدو فأنت لست فرنسياً".
اقرأ أيضا: لم يعتذر.. ماكرون: أتفهم مشاعر المسلمين
وتصبح الأمور
أكثر فوضوية عندما تدعم الدولة جانباً معيناً. حيث أيد الرئيس الفرنسي ماكرون
علناً حق شارلي إيبدو في نشر ما تريد. كما أنه تم عرض رسوم مسيئة على المباني العامة
في تولوز ومونبلييه، وكلاهما يضم عدداً كبيراً من السكان المسلمين.
وتقول ليلى التي
تدرس في باريس: "قرار ماكرون بدعم الرسوم الكاريكاتيرية لا يبدو حكيماً، بل
على العكس زاد من حدة الانقسام… حقيقة أن الحكومة تدعم شارلي إيبدو ترسل رسالة
لمسلمي فرنسا والعالم بأننا نستطيع أن لا نحترم دينكم".
خطاب ماكرون
استفز زعماء العالم الإسلامي، حيث قام الرئيس التركي أردوغان باتهام ماكرون
بالتمييز ضد المسلمين، وتساءل عن ما إذا كان ماكرون بحاجة إلى "نوع من العلاج
النفسي" وشجع على مقاطعة عالمية للبضائع الفرنسية، واتهم رئيس الوزراء
الباكستاني عمران خان، ماكرون بمهاجمة الإسلام.
المشكلة الحالية
التي تواجهها فرنسا تبدو كارثية، فمن ناحية تعد حرية التعبير -حتى الحق في الإساءة- حجر الزاوية للمجتمع الفرنسي. ومن ناحية أخرى عندما تؤيد الدولة تعبيرات الرأي
الفظة والاستفزازية والبغيضة، فإنها تخاطر بتشجيع التحيز ضد غالبية مسلمي فرنسا،
الذين ليسوا متطرفين ولا يدعمون الإرهاب.
ويقول موندون: "إذا
لم نبدأ بمناقشة القضايا المجتمعية التي تواجه فرنسا، فإننا سنسمح بمواجهة حادة
طرفاها المسلمون والفرنسيون، وهذا النوع من الانقسام هو ما يريده الإرهابيون
بالضبط".