هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل
إيست آي" مقالا للكاتبة ميريام فروانسوا حول حادثة مقتل المعلم الفرنسي
صامويل باتي، مؤكدة أن نشوء التطرف غير متصل بأيديولوجيا ودين محددين، بل يرجع إلى أسباب اجتماعية.
وناقشت الكاتبة
الظروف التي يعيش فيها المسلمون بفرنسا، معتبرة أنها ظروف قائمة على التمييز ويرافقها "انعدام الأمن وتفشي البطالة والفقر في صفوفهم".
وإزاء جريمة
مقتل باتي، ترى الكاتبة أن أهم درس يستخلص حول حرية التعبير هو "أن يتمكن كل
من في المجتمع من التعبير، والأهم من ذلك أن يُسمع صوته.."، على قاعدة "المساواة
بين جميع المواطنين".
وتاليا نص المقال كاملا كما ترجمته
"عربي21":
بالنسبة
للمسلمين في فرنسا، لا يتعلق "حق حرية التعبير" برفاهية الإساءة للآخر،
وإنما بالحق في أن تُسمع عندما يتعلق الأمر بانعدام الأمن والبطالة والتمييز
والفقر.
صدمت فرنسا عن
بكرة أبيها بجريمة قتل صمويل باتي، المعلم والأب الفرنسي البالغ من العمر 47
عاماً، على يد ما يبدو أنه متطرف مسلم.
بالنسبة
لأصدقائه وعائلته، يعتبر موت باتي خسارة كبرى. أما بالنسبة للبلد ككل، فيمثل ذلك
صدمة جديدة تحفر لنفسها أخدوداً في الضمير الشعبي تتصادف مع بدء محاكمة مهاجمي تشارلي
إيبدو، وتأتي لتذكر بأن الجراح القديمة مازالت بعيدة عن البرء.
يُزعم أن
عبد الله أنزوروف، البالغ من العمر 18 عاماً، وانطلاقاً من سخطه على قرار المعلم
المقتول في حصة عن حرية التعبير عرض رسومات للنبي محمد وهو عار، حول ما بدأ حملة
احتجاج يقوم بها والد أحد الطلاب منفرداً إلى حمام من الدم.
اقرأ أيضا: هذه هي الدول التي أدانت الرسوم المسيئة للنبي محمد
منذ مقتل باتي
يوم الجمعة، تجمع الآلاف نصرة لحرية التعبير، وقد وحدهم الاعتقاد الراسخ بأن هذا
المكون الأساسي من مكونات الهوية الفرنسية بات مهدداً. تعهد الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون بأن "الخوف سيبدل المواقع"، وهو قسم ينذر بالشؤم – يشبه
كثيراً الخطاب الذي ألقاه حول الانفصالية في وقت مبكر من هذا الشهر – ويؤذن بزيادة
الرقابة على المسلمين بشكل عام وليس على الإرهابيين بشكل خاص.
في خط النار
بعد القتل تعهد
كبار الوزراء بإغلاق المنظمات والمساجد التي لها صلة بالهجوم بغض النظر عن مدى
هشاشة هذه الصلة. وهذا أمر مقلق جداً بالنسبة لمن هم في خط النار، بما في ذلك
الجمعيات الخيرية ومجموعة تكافح ضد الإسلاموفوبيا، الذين يرون أنهم يستهدفون بلا
مبرر ويوضعون في خندق واحد مع الإرهاب.
غدت الشعارات
السطحية الآن أركاناً للقومية: تتعرض فرنسا للهجوم بسبب قيمها، وعلى جميع
المواطنين الاستنفار للدفاع عن البلد ضد عدوها الذي لا يعرف له شكل. إنه عدو عنيف
لأنه مسلم. وبالتالي ينبغي أن يعتبر جميع المسلمين محل اشتباه وينظر بخوف وحذر إلى
كل مظهر من مظاهر التدين.
وهذا على الرغم
من أن الدراسات تثبت أن التدين إنما هو مصدر واق ضد التطرف، وأنه لا يوجد دليل علمي
على أن الدين والأيديولوجيا هي الدوافع الأساسية للتطرف العنيف، الذي ثبت أن
الانزلاق نحوه إنما يعود لأسباب اجتماعية في الأساس.
ومع ذلك تشهد
فرنسا يومياً نقاشات يشارك فيها سياسيون وأدعياء خبرة واختصاص حول تقييد الحريات
الدينية للمسلمين باسم الحفاظ على حرية وأمن البلد. ويأتي على رأس هؤلاء إريك
زيمور، الذي أدين مراراً وتكراراً بالتحريض على الكراهية العرقية ضد المسلمين، ومع
ذلك لم تقيد حريته في التعبير وظل يستضاف بشكل منتظم من قبل الإذاعة والتلفزة
الفرنسية للتعليق، ناهيك عن نشره لعدد من الكتب الأكثر مبيعاً، وترحيب كثير من
الصحفيين بما يدلي به من توقعات ونبوءات حول الحرب الأهلية التي توشك أن تندلع
وتقتحم على الفرنسيين بيوتهم.
إطلاق جرس
الإنذار
ليست القومية
الفرنسية بالأمر الجديد، إلا أن انجرافها نحو شكل من أشكال القومية العنصرية هو
الذي ينبغي أن يمثل جرس إنذار لنا جميعاً، على الأقل بسبب تداعياتها السلبية على
النضال ضد التطرف. فمن خلال إقصاء المزيد من المسلمين، ما تقوم به الحكومة
الفرنسية لا يقتصر على أنها تترك حيزاً ضيقاً جداً بإمكان مسلمي فرنسا أن يتواجدوا
داخله بأمان، ولكنها أيضاً توجد أرضية خصبة وفرصاً سانحة للعقول المحبطة والساخطة
لتنخرط في التمرد على الدولة.
ومع ذلك تكمن
المشكلة في أن الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق باتي تجعل من المستحيل التحدث عن
التظلمات التي لدى المجتمع المسلم في فرنسا بسبب التهميش الاجتماعي والاقتصادي
والرفض الثقافي والتمييز الذي يتعرضون له، وخاصة حينما يطلب من هذا المجتمع عبر
وسائل الإعلام المختلفة تحمل المسؤولية عن العنف الذي يُزعم أن واحداً من أبناء
الملة التي ينتسب إليها قد ارتكبه.
كل ما يعاني منه
المسلمون الفرنسيون من معاملة سيئة على يدي الجمهورية – من اعتداءات الشرطة إلى
الاستهداف بسبب الهوية الثقافية والدينية، إلى الفقر، إلى التمييز في الوظائف، إلى
الامتعاض الصفيق وعلى المكشوف من أداء الشعائر التي تشكل القلب من هوية المسلم،
بما في ذلك أماكن الصلاة والصوم والزي – كل ذلك يتم تحويله إلى ذرائع من قبل
المتشددين.
بينما يصور
المتطرفون أنفسهم على أنهم الذين يحررون المجتمع المسلم المحاصر والمحروم من حقوقه
الدينية الأساسية، يصور السياسيون أنفسهم على أنهم الذين يحررون الأغلبية غير
المسلمة المحاصرة والتي يزعمون أنها تتعرض للترهيب بسبب قطع الرؤوس ومحلات بيع
اللحم الحلال وزي السباحة الذي يغطي الجسد كله، بنفس القدر وعلى حد سواء.
اقرأ أيضا: حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية بعد تصعيد ماكرون
لم تكن الحاجة
إلى كسر هذه الثنائيات كما هي الآن – ومع ذلك، وحينما أتيحت له الفرصة ليضع أجندة
تقدمية، ذهب ماكرون بدلاً من ذلك يغازل اليمين المتطرف، وراح يغذي المواطنين
الفرنسيين بالمخاوف حول الانفصالية ويزين ذلك لهم بالأخبار الكاذبة والحكايات
المضللة والمزج في خطابه بين مصطلحات مثل التشدد والتجمع والمسلمين. وإذا بمن
يسمعون طرفاً مما يقال وهم منشغلون بإعداد وجبة الطعام لأطفالهم يخلصون إلى أن
الرسالة التي يوجهها إليهم واضحة وضوح الشمس ومفادها أن المسلمين هم المشكلة.
الاندماج
الاجتماعي
سلطت دراسة
دولية نشرت في عام 2019 الضوء على أن التطرف ينبع من إحساس بالعزلة عن المجتمع.
يقول أحد القائمين الرئيسيين على الدراسة، واسمه نفيس حميد، إن السلوك المتشدد
المنحاز للجماعة يزداد بسبب الإقصاء الاجتماعي.
وهذه ليست الدراسة الوحيدة التي تدعم مثل هذا الاستنتاج، فهناك الدراسة السابقة التي صدر التكليف بها من قبل عمدة مانشستر آندي بيرنام
بعد الهجوم الذي وقع في الأرينا عام 2017، والتي خلصت إلى أن انعدام الاندماج
الاجتماعي هو العامل الأساسي الذي يدفع نحو التطرف، والذي ما لبثت المجتمعات
تتجاهله، الأمر الذي يعود عليها بالضرر.
ليس بإمكان
فرنسا تحمل مآلات هذا الذي يجري، لا أحد فينا يقوى على تحمله.
بعد مقتل باتي
بيومين تعرضت امرأتان مسلمتان للطعن تحت برج إيفل على إثر شجار صاحت أثناءه
المهاجمات من النساء البيض قائلات "عرب قذرون"، فيما اعتبر هجوماً
عنصرياً. يندرج الهجوم ضمن نمط آخذ في النمو، ألا وهو الهجمات التي تستهدف
المسلمين، وعادة ما تكون الهجمات على النساء.
في أي نقاش
يتركز على حرية التعبير من النادر أن نسمع مباشرة من المسلمين الفرنسيين. من
النادر أن نسمع عن التجارب التي يمر بها هذا التكتل السكاني وكيف ينظر إليه. بدلاً
من ذلك، يستدعى للمشاركة في النقاش إما أئمة مطواعون أو خطباء ناريون، وما يصدر
عنهم لا يمت بكثير صلة لما يشعر به ويقوله غالبية المسلمين.
ثمة إخفاق ذريع
في فهم "الآخر" التاريخي في فرنسا، والذي بات اليوم فرنسياً تماماً
ويطالب بحق أن تقبل الجمهورية بهويته الكلية – كمواطنين وكذرية من كانوا مستعمرين،
كجماعات لها انتماؤها العرقي والتزامها الديني – كجزء من التكوين المعاصر، وذلك هو
النضال الذي يغلي تحت السطح على نار هادئة.
تجاهل المظالم
هذا الأسبوع،
وبينما يتجمهر الآلاف في أنحاء فرنسا لتكريم باتي والدفاع عن حرية التعبير، لابد
أن ننتبه لما وراء هذه الشعارات. صحيح أن أعمال العنف، مثل جريمة قتل باتي، تهدد
حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بنشر المواد التي صممت للصدم والإيذاء. ولكن حرية
التعبير طالما حظرت عندما كان الأمر يتعلق بمن يتم تجاهل ما يجأرون به من شكوى
تجاه ما يتعرضون له من مظالم.
اقرأ أيضا: مسلمتان فرنسيتان ترويان تفاصيل الاعتداء عليهما بباريس (شاهد)
بالنسبة
للمسلمين في فرنسا، لا يتعلق "حق حرية التعبير" برفاهية الإساءة للآخر،
وإنما بالحق في أن تُسمع عندما يتعلق الأمر بانعدام الأمن والبطالة والتمييز
والفقر. لطالما ألجمت هذه الأغلبية الصامتة من المسلمين – ومعهم جيرانهم من غير
المسلمين في الأحياء المنسية – ونادراً ما يصل صوتهم إلى المناظرات والنقاشات
العامة، ونادراً ما تتحول تظلماتهم إلى قضايا يتبنى الدفاع عنها الخبراء
والسياسيون.
تتعدد الطرق
التي يمكن أن تهدد بها حرية التعبير، وبالنسبة للبعض، لطالما حرموا من ممارسة هذا
الحق أصلاً.
إذا كانت الأمة
الفرنسية ستكسب شيئاً من هذه المأساة، فينبغي أن يتمثل ذلك في التدقيق عن قرب فيمن
يحق له الكلام قبل أن يتعرض الكلام للتهديد بالحظر.
وهنا يكمن درس
لنا جميعاً حول حرية التعبير، وهو أن من الأهمية أن يتمكن كل من في المجتمع من
التعبير، والأهم من ذلك أن يُسمع صوته. لا ينبغي لمجتمع أن يسعى من أجل تحقيق
تجانس الوحدة، ولكن ما ينبغي أن يروج له هو المساواة بين جميع المواطنين.