كتاب عربي 21

الإمارات بدون سعد إدريس حلاوة!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
أكتب هذه السطور على وقع الاستعداد للحدث، الذي يتم النفخ فيه ليكون "تاريخياً"؛ حيث ستتحرك أول طائرة إسرائيلية، من مطار بن غوريون في تل أبيب، إلى الإمارات، عبر الأجواء السعودية، التي هي حرام على الطيران القطري، لكن ورد في الأمثال: "القلب وما يريد"!

من العبث المقارنة بين مصر السادات وإمارات محمد بن زايد بهذه الخطوة، وإلا كنا نخلط الأوراق عن عمد لتبرير ما لا يبرر، وتصوير ما يجري على أنه "سلام الشجعان" بحسب الرئيس المصري الراحل للعملية الانتحارية التي قام بها، ولم يبق في إطار تمثيل الدور، إلا أن يطلب ابن زايد ما طلبه السادات بأن يكتب على قبره "عاش من أجل الحرب.. ومات من أجل السلام"؛ وإن كان الشطر الأول من العبارة كاشفا عن عدم جواز التشبيه أو المقارنة، لأنها تمثل ازدراء للرئيس الراحل ينحدر إلى مستوى توجيه الإهانة المباشرة له عن عمد!

ومع رفضنا لما فعله السادات، إلا أن الرجل كان في حرب مع إسرائيل، وقد ورث الهزيمة من سابقه، وكان عليه أن يدخل المعركة من باب مجبر أخاك لا بطل، وقد عنونها بأنها "حرب تحريك لا حرب تحرير". وبعيداً عن التفاصيل العسكرية، فقد كان وهو يخوض هذه الحرب يدرك أنه لن يتمكن بها وحدها من تحرير التراب الوطني، ولكن لا بد من تحريك الموقف المتجمد، لتبدأ عملية السلام التي كان يستعد لها مبكراً، ولدرجة أنه قال وهو في زهوة النصر إنه مستعد أن يذهب إلى آخر مكان في الدنيا، وإلى الكنيست ذاته. وعندما سئل من مقربين منه إن كان جاداً في ذلك؟ كان جوابه: أنه يقصد ما يعنيه تماماً. فلم يكن صحيحاً ما قاله البعض بعد ذلك من أن انتفاضة الخبز في كانون الثاني/ يناير 1977 كانت هي السبب في أن يجري إلى هناك بحثاً عن زعامة خارجية! وهروباً من إنكار المصريين له.

ولأن السادات كان يملك خيال فنان، فقد ذهب بعيداً لحد اعتقاده أنه بمقدوره أن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي بهذه الخطوة؛ فقال لجليسه الكاتب أحمد بهاء الدين أنه سيجعل الذين تخصصوا في الكتابة في هذا الصراع يجلسون في بيوتهم، على النحو الذي أورده في كتابه "محاورتي مع السادات"!

مساخر الزمان:


وعندما يقول القوم في أبو ظبي إنهم يسيرون على طريق السادات، فهم هنا يكونوا في موضع الهزل، بل إن الحديث نفسه عن السلام الإماراتي الإسرائيلي يدخل في باب مساخر الزمان. فالإمارات لم تكن في حالة حرب مع إسرائيل، كما أنها لم تكن من دول الطوق، أو بلدان الصمود والتصدي، ولم تكن في مرمى تهديدات إسرائيل، كما أن إسرائيل لم تكن في مرمى تهديدات العدو الإماراتي!

لقد كان السادات يعتقد أنه قادر على أن يصنع سلام الشجعان، وينهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي بمجرد توقيعه على اتفاقية السلام مع إسرائيل. وعليه، فمن العبث أن يتصور أهل الحكم في أبو ظبي أنهم قادرون على شيء من هذا، أو أن هناك فوائد ستعود عليهم بالنفع من جراء السير في هذا الطريق. فإسرائيل لا تملك لحلفائها نفعاً ولا ضراً، وكم من حاكم تقرب منها باعاً، ثم ذهب إليها هرولة، بحثاً عن مكانة أو استمرار في الحكم، فسقط، وإذا كان السادات قد سقط مضرجاً في دمائه، رغم توقيعه لاتفاق السلام مع إسرائيل، فإن مبارك كنزها الاستراتيجي أسقطه الشعب المصري، فماذا فعلت له إسرائيل؟!

وقد جربت الإمارات أن تدخل على مسار القضية الفلسطينية، تعزيزا لمكانتها في المنطقة عبر البوابة الإسرائيلية، إذ طلب نتنياهو من صديقه في القاهرة أن يبدأ محادثات مع حركة حماس، ففعل، وكان المطلوب أن تكون عقدة النكاح في غزة بيد الإمارات، وأن تبدأ مرحلة محمد دحلان، لكن وبعد جولات من المفاوضات، سقط كل هذا بتدخل أمريكي مباشر، رفض هذا التوجه جملة وتفصيلاً، فماذا يمكن أن تقدم إسرائيل لمحمد بن زايد، وهو يوقع معها سلام الشجعان؟!

لقد بحث الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ليقدم برهاناً على أهمية اتفاقه، فقال إنه فعل هذا من أجل القضية الفلسطينية، ولوقف ضم أراضي عربية لإسرائيل، لكن كان الرد الإسرائيلي واضحاً، وهو أنهم لم يقدموا أي وعود في هذا الصدد، بل إن إسرائيل، مع "سلام الشجعان" هذا، رفضت صفقة أسلحة أمريكية مع الإمارات، فلم يجد القوم ما يقولونه لتبريرهم لهذا الانسحاق، فقد تعروا أمام الأمة وصار اتفاق السلام ليس سوى تعبير عن رغبة الحاكم الأوحد للإمارات، في إعلان العلاقات شبه الرسمية، والاتفاقات شبه المعلنة، وتوثيق زواج عرفي، بعد أن فضحت بطن الحامل العلاقة!

السلام مقابل الحب:

وإذ استدعوا السادات، فقد كان الشعار المرفوع في زمن الرئيس المصري هو الأرض مقابل السلام، واستبدله إسرائيليون بعد ذلك بالسلام من أجل السلام، ألا وأنه لم تكن هناك حالة حرب بين أبو ظبي وتل أبيب، فإن الجديد هو "السلام من أجل الحب"، وكما يقول فريد الأطرش: "الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام"؛ إنه الحب العذري!

ومع استدعاء مصر السادات لإعطاء الحالة الاماراتية ثقلاً، مع من خفت موازينه، فلنا أن نذكر الفارق المهم بين الحالتين، ليس فقط لأنه في الحالة المصرية كان سلاماً بعد حالة حرب، ولكن لأن مصر الحية رفضت ما أقدم عليه السادات، ووصل الاحتجاج ضده للبرلمان، الذي وقف ضده فيه عدداً من النواب، فلم يجد السادات بداً في مواجهتهم إلا بحل البرلمان، وعمت حركة الاحتجاج الجامعات المصرية، وعندما حل بالقاهرة أول سفير إسرائيلي، كان مجنون مصر العظيم سعد إدريس حلاوة يقوم بحركة تمرد بسيطة، ومع بساطتها كانت تعبيراً عن رفض مصر لهذا!

لم يتحمل سعد إدريس حلاوة، هذا القروي البسيط ابن "أجهور" بمحافظة القليوبية ثقل مشهد تقديم أول سفير إسرائيلي لأوراق اعتماده للسادات، فلم يجد أمامه إلا اقتحام الوحدة المحلية، واحتجاز اثنين من الموظفين فيها، لم يوقع عليهما أي ضرر، فقد كان هدفه أن يصل احتجاجه للجميع، ثم من خلال الإذاعة الخاصة بها، ألقى خطب الاحتجاج، وكان الفاصل بينها أغاني وطنية تنطلق من جهاز كاسيت حمله معه، فضيّع لذة هذا اليوم على أهل الحكم هنا وهناك. وجاءت قوات الأمن، بل وجاء وزير الداخلية نفسه لإقناعه بالتوقف، لكن لم يستجب، خطب وبكى، وندد واستنكر، إلى أن تم اصطياده في نهاية النهار بواسطة قناص، بعد أن تحول هو إلى عنوان هذا اليوم، فكان بمثابة "كرسيا في الكلوب"، حيث أفسد باهتمام الإعلام الخارجي به فرحَ هذا اليوم!

وقالت وزارة الداخلية الداخلية إن سعد ادريس حلاوة مجنون، وكتب نزار قباني رائعته "صديقي المجنون سعد حلاوة"!

بيد أن الإمارات ليس فيها نواب يرفضون، أو جامعات تحتج، أو سعد إدريس حلاوة، بل فيها عبد الخالق عبد الله، الذي سحب موقفه السابق برفضه للتطبيع، وقال إنه رفض عندما كان هذا في مصلحة الوطن، ويوافق على التطبيع الآن من أجل مصلحة الوطن، ولا نرى وطنا بل لا نرى إلا حاكما جزءا من عملية تخريب المنطقة، وأداة من أدوات الاستعمار وقد غيّر من هيئته!

في مصر رفضت النقابات والجامعات وكل قوى مصر الحية؛ معاهدة السادات، وفي الإمارات لا شيء من هذا!

وفي مصر فشل مبارك في فرض التطبيع الشعبي، ولم تستطع كل مؤسسات الدولة أن تمارس التطبيع، وظل هذا قاصراً على وزارة الزراعة، بينما هو مجرم في وزارة الثقافة.. وفي الإمارات لا صوت يعلو فوق صوت التطبيع، فحتى الأطفال خرجوا بالعلمين الإماراتي والإسرائيلي، ولا صوت معارض في المقابل، وعنت الوجوه فلم تعد تسمع حتى همسا.

إمارات محمد بن زايد ليست مصر أنور السادات، فالإمارات ليس فيها سعد أدريس حلاوة!

الزم حدودك.

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (1)
أحمد أحمد
الإثنين، 31-08-2020 08:57 م
خبء قليلا من نقدك و جهدك و من حبر قلمك و من كلماتك التي قبل أن تجرح البعض و تأنبهم و تكشفهم أمام أنفسهم و أمام الغير فإنها تذكرنا و تعلمنا بما لم نكن نعلم و أن هذه الأمة و إن عقرت فإنها ما زالت تنجب كسعد إدريس حلاوة و ليس فقط كأمثال هؤلاء المبتورين الذين ولدوا فوجدوا أنفسهم و قد ورثوا إمارة او مملكة أو أخذوا الحكم غصبا خبء القليل من حبرك فمازالت قائمة المطبعين طويلة فهم فقط يتزاحمون الواحد وراء الآخر كأنهم أمام الفرن لأخذ بعض أرغفة عيش فمازالت الأقنعة ستسقط و البطون الحبلى بالحمل الحرام ستنكشف.