فنون منوعة

لماذا لم يتم تجسيد "رابعة" في أعمال فنية حتى الآن؟

اعتصام رابعة مليء بالكثير من الأحداث الدرامية والمثيرة والتشويقية- مواقع التواصل
اعتصام رابعة مليء بالكثير من الأحداث الدرامية والمثيرة والتشويقية- مواقع التواصل

رغم مرور 7 أعوام كاملة على مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة، إلا أنه حتى الآن لم يتم تجسيد تلك المجزرة "الأبشع" و"الأكبر" بتاريخ مصر الحديث في أية أعمال سينمائية أو درامية، رغم أنها مليئة بالكثير من الأحداث الدرامية والمثيرة والتشويقية، الأمر الذي يراه فنانون يستحق أن يتم تجسيده فنيا.

وبدأت الأعمال الفنية المصرية المستقلة عام 2015 في مدينة إسطنبول التركية بمحاولات مبكرة مثل مسلسل سيت كوم "سمير بونديرة"، والتي كانت قالب درامي لمناقشة القضايا المجتمعية، واسكتشات فنية خفيفة أنتجتها قناة مكملين الفضائية، ثم مسرحية "الإمبراطور". وبدأت المسلسلات التلفزيونية بسيت كوم رمضاني لثلاثة مواسم رمضانية متتالية "نقرة ودحيرة"، ثم العمل الدرامي البارز "شتاء 2016" الذي عُرض في شهر رمضان قبل الماضي، وحقق حينها نجاحا ملموسا.

وحازت تلك الأعمال الفنية ملايين المشاهدات، والتي كان منها مؤخرا مسرحية "الحرافيش" عن نص للأديب نجيب محفوظ، ثم أفلام سينمائية مثل "الهتك" و"بسبوسة بالقشطة"، والأخير حاز على مشاركات وجوائز دولية، ووصل عدد مشاهداته نحو 3 ملايين مشاهدة خلال شهرين تقريبا.

"ميزانية إنتاجية كبيرة"

من جانبه، قال الفنان وجدي العربي إن "القيام بمثل هذه الأعمال الضخمة يحتاج إلى ميزانية إنتاجية كبيرة، وعدد كبير من الفنانين من الدرجة الأولى والثانية، وجموع كبيرة من الكومبارس، حتى نستطيع تجسيد هذا الاعتصام بشكل جيد ولائق".

ورأى العربي، في تصريح لـ"عربي21"، أن "اعتصام رابعة الذي استمر على مدى 45 يوما لم يكن بالشيء الهين الذي يمكن تصويره أو الكتابة عنه بسهولة".

وذكر أن "اعتصام رابعة شأنه شأن حرب أكتوبر 1973 التي تم فيها عبور أكبر مانع مائي ثم اقتحام خط برليف ثم رفع العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، وكل هذه الأمور لم تُصور على حقيقتها، ولم تأخذ تلك الحرب قيمتها وقدرها، حتى أن السيناريوهات التي كُتبت لبعض أفلامها كانت بسيطة وقليلة؛ فهذه الحرب لا يستطيع عقل أن يصدقها، ولذلك مهما فعلت ومهما قدمت لن يكون تجسيدها بشكلها المأمول".

 

اقرأ أيضا: لماذا غابت دراما رمضان عن قنوات الثورة المصرية؟

واستطرد العربي قائلا: "رغم أننا هنا نتحدث عن إمكانيات دولة بالكامل بشأن تجسيد حرب أكتوبر، بينما لم يتم النجاح في ذلك. وبالتالي فلكي تستطيع أن تُجسد وتُقرّب صورة اعتصام رابعة للمُشاهد الذي لم يحضر هذا الاعتصام تحتاج لنظام حاكم آخر يأتي حتى يكون التمويل الإنتاجي كبير، ويمكن إنجاز ذلك في ظل الدولة القادمة الجديدة المحترمة بعد زوال هذا الحكم الخائن الجائر".

وأردف الفنان المصري: "في حال حدوث هذا التغيير نتمنى أن تستطيع الدولة الجديدة حينها تقديم فيلما سينمائيا عظيما حتى يحق تسميته باسم رابعة".

 


ولفت إلى أنهم حاولوا سابقا تقديم عمل فني جيد عن رابعة في مدينة إسطنبول على المسرح من خلال عمل غنائي إنشادي، وهو أوبريت (رابعة.. كانت إشارة) تأليف وتلحين الفنان حامد موسى، مضيفا: "هذا ما استطعنا تقديمه في ضوء ما هو متاح من إمكانيات، وإذا ما كانت هناك قدرات أكبر وإتاحة الفرصة للإبداع فسنعمل شيئا يليق باعتصام رابعة والنهضة، لكن للأسف هذا غير متوفر حتى الآن".

"أقوى الأسلحة الناعمة"

بدوره، ذكر الفنان محمد شومان، أن "أي عمل فني لائق عن مجزرة فض رابعة والنهضة، وما تلاهما من أحداث، يحتاج تمويلا كبيرا".

ورأى شومان، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "حالة المعارضة المصرية لا تهتم بالدراما والفن بالقدر الكافي، يبدو أنها مُهتمة بأمور أخرى، رغم أن الفن هو الأكثر تأثيرا في الوعي، والأكثر انتشارا بين الجماهير، وهو أقوى الأسلحة الناعمة".

وقال إن "اليهود والأمريكان غيّروا الكثير من العقول في العالم عبر الأفلام المتعددة التي أنتجتها هوليوود، ومن ضمنها ما قدمّوه من أفلام مختلفة عن الـ (الهولوكوست) التي نجحوا بشكل واضح في تسويقها وترويجها عالميا"، منوها إلى أن "فيلم قائمة شندلر (Schindler's List) كان أشهر الأفلام التي تناولت ما يُعرف بالإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية".

واستطرد شومان، قائلا: "المعارضة المصرية قضيتها عادلة، لكن للأسف محاموها فاشلون، ولا يجيدون تسويقها بشكل مناسب، بخلاف أهل الباطل الذي يجيدون تسويق بضاعتهم جيدا"، لافتا إلى أنه من أكبر الإشكالات التي تواجههم هي "إسناد الأمر إلى غير أهله، وهو ما يساهم كثيرا في حالة التراجع والضعف التي نعاني منها".

وحذّر شومان من أن "عدم تجسيد رابعة سينمائيا أو دراميا حتى هذه اللحظة قد لا يجعل هذه القضية حيّة لفترات طويلة، وقد يتسبب ذلك في انتهاء حالة التعاطف معها، بل إنها قد تُنسى بمرور الوقت"، وفق قوله.


"منظور إنساني"

من جهته، قال المخرج محمد البحراوي، في تصريح لـ"عربي21"، إن "تكاليف ميزانية الإنتاج هي التي تمنع إنتاج عمل سينمائي عن رابعة، وقد كانت هناك بعض المحاولات السابقة في هذا الصدد، إلا أنها لم تستمر ولم تنجح بسبب هذا العائق الرئيسي".

البحراوي الذي قام بإخراج فيلم "الهتك"، دعا إلى "ضرورة تقديم رابعة فنيا من منظور إنساني بحت بعيدا عن المنظور السياسي الذي قد يفقد الأمر تأثيره المنشود، وأن يتم طرحها بشكل عالمي وليس محليا فقط"، مضيفا أن "من المؤسف ألا يتم تجسيد أكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث فنيا رغم مرور كل هذه السنوات".

ولفت البحراوي، إلى أن لديه "تصورا متكاملا عن إنتاج فيلم سينمائي عن رابعة، ويحمل عنوان (الشهيد)، وهو يعالج قضية شهداء الحرية في (رابعة)، وسوريا، واليمن، بمعنى واسع وكبير"، مُعبّرا عن أمله في أن يجد الفيلم طريقه للنور في أقرب وقت.

وأردف: "في ذكرى 11 أيلول/ سبتمبر 2001 قام الأمريكان بتخليد هذه الذكرى في العام التالي، حيث تمت مخاطبة 11 مخرجا عالميا من 11 دولة مختلفة، ليخرج كل منهم تصوره وأفكاره عن الحادث، وأعطوا لهم الحرية الكاملة في ترجمة أفكارهم إلى فيلم قصير، ومدة كل فيلم 11 دقيقة فقط"، لافتا إلى أن "المخرج المصري الراحل يوسف شاهين كان هو المخرج العربي الوحيد الذي شارك في هذا الإنتاج".

وأشار البحراوي إلى أنه دعا لمحاولة تكرار هذا الأمر الذي جرى بخصوص أفلام 11 أيلول/ سبتمبر مع مجزرة فض رابعة، وطرح هذا الأمر قبل فترة على المعنيين بالقضية المصرية، إلا أنه لم يتم التعاطي مع مقترحه بجدية، بحسب قوله.

ولفت البحراوي إلى أن "اعتصام رابعة وأحداثه الحقيقية تُسهّل الأمر كثيرا في كتابة السيناريو، حيث إنه كان مليئا بالكثير من المواقف المتباينة ما بين الإنساني، والكوميدي، والمؤلم، والمحزن، والساخر، والثوري، والديني، خاصة في ظل تصاعد الأحداث وتفاعلها بأشكال مختلفة ومثيرة".

التعليقات (0)