قضايا وآراء

الأمن القومي.. لأي قوم؟!

أحمد عبد العزيز
1300x600
1300x600
أزمتان تلقيان بظلالهما (هذه الأيام) على بلادي مصر! الأولى إثيوبية، والثانية ليبية!

الأولى، صنعها السيسي المنقلب في عام 2015 عامدا متعمدا، بالتوقيع على اتفاق (غامض) مع إثيوبيا والسودان، كان موضوعه؛ إعادة تقنين حصص الدول الثلاث في مياه النيل، ذلك الاتفاق الذي لم يعرف المصريون كنهه، ولا حتى خطوطه العامة، ولم يُعرض على ما يُسمى "مجلس النواب" الذي تم اختيار أعضائه على عين أجهزة الانقلاب الأمنية! والثانية، يسعى السيسي المنقلب (ما غيره) لصنعها مع الجارة الشقيقة ليبيا، بتكليف مباشر من رعاة الثورة المضادة في دول الربيع العربي!

وكان من الطبيعي (حسب كتالوج الاستبداد السياسي) أن تُصدِّر سلطة الانقلاب الأزمتين إلى الشعب المصري، تحت عنوان مطاط ضخم ومبهم في الوعي العام المصري، يثير القلق والخوف، في نفوس العامة عادة، هو "الأمن القومي"! ومهما تعددت وتنوعت تعريفات الأمن القومي، يبقى الإنسان، والإنسان فقط، هو العمود الفقري لمفهوم الأمن القومي، به ولأجله تسعى السلطة لتحقيقه.

إذن، فالأمن القومي في كلمتين، هو "أمن الإنسان" بتعبير "طبيعي" قديم، أو "أمن المواطن" بتعبير "مدني" حديث، وما عدا ذلك تفاصيل! فكل التدابير العسكرية، والاقتصادية، والأمنية، الداخلية والخارجية، إنما تهدف إلى توفير الأمن للمواطن في المقام الأول! ففي غياب الأمن يعجز "المواطن" حتى عن التفكير (مجرد تفكير) في البناء والتنمية والنهضة، ناهيك عن القيام بها، ويصبح همه الأول، وربما الأوحد، تحقيق الأمن لنفسه، ومن يعول.. بمعنى البقاء على قيد الحياة! لذا، فقد اعتبر فلاسفة "عصر الأنوار" أن "الأمن" واحد من أربعة "حقوق طبيعية" أو أساسية، يستحقها الإنسان حُكما، أو من حقه السعي لتحقيقها، إلى جانب المأوى المناسب، والطعام والشراب، وحفظ النوع.

بهذا المعنى، يمكن أن نسأل: هل سلطة الانقلاب تواجه أزمة "أمن قومي" بسبب نقص مياه النيل، أم بسبب الحرب التي تشنها "حكومة الوفاق" الشرعية في ليبيا، على المتمرد خليفة حفتر، ومرتزقته الممولين من محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي؟!

بالنظر إلى طبيعة النظم المستبدة، وسوء معاملتها لشعوبها حد الاضطهاد، علينا أن نفكر بوجود "أمنَيْن" لا أمنا واحدا! "أمن المواطن" وهذا هو "الأمن القومي"، و"أمن النظام" الذي تعتبره السلطة المستبدة (في كل عصر) هو "الأمن القومي" بشحمه ولحمه وعظمه، وما عداه تفاصيل، يمكن إهمالها! وقد يتقاطع الأمنان أحيانا، لكنهما (بالضرورة) يختلفان في معظم الأحايين!

إن صحت هذه المقاربة، فإن الإجابة عن السؤال الأول (شح المياه) هي: "نعملا"! أي مزيج من نعم ولا!

نعم تواجه/ لا تواجه سلطة الانقلاب أزمة "أمن قومي" بسبب نقص مياه النيل.

نعم تواجه؛ لأن المواطن المصري أصبح (بالفعل) مهددا في أمنه المائي، ما يعني أن حياته نفسها باتت مهددة، بعد أن باتت الأزمة واقعا ملموسا! وهذا هو تهديد حقيقي للأمن القومي، ولا تواجه؛ لأن سلطة الانقلاب لا يعنيها أمن هذا المواطن إلا بالقدر الذي يشكل خطرا وجوديا عليها هي!

فلو أن هذه السلطة تعلم أن شُح المياه لن يثير سخطا شعبيا، ربما يفضي إلى قلاقل داخلية، قد تتحول إلى ثورة عارمة، لما اكترثت بالأزمة، ولما اهتمت بها من الأساس! ففي كل الأحوال، ومهما بلغت حدة الشح المائي، فإن هذه السلطة ومن دار في فلكها من المصريين المقتدرين، يستطيعون توفير المياه التي يحتاجونها بطرق شتى، وليذهب المواطن المسكين إلى الجحيم، حتى لو كان من "شيعة السلطة" الذين رقصوا على أنغام تسلم الأيادي، في كل مناسبة، حتى لو كانت مجزرة ارتكبتها هذه السلطة بحق إخوة لهم في الدين والوطن!

أما بالنسبة لما يجري في ليبيا، فالإجابة هي: لا.. لا تواجه سلطة الانقلاب أزمة "أمن قومي"، بسبب الحرب التي تشنها "حكومة الوفاق" على المتمرد خليفة حفتر. وإنما تواجه أزمة "أمن نظام"! فالمواطن المصري ليس متضررا البتة، من سعي حكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دوليا، لتطهير ليبيا من المرتزقة الأجانب الذين يقودهم المتمرد حفتر، ويُطلِق عليهم زورا وبهتانا "الجيش الوطني الليبي"، وكذلك سعيها لبسط نفوذها وسلطتها على كامل التراب الليبي.

المتضرر من انتصار الحكومة الشرعية في ليبيا هو "النظام الانقلابي" في مصر، وليس الشعب المصري. فالشعب المصري (في غالبيته) يرى في انتصار حكومة الوفاق على الانقلابي المتمرد حفتر، انتصارا لثورة 14 فبراير الليبية التي أطاحت بالدكتاتور السابق معمر القذافي، ثم أدخلتها قوى الثورة المضادة الإقليمية في حرب أهلية؛ لإفشالها كما أفشلت تجربتي مصر واليمن.

أما النظام الانقلابي في مصر، فيرى في انتصار حكومة الوفاق الشرعية على حفتر الممول من قوى الثورة المضاد الإقليمية، تهديدا وجوديا له، فهذا النصر، سيحيي (ولا شك) الأمل في نفوس المصريين الذين يعيشون أسوأ أيامهم حاليا، وسيعود الحديث عن "إمكانية الإطاحة" بنظام الانقلاب، فضلا عن أن ليبيا ستكون (بالضرورة) امتداد جغرافيا، وعمقا استراتيجيا للثورة المصرية القادمة على هذا النظام، ومن ثم، فلا بد أن يتعاطى النظام الانقلابي مع هذا الوضع بكل ما أوتي من قوة، تحت غطاء "الأمن القومي" لاستمالة الشعب وتضليله في آن.

الحديث في مصر لا يتوقف عن "الأمن القومي"، ولكن لأي قوم؟

twitter.com/AAAzizMisr
التعليقات (0)