هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أن صدر قرار القضاء التركي بعودة متحف آيا صوفيا بتركيا إلى حالته السابقة، أي أن يعود مسجدا كما كان، قبل أن يصدر الرئيس التركي السابق مصطفى كمال أتاتورك قراره بتحويله من مسجد لمتحف سنة 1934م، ما أن صدر قرار القضاء بعودته، وقد رأينا الأبواق الإعلامية للثورات المضادة للربيع العربي تخرج تنهش في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسياسة التركية، وزاد على ذلك أن رأينا أصواتا أخرى تهاجم القرار، وأنه كيف نحول كنيسة لمسجد؟!
هجوم غير مبرر على أردوغان
وقد وصفت هذا الخط في الحديث بأنهم أصحاب عقل أعور، إذ الأعور يرى بعين واحدة، ومن طبيعة عمل العينين أنهما تحفظان على الإنسان الرؤية المتوازنة، وليس عيبا أن يخلق الله إنسانا بعين واحدة، أو أن يبتلى بفقد إحدى عينيه، فهذا نصيبه وقدره، ولكن العيب أن يرزق الله الإنسان عينين يبصر بهما الأمور على حقيقتها، فيصر على رؤيتها بعين واحدة، هي عين الإجحاف والتجني، وما ينطبق وصفه على العين، ينطبق كذلك على العقل، فهناك عقل أعور، لا يفكر إلا في اتجاه واحد، هو اتجاه النظام الذي يؤيده، مما يضطره للوقوع في التناقض، بل في توريط نفس النظام الذي يطبل له ويزمر.
من هؤلاء: مفتي مصر شوقي علام، أو كما يجب أن يلقب بـ: شوقي إعدام، لكثرة الإعدامات الظالمة في عهده، ثم سعد الدين الهلالي، والأخير خاصة أراد أن يزيد في الهجوم على أردوغان وعودة مسجد آيا صوفيا، واصفا ذلك بأن الصلاة فيه ستكون لا ثواب فيها، لأنها صلاة على أرض مغصوبة!!
وهو كلام لا يمكن أن تفكر فيه أي جهة دينية غير مسلمة، كي تدافع عن آيا صوفيا، ولا نظام سياسي معادي للعرب والمسلمين، لكنه يخرج من مشايخ سلطة، لا عجب أن وصفت وزير دفاع ووزير داخلية قاما بأكبر مجزرة في تاريخ مصر، بأنهما كموسى وهارون عليهما السلام!!
وأكبر مغالطة تتم في الأمر، تصوير القضية على أنها مسألة تتعلق بتحويل كنيسة لمسجد، والحقيقة هي تتعلق بعودة مسجد وقف إسلامي، بعد أن تحول لمتحف، أما تحويله من كنيسة لمسجد، فهي معركة تمت وانتهت منذ ستمائة عام، وقت أن حولها محمد الفاتح في ظروف سياسية وتاريخية معروفة، فلا معنى الآن للحديث حول هذه المسألة.
لقد بنى الهلالي قوله في أن أرض آيا صوفيا مغصوبة، لأنها بنيت على حكم الفقهاء بأن الأرض المفتوحة عنوة تكون ملكا للمسلمين، وأن الصلاة في آيا صوفيا تكون صلاة في أرض مغصوبة، وقد نسي أنه بهذا القول الذي زعمه، وهو قول باطل فقها وتاريخا، يكون قد حكم بأن الصلاة في مساجد مصر نفس الحكم، فعلى أي أرض بني جامع الأزهر، والحسين، وعمرو بن العاص؟! إنها على أرض مصرية تملكها المسلمون بعد فتح مصر، فهل اشتراها الحكام المسلمون حتى يبنوا عليها المساجد المذكورة؟ وهل صلوات المصريين في هذه المساجد باطلة بهذا التخريج الأحمق من الهلالي؟!
وبناء على قوله بأن أرض آيا صوفيا مغصوبة، فما قوله في المساجد التي هدمها السيسي وحولها لطرق أو كباري، أليست أرضا مغصوبة، ويعد المرور عليها إثما ومعصية؟ وأي بناء عام بني عليها يعد بناء على أرض مغصوبة، وكل ما ينتج عنه فهو مال حرام شرعا، بناء على تخريجه؟!!
ولماذا لم نسمع منه كلمة واحدة في هدم عشرات المساجد منذ عهد مبارك، وحتى عهد السيسي، وقد هدمت دون بناء مساجد بديلة، وهي بيوت لله عز وجل بنيت بتبرعات الشعب المصري، فمنذ ثورة يوليو العسكرية لم يبن العسكر من مالهم بناء واحدا، وقد لاحظ ذلك الدكتور إبراهيم البيومي غانم في دراسته عن الأوقاف في مصر، لاحظ أن كل العصور منذ محمد علي كان لرجال الحكم وقف سواء مسجد، أو وقف خيري، إلا أنه منذ يوليو 1952 لم يجد أي وقفية أو عمل وقفي خيري لأي رجل من العسكر، أو من رجال حكم العسكر.
أي أن المساجد التي يصادرها حكم العسكر كلها مساجد وقف للمسلمين، وليس ملكا لهم، ومع ذلك يصادرونها، سواء بالضم للدولة، أو بالهدم لصالح مشاريع عامة، وهو ما لا نرفضه لو كان لمصلحة عامة، شريطة أن يعوض المسلمون بمسجد بنفس الحجم إن لم يكن أكبر، ولكن على مدار تاريخ العسكر لم نجد مسجدا هدم وعوض سواء بنفس حجمه، أو بما يناسب حجمه.
مساجد وأوقاف المسلمين في مصر
لقد كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله سنة 1962م كتابه: (كفاح دين)، وقد رصد فيه عشرات المساجد الكبرى التي هدمت في سنة 1957م وحدها، وقد جلب معلوماته من إحصاءات بلدية القاهرة، فوجد فوق المائة مسجد في القاهرة الفاطمية فقط قد هدمت، أو حولت لخرابات ومقالب زبالة، ومنها 14 مسجدا كبيرا بحجة تجميل القاهرة، على يد أحد ضباط العسكر: عبد اللطيف البغدادي، دون تعويض، أو بناء بديل، فتحت أي عنوان يضع سعد الهلالي هذا التصرف العسكري المستمر؟ إن لم يكن تخريبا لبيوت الله، وسرقة لأوقاف المسلمين، فماذا يكون؟
وماذا عن أوقاف المسلمين التي صادرها العسكر، ولم يردوها حتى الآن، وقد ردوا أوقاف المسيحيين للكنيسة، ألا يعد ذلك اغتصابا، وسرقة لمال الأمة، وهو حق عام لا يملك فيه أحد حق التصرف، وهي أوقاف أوقفها أصحابها على جهات محددة، لا تملك أي سلطة أن تغيرها، ولا أن تخالف وصية صاحبها، والهلالي أستاذ فقه، ويعلم حكم وقف الواقف في الشرع.
ثم يتغافل الهلالي وأمثاله عن المساجد الكبرى في العالم الإسلامي والتي حولها الغرب إلى كنائس، أو وضعوا عليها الصلبان، وهي مساجد مشهورة، كمسجد قرطبة، وأشبيلية، وقد كتب صديقنا وشيخنا الشيخ عبد السلام البسيوني كتيبا في ذلك: بعنوان: (مساجد رفعوا عليها الصليب)، رصد فيها المساجد التي تحولت لكنائس، أو بارات خمور، أو مراقص، سواء في بلاد الغرب، أو على يد الصهاينة في فلسطين، كجامع عسقلان والذي حوله الصهاينة لمتحف.
للأسف لا يرى مشايخ السلطة، أصحاب العقل الأعور، إلا التبرير للسلطة التي يؤيدونها، متغافلين عن كبائر وجرائم كبرى يقومون بها، متلهفين لأي موقف يقوم به أي شعب حر ليهاجموه، متسلحين بوقاحة غريبة، يحاولون بها طمس الحقائق، وتلبيس الأمور، وعور العقل داء خطير، حين يصيب إنسانا يتمكن منه، ويظل ملازما له حتى يموت، أو حتى ينتهي دوره ويلقيه النظام في أقرب سلة مهملات، ليبحث عن أعور عقل جديد يتفنن في مساندته، وتبريره لسياسته!
[email protected]