كتاب عربي 21

من إسعاد إلى أصالة.. عبيد في بلاط صاحب الدولة!

ساري عرابي
1300x600
1300x600
غنّت المطربة السوريّة أصالة نصري للحاكم المصري عبد الفتاح السيسي، وجعلته امتدادا للمجاهد الليبي العظيم عمر المختار. ولا ينبغي أن تسأل، والحال هذه، أيّ إطار يجمع الرجلين، وما هو الشيء الذي من الممكن أن يجعل السيسي امتدادا لرجل كعمر المختار، ذلك لأنّ السؤال بمجرّده تعامل جدّي، مع سفه خالص من التزلّف والنفاق وتشويه الوعي، بيد أنّ الوجاهة قد تكون في السؤال عمّا يدفع أصالة لمعارضة الحاكم السوري بشّار الأسد، وهو والسيسي سواء، في مركب الطغيان، والفساد، واستباحة حرمات الناس ودمائهم وأموالهم، هذا فضلا عن امتياز السيسي بعلاقة مشبوهة مع الاحتلال الإسرائيلي.

قبلها بأيّام، نشرت الممثلة المصرية، والمنتجة ومقدمة البرامج، إسعاد يونس، منشورا على صفحتها على موقع فيسبوك، أرادت به أن تشبّه حكم الإخوان المسلمين، بفلاحة رثّة، احتلّت بيت أسيادها الذين احتووها وضمّوها إلى بيتهم، فتمادت في وقاحتها، وكأنّ البيت الذي صارت تنهبه لها، فما كان من هؤلاء السادة إلا التخلّص من خادمتهم العفنة.

لم يكن المثال المستغرق في الغباء، والتعالي الكسيح، بأسوأ من الإسقاط الذي أرادت به التزلّف بدورها للحاكم العسكري عبد الفتاح السيسي، في ذكرى انقلابه على الرئيس المنتخب، وقد غاب عنها، بعد أن طُبع على قلبها وقلوب أمثالها، أنّ لا أحد احتوى مرسي بمنّه وفضله، وإنما انتخبه الشعب المصري، على الضدّ تماما من الحاكم العسكري، الذي يجعل أمثالها، ممن يحنّون إلى زمن الباشاوات القديم، مجرّد خدم وعبيد في التراتبية الطغانية، المكوّنة من ذهنية أصحاب الدولة، والعسكرتاريا، والفساد.

قيل إنّ إسعاد يونس، قد نشرت النصّ نفسه قبل سنوات، في مجلة مصريّة، فما كان منها إلا أن استدعته مجدّدا وأضافت عليه الإسقاط فقط، فإنّ صحّ هذا، وبالإضافة إلى ما يكشفه عن نفسية عريقة في الكراهية، يستبدّ بها شعور متوتّر بالتميّز المصطنع عن بقية "أجناس" المصريين، فإنّه يكشف كذلك عن فقر لائق بفنانة في دولة محكومة بتلك التراتبية الطغيانية، لتكون إسعاد، وهي في ذروة نفاقها، في قعر التردّي الإبداعي، فلم تجد إلا نصّا قديما تتقرّب به إلى الحاكم العسكري، وتعلن فيه عن كراهيتها للخدم والعبيد والفلاحين.

ولم تكن إسعاد، وهي تعلن عن إفلاسها الإبداعي، سوى معبّرة عن طبقة واسعة تضمّ شرائح متعددة، من الساسة والأثرياء والفنانين وبعض المثقفين، لا ترى في الإسلاميين سوى فلاحين وافدين على الحياة المدينية المصريّة شوّهوها وأفسدوها، ولم يكتفوا باحتلالهم المجال الاجتماعي، فأرادوا فوق ذلك احتلال المجال السياسي. وهذه الأطروحة العنصرية، لا تكاد ترى سببا لوجود الإسلاميين في الحياة، فإنْ كان ولا بدّ، فهم لا يزيدون على ما يستفاد من الفلاحين من خدمة، تتكرّس بها تبعيتهم للأسياد.

ولمّا كان الإسلاميون، على مدار فترة طويلة من عمر الدولة، أهمّ معارضي أنظمتها، كرّست تلك الأنظمة دعاية الكراهيّة ضدّهم، المرتكزة إلى دهشة غاضبة تقول بقرف: "يا للهول! إنّهم يريدون أن يحكموا"، ولم لا تقول؟! فالدولة لها أصحابها. بهذا الاعتبار، لا تنتبه إسعاد، إلا أنّها مجرّد خادم في بلاط أصحاب الدولة، ولكنّها خادم مقرّب!

وبجمعها مع أصالة، نرجع للمقولة الخالدة: "لا تحمّلوا الفنان فوق طاقته، فهو غير سياسيّ"، لكنّ هذه المقولة قد تُقبل لو أنّ هذا الفنان اكتفى بالعمل في فنّه، مشخّصا، أو مغنّيا بصوته الذي حباه الله إيّاه دون كسب منه، ولم يتورّط في التعبير عن مواقف سياسيّة مخزية، فكيف وهو موظّف فعليّ لخدمة أصحاب الدولة، لا مكانة له، ولا حظّ في مجال عمله لو غضب عليه السادة؟ وهاك إذلال نظام السيسي في السنوات الأخيرة لشريحة الممثلين، وما يتصل بهم من شركات إنتاج، وتغييره لقواعد عملهم، وأحجام أجورهم، واحتكاره "الميديا" كلها عبر شركات إنتاجية، وقنوات تلفزيونية، ووسائط بثّ، تديرها مخابراته، دليلا على صدق كونهم مجرّد خدم في بلاط صاحب البوط العسكري! ولا حاجة بالتأكيد للعودة إلى كيفيات استخدامهم منذ زمن صلاح نصر!

بيد أنّ هذه المقولة لا تُقبل، حتّى دون ذلك من انحطاط وخزي. صحيح أنّ انحطاط مواقف الفنان السياسية والأخلاقية لا تنفي بالضرورة موهبته، سواء في التجسيد أو الغناء أو سوى ذلك، فهي ليست أداة لتقييمه من هذه الناحية، إلا أنه جزء من سياقات سياسية واجتماعية أكبر، ينبغي فيها البحث عن دوره. هذا وبقدر ما يثرى من أموال الناس الذين يثير إعجابهم يترتب عليه دور تجاه هؤلاء الناس، وهذا الدور في أقلّ أحواله لا يمكن أن يكون باحتقارهم، وتقسيمهم إلى طبقات بقصد الازدراء واحتكار الكرامة، ويسعه السكوت حينئذ إن عجز عمّا هو فوقه رغبا أو رهبا من صاحب الدولة العسكري!

لكن زمن صاحب الدولة الحالي لا يسمح بالسكوت، فالعمل الفنّي لخدمته، إلا أنّ هذا ليس وحده ما يفسد هؤلاء الفنانين، وينحطّ بأعمالهم ورسائلها، فالانحطاط المستمر من عقود يفعل فعله في مسخ الناس، بتجهيلهم، ونشر الظلمة في نفوسهم، ودبّ الأمراض القلبية فيهم وبينهم، وحينئذ فلن يكون الفنان سوى كائن أنانيَّ، في لحظة يُجَرّم فيها الإحساس بأوجاع الآخرين، فيرتدّ الفنان إلى نفسه خاضعا أمام مخاوفها ورغباتها.

ومن كان هذا حاله، فلا هو مرهف الإحساس، كما يقول عن نفسه، ولا هو مثقف صالح للحديث في الشأن العام، كما يُروّج له ليكون مفيدا في خدمة أغراض صاحب الدولة، فتشويه الوعي العام يلزمه شخصيات بهذا القدر من الجهل والأنانية!

twitter.com/sariorabi
التعليقات (1)
فتحي
الأربعاء، 08-07-2020 12:19 م
لا تلوث قلمك بالحديث عنهم أستاذ ساري