قضايا وآراء

ماذا وراء تدشين أوروبا "إينستكس" مع إيران؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

في ذروة انشغال العالم بجائحة كورونا وتبدّل أولويات الدول لصالح مكافحة الفيروس، أقدمت أوروبا على خطوة لافتة تجاه إيران يوم 31 آذار (مارس) الماضي، تمثلت في تدشين قناة "إينستكس" المالية، التي أسستها الترويكا الأوروبية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أواخر كانون الثاني (يناير) عام 2019، لمواصلة التجارة مع إيران.
 
إيران من جهتها، بعدما التزمت الصمت لنحو أسبوع، عبّرت عن تفاؤلها بتدشين أوروبا هذه القناة، معتبرة أنها "خطوة إيجابية"، لكنها في الوقت ذاته، أكدت أنها "غير كافية ولا يعني تنفيذ أوروبا تعهداتها بل مقدمة لها".

 

تساؤلات مشروعة
 
جاءت الخطوة الأوروبية بعد مضى أكثر من عام على الإعلان عن تأسيس القناة، أطلقت فيه وعود وتأكيدات أوروبية مكررة بشأن تفعيلها، لكن من دون ترجمتها إلى أفعال، أما أن يحدث ذلك أخيرا، فيثير تساؤلات حول أهداف الخطوة وموقف واشنطن منها، ولاسيما أنها ظلت بعد تأسيس "إينستكس" تعارض تشغيلها وقيامها بأي معاملة مالية، حتى لأسباب إنسانية، ترتبط بإرسال الأدوية والمواد الغذائية، مهددة بحظرها اذا تجاوزت العقوبات.

تأسست "إينستكس" بغرض التجارة مع إيران، التفافا على العقوبات الأمريكية لحث طهران على مواصلة تنفيذ تعهداتها النووية بموجب الاتفاق النووي المبرم 14 يوليو/تموز 2015 مع المجموعة الدولية السداسية، لذلك بعد تشغيلها أخيرا، ذهب البعض باتجاه اعتبار ذلك بداية تحرك أوروبي لتجاوز إجراءات الحظر الأمريكي ضد إيران، إلا أن هذا الرأي يفتقر إلى الموضوعية وما يسنده على أرض الواقع، حيث أن المعاملة التي أجرتها أوروبا عبر "إينستكس"، أولا، لم تشمل السلع المحظورة أمريكيا، بل مستلزمات طبية "إنسانية"، لم يكن من بينها حتى ما يرتبط بكورونا، الذي تحتاج إليه طهران هذه الأيام، ثانيا، أن حجمها لم يتجاوز 500 ألف يورو، أي أن أوروبا حتى في الجانب الإنساني، ليست مستعدة لتجاوز سقف محدد، ناهيكم عن أن تكون لديها نية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلا اذا غطّت الآلية السلع والتحويلات المالية المحظورتين، لاسيما النفط الإيراني، فحينئذ ستكون للأمر دلالات عميقة مختلفة، لكن من دون ذلك ستكون الآلية الأوروبية بلا أي جدوى، إذ ستبقى من دون مصادر مالية لتمويل أي معاملة مستقبلا، اللهم إذا كانت عبر الأموال الإيرانية المجمدة في أوروبا بفعل العقوبات، لكن الإدارة الأمريكية لاتزال ترفض الإفراج عنها، وستظل ترفض ذلك قبل الاتفاق الذي تنشده مع طهران.

 

إن طبيعة المعاملة الأولى لقناة "إينستكس" الأوروبية، لا تحمل في طياتها، مؤشرات قوية على تغيير أو تبدّل ما في الموقف الأوروبي المتقاعس تجاه الاتفاق النووي، منذ انسحاب واشنطن منه يوم الثامن من أيار/مايو 2018، وهو موقف منحاز عمليا إلى الإدارة الأمريكية في المواجهة مع إيران،

 



إلى ذلك، فإن أوروبا حتى لم تتمكن أو لم ترغب أن تنقل إلى إيران عبر القناة 20 مليون دولار وعدها منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أو 5 ملايين دولار، وعدتها الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) خلال الآونة الأخيرة، لمساعدة طهران في مواجهة فيروس كورونا.
 
بالتالي، فإن طبيعة المعاملة الأولى لقناة "إينستكس" الأوروبية، لا تحمل في طياتها، مؤشرات قوية على تغيير أو تبدّل ما في الموقف الأوروبي المتقاعس تجاه الاتفاق النووي، منذ انسحاب واشنطن منه يوم الثامن من أيار/مايو 2018، وهو موقف منحاز عمليا إلى الإدارة الأمريكية في المواجهة مع إيران، رغم تعارضه مع التصريحات والوعود الأوروبية.

 

دلالات اتصال ماكرون بروحاني

 
أما دلالة إقدام أوروبا على تدشين "إينستكس" في هذا التوقيت، أو خطوات أوروبية أخرى، مثل معاودة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون اتصالاته الهاتفية، مع نظيره الإيراني، حسن روحاني، الأسبوع الماضي، بعد توقف دام أشهر عدة، إثر فشل جهود ماكرون في إقناع روحاني باللقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اجتماعات الجمعة العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2019، فهي محاولة أوروبية لإدارة الخلافات مع طهران على ضوء الانشغال بأزمة كورونا، والحؤول دون المزيد من التوتر معها في الوقت الراهن.

لذلك، فإن أوروبا تحاول من خلال هذه الخطوات شراء المزيد من الوقت، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور مستقبلا، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الأول (نوفمبر) المقبل. كما أنها على الأغلب ليست بعيدة عن سعي أوروبي لترسيخ معادلة جديدة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، في سياق إدارتها المؤقتة للخلافات مع إيران، ترمي إلى إبقاء الخطوات الإيرانية النووية، على ما هي عليه اليوم وعدم تجاوزها ذلك، بعد تخلي طهران عن القيود المفروضة على برنامجها النووي خلال الشهور الماضية، إذ أن طهران على الرغم من إنهاء هذه القيود، لكنها تحمل في جعبتها الكثير في هذا الصدد، لم تستخدمه، مما أبقى خطواتها على المستوى العملي بعيدة جدا عما كان في مرحلة ما قبل الاتفاق، رغم إنهائها نظريا، فعلى سبيل المثال، فإن مستوى تخصيب اليورانيوم اليوم 5 في المائة، رغم تجاوزه نسبة 3.67 في المائة، المنصوص عليه بالاتفاق، بينما كان قبله 20 في المائة. والحال نفسه بالنسبة لعدد أجهزة الطرد المركزي. كما أن الرقابة "الصارمة" للوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعاون الإيراني في هذا الخصوص، لم يطرأ عليها تغيير، وهي مستمرة، والخطوات الإيرانية لم تطاول هذه الرقابة بعد.
 
أما في ما يرتبط بالموقف الأمريكي من تدشين آلية "إينستكس"، فاللافت أن واشنطن لم تسجّل اعتراضا، مما يرجح احتمال أن الخطوة قد حصلت بضوء أخضر أمريكي، في تدبير للتخفيف من حدة الانتقادات التي تتعرض لها واشنطن هذه الأيام بسبب الإصرار على استمرار العقوبات رغم أنها فاقمت الظروف الصعبة التي تواجهها إيران على خلفية تفشي كورونا. بالتالي، على ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية أيضا هدفت بموافقتها على إرسال أوروبا مستلزمات طبية إلى إيران عبر "إينستكس" إلى التأكيد على صحة تصريحاتها بشأن عدم حظر الأدوية والمعدات الطبية، بينما الواقع يعكس أمرا مختلفا.
 
وفي السياق، يمكن فهم إعلان كوريا الجنوبية، أمس الجمعة، موافقة واشنطن على إرسالها مساعدات طبية إنسانية إلى إيران لمواجهة كورونا.

التعليقات (0)