هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد فوز المرشح الديمقراطي الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الأخيرة إلى الواجهة احتمال استئناف التفاوض مع إيران ومعه إمكانية عودة الإدارة الأمريكية المقبلة إلى الاتفاق النووي مع طهران، على ضوء تصريحات داعمة لبايدن وفريقه لهذا الاتفاق قبل الانتخابات، غير أن ثمة معطيات تشير إلى أن هذه العودة لن تكون سهلة، حتى وإن كانت لدى الرئيس الأمريكي المنتخب رغبات صادقة في ذلك.
إذا ما افترضنا أن بايدن بصدد اتخاذ مسار آخر مع إيران، سيواجه تحديات وعراقيل كبيرة، خارجية وداخلية. التحديات الخارجية التي أشار المراقبون خلال الأسبوعين الأخيرين إلى بعضها، تتمثل أولا في التركة الثقيلة للرئيس الأمريكي الخاسر دونالد ترامب، حيث أسست هذه التركة واقعا صعبا، ليس سهلا على بايدن تجاوزها إن أراد، وهو واقع يختلف تماما عن عهد معلّمه باراك أوباما، وكما قال بايدن نفسه فهو يواجه عالما جديدا وإدارته تختلف عن إدارة أوباما لاختلاف الظروف. غير أن كاتب السطور يتوقع أن الرئيس الأمريكي الجديد أكثر سعادة بهذه التركة وسيعمل على توظيفها واستغلالها أشد الاستغلال على أمل الانتزاع من إيران تنازلات مؤلمة ما لم يفلح فيه ترامب.
أما التحدي الثاني فهو حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، في مقدمتهم الاحتلال الإسرائيلي الذي سيقف رئيس وزرائه المتطرف بنيامين نتياهو بالمرصاد للرئيس الأمريكي المقبل، إذا ما حاول تغيير المسار تجاه طهران. كما من المتوقع أن تشكل إسرائيل ومحور المطبيعين (السعودية والإمارات) مجموعة ضغط مشتركة بغية الإبقاء على استراتيجية الضغط الأقصى ضد إيران بوتيرتها الحالية وعدم السماح باستبدالها باستراتيجية التفاوض وإلغاء العقوبات، رغم قناعني أنه يستبعد رفع هذه العقوبات، حتى إن قرر بايدن العودة إلى الاتفاق النووي بأمر تنفيذي، وهو احتمال وارد.
أما التحدي الثالث الذي لم يحظ باهتمام المراقبين فهو الموقف الأوروبي، الذي يرى البعض خاطئا أن أوروبا ستشجع الإدارة الأمريكية المقبلة على العودة إلى الاتفاق وإلغاء العقوبات سريعا، بينما من تابع المواقف الأوروبية بدقة خلال الفترة الأخيرة، وتحديدا بعد الإعلان عن فوز بايدن، سيلاحظ تصعيدا أوروبيا لافتا تجاه طهران، ورفعا واضحا لسقف المطالب، بحيث أصبحت الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الشريكة في الاتفاق النووي، تطرح بإلحاح مسألة توسيع هذا الاتفاق، ما يعني أن العودة الأمريكية إليه، ليست أولوية أوروبية، وإنما الأولوية هي التوصل إلى اتفاق شامل يطاول جميع القضايا العالقة مع إيران.
لا يخفى أن مواجهة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية تشكل الأولوية القصوى للرئيس الأمريكي المنتخب، وعليه فهو يحتاج إلى موافقة غالبية أعضاء مجلس الشيوخ لتمرير خططته الاقتصادية لاحتواء تبعات كورونا، وخفض نسبة البطالة وإنعاش الاقتصاد الأمريكي،
وفي ما يرتبط بالتحديات الداخلية، فأهمها هو المعارضة القوية التي سيواجهها بايدن إن أراد العودة إلى الاتفاق النووي بمعنى إلغاء العقوبات. هذه المعارضة سيكون لها مفعولها العملي، إن سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. لكن حتى الآن هذه السيطرة ليست مضمونة، وهي مرتبطة بنتائج التنافس على مقعدي ولاية جورجيا في الانتخابات التي ستجرى يوم الخامس من كانون الثاني (يناير) المقبل. إن سيطر الجمهوريين على هذا المجلس، فذلك يمثل عقبة كبيرة أمام بايدن إن أراد اتخاذ مسار آخر غير مسار ترامب تجاه طهران.
لا يخفى أن مواجهة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية تشكل الأولوية القصوى للرئيس الأمريكي المنتخب، وعليه فهو يحتاج إلى موافقة غالبية أعضاء مجلس الشيوخ لتمرير خططته الاقتصادية لاحتواء تبعات كورونا، وخفض نسبة البطالة وإنعاش الاقتصاد الأمريكي، بالتالي إذا حصل الجمهوريون على أحد المقعدين في ولاية جورجيا، ليكسبوا به الأغلبية في مجلس الشيوخ، ففي ظل موقفهم الرافض للعودة إلى الاتفاق النووي، سيصبح بايدن أمام ثنائية، بين كسب دعم هذه الأغلبية لخططه الاقتصادة والانضمام مجددا إلى الاتفاق. وفي هذه الحالة، لا يحتاج المرء إلى عناء ليعرف ماذا سيختاره الرئيس الأميركي الجديد.
غير أن هناك خيارا واحدا أمام بايدن في هذه الحالة، وهو اتخاذ أمر تنفيذي سريع بعيد دخوله إلى البيت الأبيض بعد العشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل لإعادة واشنطن إلى المجموعة 1+4 ليصبح الرقم 1+5 والحؤول بذلك دون إدخال هذه المسألة في أي مساومات مستقبلية مع الجمهوريين لاحقا، عندما يقدم خططه الاقتصادية تنفيذا لوعوده الانتخابية. إذن، يمكن القول إن مصير الاتفاق النووي مرتبط بشكل أو آخر بمصير التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين على المقعدين بمجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
يشار إلى أن الحزب الجمهوري ضمن حتى الآن 50 مقعدا من أصل 100 بمجلس الشيوخ، والحزب الديمقراطي 48 مقعدا، وفي حال فاز الجمهوريون بواحد منهما سيكسبون الأغلبية، لكن إن فاز الديمقراطيون بالمقعدين، سيصبح عدد مقاعد كل من الحزبين متناصفا، وفي الحالة، سيصبح الحزب الديمقراطي الأغلبية، لأن الدستور الأمريكي يمنح نائب الرئيس الأمريكي تلقائيا منصب رئيس مجلس الشيوخ، بالتالي سيكون بإمكان كامالا هاريس نائبة بايدن المشاركة في اتخاذ عملية القرار حول قضايا خلافية، لترجح الكفة لصالح زملائها في الحزب بالمجلس.