هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المشروع الذي أقره البرلمان الإيراني، مطلع الشهر الجاري، لاتخاذ خطوات نووية في مواجهة تطورات الاتفاق النووي المترنح وتحوله فورا إلى قانون بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه، ليس قرارا برلمانيا فحسب، وإنما هو قرار سيادي في إيران، رغم إعلان الحكومة الإيرانية معارضته لهذا المشروع، الذي يحمل عنوان "الخطوة الإستراتيجية لإلغاء العقوبات" الأمريكية، ويمهل أطراف الاتفاق النووي شهرين لتنفيذ تعهداتها بما يمكّن طهران من جني ثمار هذا الاتفاق اقتصاديا من خلال إبطال مفاعيل العقوبات، وذلك قبل أن يدخل القانون حيز التنفيذ، وتقدم إيران على خطوات نووية مهمة، أهمها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة وحتى أكثر من ذلك، فضلا عن إنهاء العمل وفق البرتوكول الإضافي الأممي الذي تعهدت به إيران "طوعا" بموجب الاتفاق النووي لإخضاع منشآتها النووية لرقابة صارمة وغير مسبوقة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مقاربة إيرانية جديدة
المتابع للسياسة الإيرانية، يعرف جيدا أن خطوة كبيرة كهذه التي تعني بالدرجة الأولى انسحاب إيران من الاتفاق النووي من دون الإعلان عنه، أكبر من أن يكون مجرد قرار برلماني، وعليه يمكن القول إنها تعكس توجه صانع القرار الإيراني نحو تغيير استراتيجية طهران في التعامل مع الاتفاق النووي، وذلك بعد وصوله إلى القناعة بأن استراتيجية "الصبر" لمدة عام وثم استراتيجية "الخطوات النووية المتدرجة" لتقليص التعهدات على مدى عامين، لم تحققا المطلوب لكونهما لم ترغما الأطراف الأخرى (الأوروبيين) إلى الوقوف ضد العقوبات الأمريكية، بل على العكس اتخذت هذه الأطراف مقاربة أخرى للمشهد لتدعو إلى توسيع الاتفاق بما يشمل برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية.
توجه إيران نحو مقاربة جديدة في الصراع مع الغرب، عبر تبني استراتيجية جديدة، ليس له علاقة بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن من الأساس، إذ أن المشروع البرلماني مطروح منذ 5 أشهر تقريبا في أروقة البرلمان الإيراني، وأنه أعد لمواجهة المرحلة المقبلة بعد الانتخابات الأميركية، اذا ما فاز ترامب مجددا أو فاز بايدن ولم يغر المسار.
ولذلك، كان مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) قد وافق على طرح المشروع للمناقشة البرلمانية بأغلبية الأصوات قبل يوم الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، أي يوم قبل إجراء الانتخابات الأمريكية، لكنه لم يعطه الأولوية لتتم مناقشته سريعا، وعلى ما يبدو كان البرلمان الإيراني بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأميركية واستشفاف أداء بايدن على ضوء ارتفاع حظوظه بالفوز.
ولذلك بعد الإعلان عن فوزه لم يضع البرلمان المشروع ضمن جدول أعماله للبت في تفاصيله، غير أن حادث اغتيال العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زادة، يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قد فرض الأمر كأولوية قصوى أمام البرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون، وقدّم موعد مناقشة المشروع وإقراره.
توجه إيران نحو مقاربة جديدة في الصراع مع الغرب، عبر تبني استراتيجية جديدة، ليس له علاقة بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن من الأساس، إذ أن المشروع البرلماني مطروح منذ 5 أشهر تقريبا في أروقة البرلمان الإيراني، وأنه أعد لمواجهة المرحلة المقبلة بعد الانتخابات الأميركية، اذا ما فاز ترامب مجددا أو فاز بايدن ولم يغر المسار.
وفيما يرتبط بمعارضة الحكومة الإيرانية للقانون، فإما أنها تعود إلى تصاعد اختلاف وجهات النظر حول إدارة هذه المرحلة من الصراع على ضوء فوز بايدن، والذي ترى الحكومة فيه فرصة للعودة إلى المسار الدبلوماسي بغية إلغاء العقوبات الأميركية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد الذي كان أحد مهندسي الاتفاق عندما كان نائب سلفه باراك أوباما عام 2015، أو أن هذه المعارضة تأتي انطلاقا من سياسة توزيع الأدوار للضغط على الرئيس الأمريكي المقبل جو بايدن لتقديم تنازلات لطهران في موضوع العقوبات، رغم أن هذا الاحتمال يبقى ضئيلا لأن مهلة الشهرين المحددة لتنفيذ القانون ستنتهي بعد ثمانية أيام من وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وهو خلال هذه الأيام سيكون مشغولا بمتطلبات استلام السلطة، وقد لا يملك وقتا كافيا لاتخاذ قرار استراتيجي بالعودة إلى الاتفاق النووي، إلا اذا كان الجانب الإيراني قد يرى أنه بالإمكان إجباره على التفكير بالأمر من الآن ليتخذ القرار المناسب، وأن العودة إلى الاتفاق كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء الماضي، لا تحتاج إلا لـ"توقيع" من بايدن.
هدفان لإيران
لكن بغض النظر عن أسباب الخلافات بين الحكومة والجهات السيادية الأخرى بشأن القانون وجدواه، فيبدو أن صانع القرار الإيراني يتابع تحقيق هدفين من خلال إقرار القانون، الهدف الأول هو جعل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مكلفا لبقية الأطراف بما فيها واشنطن، كما كان مكلفا لإيران نفسها بعد انهيار أحد العمودين الأساسيين للاتفاق وهو رفع العقوبات التي أعادت إدارة ترامب فرضها بشكل أكبر وأوسع من قبل التوصل إلى الاتفاق.
وهنا، تريد إيران من خلال إعادة برنامجها النووي إلى ما قبل تاريخ 14 تموز (يوليو) 2015، الذي وقع فيه على الصفقة النووية، التأكيد أن التنازلات من جانب واحد قد ولى عهده، وأنه إما أن يتم إنقاذ الاتفاق النووي على أساس معادلة ربح ربح أو أن يخسر الجميع وليس فقط إيران، وأنه لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل بناء على معادلة ربح خسارة.
ويبدو أن ما يدفع إيران إلى خوض هذا المسار الجديد، هي قناعتها بأنه مهما فعلت الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين في عهد بايدن ضد إيران فلا يمكنهم الذهاب أبعد من ترامب، لأنه مارس ذروة الضغوط.
أما الهدف الثاني فهو تحسين شروط التفاوض في أي مفاوضات محتملة لاحقا بين طهران وواشنطن، وهي مفاوضات من المرجح أن تستأنف خلال المرحلة المقبلة سواء في إطار المجموعة 1+5 أو بشكل ثنائي. وهنا على ما يبدو أن الجانب الإيراني من خلال هذه الخطوات النووية اللافتة يريد فرض أجندته على المفاوضات في مواجهة أجندة الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تسعيان إلى طرح برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي خلال هذه المفاوضات، لكن إيران من خلال تلك الخطوات النووية تريد أن إرغام هذه الأطراف على التفاوض فقط حول برنامجها النووي، من دون البرنامجين الآخرين، وخاصة البرنامج الصاروخي الذي سبق وأكدت طهران عدة مرات أنها لن تتفاوض بشأنه باعتباره أمرا سياديا وخطا أحمر يمس تناوله سيادة الدولة.
وعليه، جاءت تلك الخطوات النووية الحساسة بهدف جعل البرنامج النووي أولوية في المفاوضات دون البرامج الأخرى، وأنه مقابل التنازل عن هذه الخطوات يتم تحصيل تنازلات من الأطراف الأخرى بشأن العقوبات.