ما أشبه الليلة بالبارحة!
فالليلة
سقط "سامح عاشور" مرشح السلطة في
مصر لمنصب نقيب
المحامين، والذي ظل يشغل هذا الموقع منذ عام 2001، لم تقطعها سوى دورة واحدة غير مكتملة لمنافسه "حمدي خليفة" ولمدة عامين فقط (2009- 2011). وقد فاز "رجائي عطية" بالموقع بعد محاولات عدة فاشلة، وهو من نافس "عاشور" لأكثر من دورة ولم يحالفه الحظ، حتى في الدورة التي سقط فيها، فقد سقط معه، ليصدق في "خليفة" الفائز بدون حضور أو كاريزما قول القائل: ويفوز باللذات كل مغامر!
أما البارحة فقد شهدت نقابة
الصحفيين المجاورة
لنقابة المحامين في شارع عبد الخالق ثروت بوسط العاصمة المصرية، سقوط مرشح السلطة "ضياء رشوان"، ونجاح المرشح المستقل "يحيي قلاش" في الموقع. كان هذا في آذار/ مارس 2015 بعد أقل من عامين من وقوع الانقلاب العسكري، وأقل من عام من حكم السيسي. وكانت نتيجة
الانتخابات صادمة لكاتب بحجم الراحل محمد حسنين هيكل، فكان مشغولاً في اتصالاته بالصحفيين المراقبين للانتخابات لسؤالهم عن دلالة ذلك من وجهة نظرهم، وكانت دلالته عنده هو أنه تصويت ضد نظام الحكم، وقد كان مؤيداً هو لهذا النظام وداعماً له، وهذا مصدر شعوره بالانزعاج الشديد!
صحيح أن
"رشوان" عاد مرة أخرى لموقع نقيب الصحفيين بعد أربع سنوات، لكن هذا تم بانتخابات أقرب للاستفتاء، وبعد تدخل أجهزة الدولة بمنع وجود منافسة حقيقية له، بالتدخل بالضغط على المنافسين المحتملين، ومنعهم من الترشح ابتداء. حدث هذا مع "النقيب الحالي" وقتئذ "عبد المحسن سلامة"، كما حدث مع "يحيى قلاش" نفسه، الذي انسحب من عملية الترشح في وقت لا يسمح لآخرين بالجاهزية والترشح. ويقال إن "تفاهمات" جرت معه لعدم منافسة مرشح السلطة، ورئيس الهيئة المصرية للاستعلامات!
ومن الملاحظ أن تدخل السلطة المباشر وصل إلى حد تمرير صلاحية مرشحها للترشيح بحكم قضائي، مع مخالفة ذلك لقانون النقابة، الذي يشترط لاستمرار العضوية فيها أن يكون العضو صحفياً محترفاً لا يعمل في وظيفة أو مهنة أخرى، وبمقتضى هذا النص أسقطت نفس المحكمة اسم صلاح عبد المقصود، وزير الإعلام حينها، من كشوف الجمعية العمومية.
ليس معارضاً:
الفائز بموقع نقيب المحامين ليس معارضاً، كما أنه لا يعبر عن تيار الاستقلال في النقابة، فضلاً عن أنه ليس بعيداً عن السلطة. صحيح أنه محسوب على نظام مبارك، باعتباره المحامي السابق لنجليه في القضية المرفوعة منهما ضد مجلة "المجلة" السعودية، لكنه يتقرب للنظام الجديد بالنوافل، ويتذكر الآن ما كان دعاية سلبية ضده قبل الانقلاب العسكري، وهو أنه كان ضابطاً سابقاً في الجيش، وبعد الانقلاب العسكري صار كثيرون يتذكرون ولو مرحلة التجنيد الإلزامي التي قضوها في الجيش!
وزاد "رجائي عطية" على ذلك بارتكابه "الحرام الوطني" بدفاعه عن سعودية جزيرتي "تيران وصنافير"، لكن السلطة لم تعتبره مرشحها، وتعاملت مع "سامح عاشور" على أنه المرشح المختار، ووصل تبنيها له إلى حد قيامها بتعديل "نص مقدس" في قانون المحاماة، ينص على عدم جواز الترشح لمنصب نقيب المحامين لمن شغل المنصب لدورتين متصلتين!
ويدرك المحامون طبيعة الأمر، التي تتمثل في أن "عطية"، حتى في زمن مبارك، ورغم أن الحزب الوطني في تصرف غير مسبوق سماه مرشحاً له في أول انتخابات خاضها في سنة 2001، إلا أن هذه قسمة مبارك في ما يملك، لكن ولأنه لم يكن يهتم بالتفاصيل، فقد كان "رجائي عطية" لا يروق لرجاله المسؤولون عن ملف النقابة (رئيس البرلمان، ووزير العدل، فضلا عن كمال الشاذلي) فقد دعموا سامح عاشور، وعندما لم يكن له الحق في الترشح بعد دورتين متصلتين، أقر البرلمان تعديلات على قانون المحاماة، مكنته من الترشح لدورة ثالثة، مع عدم الاقتراب من نص الدورتين، وذلك باستحداث مادة في القانون تقول إن بداية دورته تحسب بإقرار التعديلات، فسقطت الدورة الأولى من الحساب!
وقد تم تفصيل هذا النص له و"على مقاسه"، مع وجود "رجائي عطية" بقربه من السلطة ممثلة في رأسها، وخاض عاشور الانتخابات لدورة ثالثة لكنه سقط، وكان سقوطه رسالة للسلطة لا تخطئ دلالتها!
الخلفية العسكرية للجديد:
ورغم الطبيعة السلطوية والخلفية العسكرية لرجائي عطية، فإن المجلس العسكري قرب سامح عاشور بعد الثورة، مع أنه ناصري وينازع على رئاسة الحزب العربي الناصري. وفي عهد عبد الفتاح السيسي جامله النظام بتعديل "النص المقدس"، عندما اقتربت ولايته الثانية من الانتهاء، ليصبح من حقه الترشح، وكانت المجاملة الثانية في تمديد مدة الولاية الثانية له حتى يستعد للانتخابات الجديدة!
ومن هنا فقد كان سقوطه موجهاً للسلطة التي تسبغ عليه الرعاية، وتصنعه على عينها، ولو أدى الأمر إلى أن تمتد يدها لنص في القانون كان من المحرم الاقتراب منه. وانتخب المحامون "رجائي عطية" رغم تحفظاتهم الكثيرة عليه، والتي حالت دون فوزه في دورات سابقة، منافساً لذات المرشح الذي جاملته السلطة أكثر مما ينبغي مع وجود البديل الذي هو قريب من النظام بطبعه والذي صار فوزه رسالة لها، تماما كما كان فوز يحيي قلاش رسالة للسلطة، وصلت للأستاذ هيكل فأزعجته على موقف الناس من سلطة هو ينحاز لها وساهم في تمكينها من الحكم بدعمه ورعايته للانقلاب العسكري!
ولم يكن "يحيي قلاش" في عداء مع السلطة القائمة، ولم تعاد توجهه الفكري، فهو "وضياء رشوان" أبناء معمودية واحدة، فهما ينتميان للفكر الناصري، وإن كان الأخير أقرب للسلطة، وهو مرشحها، في حين أن الأول أقرب للنقابة وأكثر التصاقاً بالمهنة!
في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2000، كأول انتخابات تحت الاشراف القضائي، لم تجد الجماهير مرشحين جادين من أحزاب المعارضة، التي لم تكن مستعدة لهذه الخطوة، فصوتوا لصالح من استبعدهم الحزب الوطني من الترشيح على قوائمه من نوابه القدامى. الأمر نفسه تم في الانتخابات التالية وإن كان الاخوان قد استعدوا لها، وفي الحالتين كان تصويتا كاشفاً عن رفض السلطة القائمة!
هل وصلت الرسالة؟!