كتاب عربي 21

إسلام بلا مذاهب!

سليم عزوز
"إيران وشيعة العراق تصرفوا مع حكم صدام حسين في لحظة الغزو، كما يتصرف السوريون الآن مع هذه النهاية الأليمة لزعيم حزب الله"- جيتي
"إيران وشيعة العراق تصرفوا مع حكم صدام حسين في لحظة الغزو، كما يتصرف السوريون الآن مع هذه النهاية الأليمة لزعيم حزب الله"- جيتي
هل يعقل أن نظل على مدى 1400 عام أسرى لصراع حدث بين الصحابة بعد وفاة الرسول، حول من له الحق في الخلافة أبو بكر رضي الله عنه، أم علي كرم الله وجهه، ونسل معاوية أم الحسين، وأن ندفع من لحم الحي ثمنا لأزمة أرقت الضمير المسلم، ولم يتم الاتفاق على حل يرضي جميع الأطراف؟!

إذا تفهمنا موقف أنصار الثورة السورية من حزب الله، ومن ثم شماتتهم في مقتل أمينه العام على أيدي أعداء الأمة، فسوف نواجَه بموقف السلفيين الجدد الذين شمتوا وهللوا وكبروا، كما لو كان القتيل أحد أئمة الكفر، وكما لو كان القاتل ليس نتنياهو ولكن جيش الإسلام في واحدة من المواقع الإسلامية الكبرى!

السوريون لديهم مشكلة مع حزب الله، لأنه ناصر الأسد في حرب الإبادة التي قام بها بعد الثورة، إذ توافقت كل الأطراف على ضرورة بقائه في السلطة، ومن إيران وأذرعها، إلى إسرائيل وحلفائها، ومن الروس إلى الأمريكيين والأوروبيين، ولا يشغل الثكلى الآن من قتل الرجل، ولا يهمهم أن يجمعهم مع الإسرائيليين فرح واحد، ومع هذا التقدير لمشاعرهم الإنسانية، فإن المرء يدهشه أنهم لم يتمنوا لبوتين ما تمنوه لحسن نصر الله، ولم يسعدوا لتقدم الجيش الأوكراني سعادتهم لتقدم الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، ولا أظن أنهم سيكونون على نفس الدرجة من السعادة، إذا قتل الرئيس الروسي على يد الأوكرانيين مع أنه كان حليفا لبشار الأسد أيضا، وكان مع حزب الله في خندق سوري واحد!

السلفيون الجدد والشيعة:

الجانب الآخر في هذه الفتنة، مثّله السلفيون الجدد، الذين دفع بهم الخلاف المذهبي لتجاوز أن حسن نصر الله قتل وهو يقف على ثغرة من ثغور المقاومة، فعندما أحيط بالمقاومة الفلسطينية من كل جانب، وجرى العدوان على سكان غزة، أينما حلوا، فلم يكن لهم نصير إلا إيران وأذرعها في المنطقة، بينما أهل السنة والجماعة خارج الحسابات تماما، ولم يمتنعوا مع هذه الأهوال عن تنظيم مباريات كرة القدم، وحفلات الصخب الغنائي. حيث تبدو السلفية الجديدة، غير مشغولة بفكرة العداء لإسرائيل، أو حتى العدوان على المسجد الأقصى!

وهم دائما يبحثون عن ذريعة لتأكيد موقفهم ضد الشيعة في المعارك التي تتجاوز المذاهب، وقد عشنا لسنوات طويلة في ظل دعاية تصور أن الشيعة عملاء للغرب، وأن إيران حليفة للغربيين، إن لم تكن عميلة، فقد أسقطت النظام السني في العراق، وجاء التمدد الشيعي هناك على حساب الوجود السني، دون أن تعرف لهم موقفا عندما كان الأمريكان يحاصرون العراق، ويسقطون نظام صدام حسين، الذي كان بالنسبة لهم نظاما بعثيا يعادي الله ورسوله، لكنهم لا يتذكرون مذهب صدام الديني، وقيام الشيعة بإعدامه، إلا عندما تكون المواجهة مع الشيعة، "ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها"!

وهكذا فهم يجلسون على الرصيف، ولا يعتبرون أنفسهم مدعوين لنصرة أحد، فحكم البعث خارج على الإسلام، وصدام وهو يواجه الحصار والغزو لا يشغلهم، إلا عندما يكون استدعاؤه يخدم قضاياهم المذهبية، ولا كلمة منهم ضد تقاعس المحور السني عن نصرة غزة، ولكنهم ينفرون خفافا وثقالا ضد إشادة المقاومة بموقف إيران، وحزب الله، والحوثيين.. فماذا فعلوا هم؟.. لا شيء!

وهم يتهمون المحور الشيعي بالعمالة لإسرائيل، حتى إذا أعلنت إسرائيل الحرب عليهم، تعصبوا ضد المذهب، وكأن نتنياهو مسخر لخدمة أهداف أهل السنة والجماعة بالعدوان على جنوب لبنان!

وهم في التأكيد على عمالة الشيعة للغرب ينظرون إلى العائد عليهم من غزو العراق وتدمير الجيش العراقي وعزل صدام حسين، ولا شك أنهم تمددوا بسبب هذا، ودان لهم العراق، وتخلصوا من حركة مجاهدي خلق المعارضة لهم، واعتبروا ما حدث رمية بغير رام، ولم يكن الطرف الشيعي يملك الاستقامة السياسية اللازمة للتعامل مع الأمر، فلم ينظروا إلا تحت موضع نعالهم!

في خدمة الغرب:

وإيران، وشيعة العراق (في جانب كبير منهم)، تصرفوا مع حكم صدام حسين في لحظة الغزو، كما يتصرف السوريون الآن مع هذه النهاية الأليمة لزعيم حزب الله، على أيدي الإسرائيليين، فبعيدا عن التفاصيل، فقد فرض صدام حسين حربا على إيران استمرت أكثر من ثماني سنوات، أنهكت الجيشين العراقي والإيراني، وكان هذا بدعم من دول المحور السني!

وهذا المحور السني، اعتمد عليه الأمريكان في هزيمة الاتحاد السوفييتي وتفكيكه، وكثيرا ما أسأل نفسي الآن: هل كان لازما على المسلمين أن يهبوا من كل مكان، لمحاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان، مع وجود حكومة موالية له، وتقرع طبول حرب الإسلام، بزعامة القادة العرب، الذين سهّلوا ومولوا عملية الشحن والتفريغ؟ فلماذا لم يتم اعتبار مواجهة هذا الاحتلال شأنا أفغانيا خاصا؟!

وإذا كانت الأطراف هنا وهناك قد أدت خدمات للغرب، ومشروعه الاستعماري، فإن شيعة العراق أيضا كانوا في عداء مع صدام حسين، وقرروا أن يكون عداء مذهبيا، وقد مارس استبداده عليهم، وهو استبداد لم يختص به طائفة أو مذهب، كما لم تقتصر عضوية البعث على طائفة أو مذهب. وقد قبلوا على أنفسهم أن يدخلوا العراق على متن الدبابات الأمريكية!

إذا كان المطلوب هو تأجيل المواجهة، وهو رأي وجيه لكن لا بد من إعلانه؛ ذلك بأن مساحة المناورة تضيق عليهم، ولا يجدي الهروب، فنعلم أن المذهب عندهم مقدم على المبدأ، وهي القاعدة الحاكمة لدى الطرفين، حد قبول الطرف الآخر بدخول العراق على الدبابات الأمريكية، انتصارا للمذهب أيضا وليس للمبدأ!

وإذ مثل احتلال العراق تمددا لإيران في المنطقة، فها هي واشنطن تبدأ في تنفيذ مخططها، بالمواجهة هذه المرة مع الشيعة، فهي وإن لم تخفف قبضتها على إيران، إلا أنها لم تجد بأسا من الهيمنة الشيعية على العراق واليمن، لكن البأس الشديد في أن جبهات المولاة للإيرانيين في المنطقة هي عون للمقاومة الفلسطينية، وليس سرا أن إيران تدعم المقاومة بالمال والسلاح على مدى سنوات!

وكأني بأحد النائمين يهب من سباته، ويردد الأسطوانة المشروخة بأن هذا الدعم، للانتقام من خصومهم الغربيين.. أنت تقول خصومهم؟!

إن هذا الموقف يعد تطورا لخطاب بائس مفاده أنه لا دعم من القوم للمقاومة الفلسطينية، ليدخلونا في جدل عقيم، فالمقاومة تقول بهذا الدعم، لكن القوم الذين ليس لهم في الثور ولا في الطحين، ينفونه وكأنهم صاروا هم المقاومة؛ لا حماس، ولا السنوار، فالانتصار الوهمي للمذهب يجعل القوم لا يشغلهم لو انفردت إسرائيل بغزة وقتلت مقاومتها وأماتت شعبها من الجوع، فيجمعهم مع نتنياهو فرح واحد!

إن حسن نصر الله لم يُقتل في دمشق على يد الثوار، ولم يقتل وهو ينتصر لمذهبه، ولكنه قتل على يد عدوه وعدونا، وفي معركة تجاوز فيها مذهبه وانحاز للمقاومة الفلسطينية من أهل السنة، فالأصل أن فلسطين تجمع السنة والشيعة، إلا إذا كان للسلفيين الجدد رأي آخر، إذا كان من السهل عليهم إعلانه، فهل يمكنهم البحث عن بديل لنصرة المقاومة من ذات المذهب، إلا إذا كان المطلوب هو تأجيل المواجهة، وهو رأي وجيه لكن لا بد من إعلانه؛ ذلك بأن مساحة المناورة تضيق عليهم، ولا يجدي الهروب، فنعلم أن المذهب عندهم مقدم على المبدأ، وهي القاعدة الحاكمة لدى الطرفين، حد قبول الطرف الآخر بدخول العراق على الدبابات الأمريكية، انتصارا للمذهب أيضا وليس للمبدأ!

وهو التعصب المذهبي الذي تدفع الأمة ثمنه منذ قرون طويلة، الأمر الذي ذكرنا بعنوان كتاب للمفكر الإسلامي مصطفى الشكعة "إسلام بلا مذاهب"، ولم أقرأ الكتاب لأعرف فكرته، لكن هذا الخلاف الذي يجعل كل طائفة تأخذ حظها من الوقوف في خندق الأعداء، يجعلنا نأخذ بالظاهر من العنوان!

"إسلام بلا مذاهب"!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)