طويل القامة، يتحرك بخفة عالية، تكسوه ابتسامة جميلة، يُسيطر على توازنه في أغلب المواقف المحرجة.. صاحب نكتة ملفتة للانتباه، مكافح من أجل أن يُعيل أسرته المتعففة.. خبرته الجيدة في تركيب الكاميرات أبرزت ذكاءه الاجتماعي بشكل واضح.. هكذا بدت شخصية"عمر" الممثل
المصري كريم عبد العزيز في مسلسل "الزيبق" الجزء الأول.
ولأنَّ المخرج أراد لشخصية "عمر" أن يعمل مع
المخابرات المصرية عن طريق اللواء المتقاعد "جلال"، فقد كان من الضروري أن يعمل في شركته المختصة في تركيب الكاميرات، وبعد اختبارات عدة ظهرت أصالة "عمر" المواطن المصري المنتمي لبلده والرافض للاحتلال
الإسرائيلي في فلسطين، عندها عرضت قيادة المخابرات العامة عليه خدمة مصر في مهمة خارج البلاد، وهنا ظهرت شخصية الممثل القدير "شريف منير" كمسؤول في المخابرات المصرية. ووافق "عمر" بعد تفكير عميق بالمخاطر الشخصية، ونتائجها على الأهل والولد.
الوصول للمزيد من المعلومات عن نشاط المخابرات الإسرائيلية في اليونان بمدينة أثينا، هدف المهمة. وأهمية "أثينا" كما نعلم أنها محطة مهمة للعرب الذين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا، لذلك من الطبيعي أن تضع الأفاعي شباكها هناك. فقد كشف المسلسل استغلال المخابرات الإسرائيلية لبعض الشخصيات العربية في جمع المعلومات عن المهاجرين العرب، بهدف إسقاط بعضهم أخلاقياً وأمنياً.
إذ يرُكز
الموساد الإسرائيلي كما يظهر في المسلسل على إسقاط أهم
الشباب العربي الساخط على أوضاع بلده، ولديه رغبة في الانتقام من الحزب الحاكم المستبد، وفي الوقت نفسه يمتلك مهارات جيدة تُمكنه من الوصول إلى أمكان حساسة في دولته.
وبما أنَّ "عمر" لديه مهارة في تركيب الكاميرات، فقد تم تدريبه على طريقة تفكير المخابرات الإسرائيلية في التجنيد، وآليات التعامل مع المواقف المستجدة، وطرق التواصل في حال الضرورة، وتم إعلامه بطريقة تفكير "سالم" الشخصية المصرية التي تتعاون مع الإسرائيلي، ليكون طعماً سهلاً للعدو الإسرائيلي.
وصل عمر أثينا بحجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر، واستقر في منزل صديق والده. بدأ يتردد على كافيه القهوة التي يتجمع فيها أغلب العرب، ولاحظ "سالم" شخصية عمر المتقدة بالذكاء والنكتة المصرية، فبدأ يجمع عنه المعلومات حسب التعليمات الإسرائيلية، ولما تأكد أنَّ عمر هو الصيد المطلوب تواصل فوراً مع "داني" المسؤول الإسرائيلي، وأعلمه بما لديه من معلومات مهمة، وهنا أظهر المخرج نفسية سالم المتردية في وحل المال والنساء.
بدأ الإسرائيلي يُراقب عمر، ورتب معه لقاء عن قرب، وحاول إسقاطه عن طريق النساء أكثر من مرة ولم ينجح، وعندما تأكد من أهميته عرض عليه التعاون بشكل مباشر، وافق عمر، وبدأ يتعامل معه بذكاء، ولما اطمأن الإسرائيلي لولاء عمر، أظهر له معلومة لم يكن سالم على دراية بها، فقد كشف المسلسل أنَّ مدير شؤون الهجرة للعرب في أثينا المتمثلة في شخصية "سارة" هو مسؤول الموساد الإسرائيلي هناك. صُدم عمر لهذه المعلومة، خصوصاً أنه تعامل معها للحصول على الإقامة، وأرسل عن طريقها صفقة كاميرات لمصر، حتى المخابرات المصرية تفاجأت من المعلومة فور وصولها من عمر.
بالتأكيد لم يخل المسلسل من الجانب العاطفي، لكني أردتُ أنْ أركز على طبيعة الصراع في المنطقة العربية، ووسائله المختلفة. عموماً، انتهى الجزء الأول عندما رُتبت زيارة لعمر إلى تل أبيب، على أمل معرفة ماذا سيحدث في الجزء الثاني، غير أنَّ موسم رمضان 2018 لم يشهد إنتاجه لأسباب فنية، وقيل أنه سينُتج في موسم 2019 ولم يحدث بالرغم من نجاحه الكبير، فهل سينتج في رمضان 2020؟ أم أننا أمام قرار جهات عليا بعدم بثه؟!
وإذا كنا أمام إقرار السؤال الأخير بالصحة فهذا يعني أنَّ محتوى المسلسل يعكس أساس الحقيقة المتمثلة في دور إسرائيل في المنطقة، ويُبرهن على أهمية دور الأفلام والمسلسلات في تشكيل البنية العقلية، وهذا يدعونا إلى استثمار هذه الأدوات في تعزيز الوعي السياسي والحضاري لدى أجيالنا القادمة.
لستُ متأكداً من أن المسلسل يُحاكي الواقع بتفاصيله، لكني على تمام اليقين من أنَّ الموساد الإسرائيلي وظيفته الاستيطانية في المنطقة العربية أثبتت أنه خلف تمزيق الوطن العربي وتعزيز استبداده، وقتل العلماء والمفكرين، ونشر الفوضى وتزييف الوعي، بإثارة الخلافات وتأجيج الحروب، والاستيلاء على موارد الوطن العربي والتحكم في ممراته المتعددة.
"إسرائيل" التي تتسبب في معاناة الشباب العربي بطرق مختلفة بلا شك سوف تتصيد الطاقات المبدعة في مكان آخر للقضاء عليها بالكلية، فهل لي أنْ أطلق صرخة تحذير لكل أبنائنا الذين هُجروا من القهر إلى الموت! وماذا يمكن لك أنْ تُطلق؟