ملفت كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضعه اليد على الثروات الطبيعية في
سوريا، لا سيما
النفط الموجود في الشمال السوري. ولا شك في أن الارتباك الأمريكي قد صاحب خطوة الانسحاب من تلك المناطق بالتزامن مع العمليات التركية ضد الوحدات الكردية، وعملية تصفية البغدادي وما صاحبها من غموض وإظهار على طريقة الفيلم الأمريكي الطويل، ناهيك عن سياسة القضم الروسية في كل المواقع التي كانت تخلو من السيد الأمريكي، في
صراع مبطن بين الروس والأتراك من جهة، ورسالة روسية للقوات الأمريكية من جهة أخرى؛ مفادها بداية الصراعات على النفط السوري.
وقال ترامب: "لقد حاول داعش حفظ سيطرته على النفط، أما الآن فأصبحنا نحن الذين نسيطر عليه بشكل كامل. وأقول بكل صراحة إننا نتمتع في هذا الشأن بدعم عدد كبير من الناس والدول. وفي حقيقة الأمر، لم يبق في هذه الأراضي السورية من عسكرينا سوى من يحمون النفط. النفط في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء".
إن التحول في النظرة الأمريكية إلى النفط في سوريا يدعو كل الأطراف إلى القلق، فالحكومة السورية التي تفاوض مع المعارضة بكل أطيافها، تعلم مسبقا أن لا غطاء لأي اتفاق على الدستور، ثم ما يتبعه من خطوات بغير غطاء امريكي مصحوب بغطاء روسي، وذلك بفعل ما للدب الروسي من قدرة وتماه مع قرارات القيادة السورية.
وفي المقابل، أين الأتراك من هذا التحول في ظل لعبة الغاز الدائرة في حوض المتوسط؟ خصوصا بعد منتدى القاهرة، الذي ضم اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل، والذي قابلته الحكومة التركية بالاتفاق مع حكومة السراج الليبية، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا بشأن تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط "حق سيادي لكلا البلدين، وإن تركيا لن تناقشه مع أحد".
وفي ظل الثورات المتنقلة من بغداد إلى بيروت وصولا إلى بعض المحافظات الإيرانية، ما هو دور طهران وموقفها من الخطوات الأمريكية في الشمال السوري؟ علما أن وزير الخارجية الأمريكي قد شن هجوما لاذعا على طهران، متهما إياها بنشر الفساد في المنطقة.
إن الصريح والواضح أن كميات النفط السورية المعلنة والمنتجة ليست بالرقم الهائل إنتاجيا. فمن المعروف أن إنتاج سوريا النفطي بلغ في عز أوجه حوالي 600 ألف برميل يوميا، فكيف بالحال الآن؟ وتشير المصادر إلى أن الحرب دمرت القطاع النفطي في سوريا، لينخفض إنتاج البترول السوري الرسمي في العام 2018 إلى ما دون 20 ألف برميل في اليوم الواحد، بعدما بلغ 380 ألفا قبل بدء النزاع في 2011.
بعبارة أخرى، إن الاحتياطي المعلن من النفط والغاز في سوريا، لا يبرر هذا الصراع المحموم للسيطرة، أو البقاء هناك من جانب قوى رئيسية في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن هذا الاحتياطي حاليا لا يتجاوز 2.5 مليار برميل من النفط، وهو ما لا يجعل أمريكا، مع منطق التاجر السائد في عهد ترامب، أن تغامر ببقاء جنودها، إلا إن كان لدى الأمريكان مسوحات زلزالية تشير إلى كميات هائلة من النفط على ما تقول بعض المصادر والمواقع.
لكن بنظرة عملية أقرب إلى الواقع، أرى أن القرار الأمريكي يستند إلى ثلاث ركائز:
أولها: الأهمية الجيو- استراتيجية لموقع سوريا، المجاورة بحريا وبريا للخطط الأمريكية المستقبلية في المنطقة.
ثانيها: أهمية سوريا الاقتصادية، التي تعد ممرا وموطئ قدم عبر البر لتصدير النفط والغاز من إيران والعراق والخليج عبر مشاريع عملاقة بخطوط نقل النفط بالأنابيب إلى أوروبا عن طريق تركيا، بالإضافة إلى (ومن شبه المؤكد) احتمالات تحقيق اكتشافات للغاز في مناطق الساحل السوري، لاسيما بعد المسوحات الحاصلة في كل حوض شرقي المتوسط من مصر إلى لبنان وقبرص، ومن ثم حضور الشركات الأمريكية النفطية الكبرى.
وثالثها: حضور الأمريكي في اتفاقات إعادة إعمار سوريا، التي ستكون أرقامها بمئات المليارات على ما تؤكد العديد من البيوت الاستشارية المعنية.
لا شك في أن الأيام القادمة تحمل دلالات جديدة لقراءة خطوة ترامب، التي من المؤكد ستكون إحدى مسارات الجدل في نقاط القوة والضعف في الحسابات الضيقة للانتخابات الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين.