هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الجزء الرابع والأخير من حديثه لـ "عربي21"، يقيم الناقد السيميائي المغربي سعيد يقطين المشروع الثقافي للإسلاميين، ويتساءل عن سماته وقسماته، مؤكدا أن الإسلاميين مثل غيرهم ممن سبقهم من الاشتراكيين، دخلوا معترك السياسة بدون رؤية، واضطرهم واقع الاندماج السياسي ومواجهة الإكراهات العارضة إلى التكيف مع الثقافة السائدة.
ويعتبر يقطين أن تجربة الإسلاميين مثل تجربة الاشتراكيين في العالم العربي، لم تفرز مخرجات فكرية مؤسسية، وإنما غلب عليها الطابع الفردي، وأن الغالب البارز في إنتاجهم دعوي، وأن الخطاب الفكري تراجع تماما لجهة هيمنة الخطاب الوعظي، ومع تخوفه من سقوط الإسلاميين في نفس أخطاء الاشتراكيين في التقدم نحو الديمقراطية، يرى يقطين أنهم للأسف، يسيرون في نفس الخطى، ويفقدون القدرة تدريجيا على الإمساك بزمام المبادرة وتوفير الشروط الأساسية لتوطين الديمقراطية في العالم العربي إلى جانب حلفائهم الموضوعيين.
ويرى يقطين أنه ليس هناك أي مبرر للتخوف من الإسلاميين ومشروعهم الثقافي والفكري ما دامت هناك قواعد حاكمة للسياسة ولعبتها، وما دامت التجربة تؤكد انضباطهم لها وعدم خروجهم عن مستلزمات البيئة السياسية.
وبخصوص تقييمه لصراع قوى الديمقراطية والإصلاح وقوى النكوص والردة الديمقراطية في العالم العربي، يرى يقطين أن رياح الربيع العربي بدروسها المختلفة وسقوط أنظمة شمولية استبدادية، يؤكد بأن المعركة لا تزال مستمرة بين من يريد إعادة ممارسة السلطة على ما كانت عليه قبل الربيع العربي، وبين من يريد فتح مجال السياسة الواسع أمام الشعب، وأن المعركة بين الإصلاح والفساد ستستمر، وأن الزمن كفيل بإبراز صدق أو خطأ رهانات كل طرف على حدة، مع أن سياق الربيع العربي أكد ـ حسب يقطين ـ أن تجربة الحكام الذين أقيلوا، أو اغتيلوا برهن أن الضمانات التي يبنون عليها بقاءهم في السلطة لا أساس لها، وأن من يدعي حمايتهم هو أول من يتخلى عنهم، وأن من يصفق لهم اليوم، هو أول من يمد يده للمطالبة بجلائهم.
ـ "عربي21": بالأمس البعيد، كان ثمة تخوف كبير من المشروع الثقافي للإسلاميين، لكن بعد مسار من مشاركتهم السياسية، وتجربتهم في المشاركة في مربع الحكم في بعض التجارب بعد الربيع العربي، تم تتبع مفردات مشاريعهم الثقافية، هل ترى أن ثمة مبررات للاستمرار في التخوف من هذه المشاريع؟ وهل تشكل خطرا على مسار المجتمعات العربية نحو التحديث؟
ـ سعيد يقطين: أتساءل أولا ما هو المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر؟ وهل تمت فعلا بلورة رؤية إسلامية جديدة للتغيير تتلاءم مع ما ينتظره المواطن العربي ويتوقعه من العمل السياسي في ما يتصل بحياته اليومية الداخلية، من جهة؟ وهل يستجيب هذا المشروع الثقافي لما تفرضه متطلبات هذا العصر مع ما طرأ مع العولمة والرقميات، على المستوى الخارجي، من جهة أخرى؟
في تصوري المتواضع هناك اجتهادات فردية لم ترق إلى المستوى الذي يمكنها من أن تكون مدخلا لمشروع ثقافي ذي خلفية إسلامية. ويمكنني تبعا لذلك أن أستنتج أن ممارسة السياسة لدى الإسلاميين فرضت عليهم الانخراط في الواقع السياسي بما فيه من إكراهات ومراغمات لتدبير الحياة اليومية بدون رؤية إسلامية. وما وقع للإسلاميين اليوم هو ما سبق للاشتراكيين بالأمس أن وقعوا فيه للأسباب نفسها (غياب رؤية دقيقة للواقع من المنظور الاشتراكي) عندما تقلدوا المسؤولية، وكانت النتيجة النهائية قاصمة للظهر بالنسبة إليهم.
أدى التجاذب بين الإسلاميين ومعارضيهم إلى فقدان الثقة لدى المواطنين في العمل السياسي ككل
لقد أدى التجاذب بين الإسلاميين ومعارضيهم إلى فقدان الثقة لدى المواطنين في العمل السياسي ككل. كانت السجالات السياسية العنيفة هي الطاغية، وكان تعطيل المشاريع الكبرى مهمينا في كل القطاعات. أما على المستوى الثقافي فقد صار الحديث عن الإسلام مشرعا للجميع بدون رؤية ولا مسؤولية ولا أخلاق، ولعبت القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في إشاعة الفتاوى المضحكة المبكية، في جانب. وفي الجانب الآخر كانت الهجومات المجانية حول الإسلام إما من خلال تناول بعض المظاهر السلبية في التاريخ الإسلامي وتضخيمها، أو من خلال التهجم على مصنفات ذات قيمة خاصة لدى المسلمين. وبدل الدعوة إلى الحوار والنقاش العلمي كانت المطالبة بالمحاكمات أو تصدير الكتب.
أرى أن التخوف من الحركة الإسلامية لا مبرر له ما دامت هناك قوانين تحكم اللعبة الديمقراطية، وتعطي للناخب أحقية اختيار من يستجيب لأفق انتظاراته. فكما عاقب الناخب المغربي الاشتراكيين، وأعطى الفرصة للإسلاميين يمكنه أن يسحبها منهم متى فشلوا في تدبير الشؤون وتخليق الحياة السياسية. كنت أخشى أن يقع الإسلاميون في خطأ الاشتراكيين، ويبدو لي أن طعم السلطة لا يمكنه إلا أن يجر إلى ممارسات تضر بمسار الديمقراطية، وهذا هو الخطير. أما ما يقال عن "التحديث"، فأراه حديث خرافة.
التجاذب الحقيقي ليس بين الحداثة والإسلام
ـ "عربي21": يعيش العالم العربي على إيقاع اصطفاف ثقافي ثنائي حاد بين الجهات التي تدعم مسار الدمقرطة في العالم العربي وبين الجهات التي تقاوم هذا المشروع وتدفع في اتجاه تعميم تجربة الخريف الديمقراطي؟ إلى أي حد يخدم هذا الاصطفاف مصلحة الحقل الثقافي وما مسؤولية المثقف العربي اتجاهه؟
ـ سعيد يقطين: سؤال وجيه. إنه يؤكد أن التجاذب الحقيقي ليس بين الإسلام والحداثة، ولكن بين الخروج من نفق ممارسة السلطة على النمط الذي هيمن منذ الستينيات إلى الآن في كل الوطن العربي، وبين الدخول إلى حقبة جديدة قوامها إعطاء المجال للشعب ليكون له رأي في المسار الذي على المجتمع العربي أن يتخذه ليكون له موقع حقيقي في العالم المعاصر، وتكون له كرامته على غرار شعوب العالم المتقدمة.
هذه هي الثنائية الحقيقة والجوهرية، وما خلاها من ثنائية مثل: الأصالة المعاصرة، والجمهورية والملكية، والإسلام والعلمانية فروع وتفاصيل وأباطيل، أي ذرائع لتجنب الخوض في المشاكل الجوهرية. إنها ثنائية الفساد والصلاح. مع أحداث الربيع العربي خرج الشعب ليقول: كفى من الظلم، والفساد، بعد معاناة طويلة وصبر مدمر. تفاوت تعاطي الدول العربية مع هذا المطلب البسيط والذي ظل مغيبا لعدة عقود. سمعنا سؤال القذافي، وتبين لنا أن ابن علي فهم أخيرا أنه كان طاغية، وها هي محاكمات من أقيل من المسؤولين عن الوضع المعيش في بعض الأقطار العربية تبين أن دائرة الفساد هي السائدة في كل المجالات والقطاعات.
صار العرب تحت مقولة الإرهاب يتحدثون بمنطق من يتربص بهم الدوائر عن التسامح، والحوار بين الأديان، والتلويح بالتطبيع مع الصهيونية.
ساهمت بعض الأنظمة العربية في قتل المجتمع السياسي (من تحزب خان) بمختلف مكوناته بحجة الدفاع عن الموقع الذي يحتلونه في هرم السلطة.
اقرأ أيضا: مفكر مغربي: هيمنة السياسي وراء تراجع المنتوج الفكري العربي
اقرأ أيضا: يقطين: ثنائية العقلاني والخرافي في الأدبيات العربية مُضلّلة