NYT: هل تدخل العلاقة الأنجلو أمريكية مع السعودية في أزمة؟

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمتخصص في العلاقات البريطانية الخليجية ومؤلف كتاب " شبه الجزيرة الإنجليزية: لماذا تعد ثروة الخليج مهمة لبريطانيا؟"، ديفيد ويرينغ، يتحدث فيه عن السعودية التي لم يعد لديها أصدقاء، مشيرا إلى أن الأسبوع الماضي "كان سيئا للعائلة المالكة في السعودية".

ويقول ويرينغ في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن خبيرة في الأمم المتحدة أصدرت في يوم الأربعاء، تقريرا دعت فيه للتحقيق في دور ولي العهد محمد بن سلمان، بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وفي اليوم التالي صوت مجلس الشيوخ على منع صفقة سلاح بالمليارات إلى السعودية، وهو التصويت الأخير في سلسلة من الجهود التي يقوم بها الكونغرس لوقف الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن". 

ويشير الكاتب إلى أنه "في اليوم ذاته أصدرت محكمة في لندن قرارا أدان الحكومة البريطانية، وقال إنها تصرفت بطريقة غير قانونية عندما صادقت على بيع السلاح إلى السعودية". 

ويرى ويرينغ أن "هذه التطورات تعد توبيخا كبيرا وإشارة إلى وجود أزمة سياسية نتيجتها ليست واضحة، خاصة أن المملكة العربية السعودية تمتعت بحماية القوى الأطلسية منذ وجودها الذي مضى عليه قرن تقريبا، إلا أن الروابط الأنجلو-أمريكية مع آل سعود ربما تكون في طريقها نحو عاصفة تامة، حيث لم تعد هناك إمكانية للحفاظ على العلاقات السياسية، مثلما بدأ المنطق الاستراتيجي الذي دعمها يتداعى". 

ويتساءل الكاتب عن السبب الذي أدى إلى هذه الحالة، ويجيب قائلا إن "هناك حادثتين قوضتا سمعة السعودية على المستوى الدولي، وأضعفتا بالضرورة الدعم الأنجلو- أمريكي الذي تعتمد عليه المملكة، الأولى هي الحرب الكارثية في اليمن، ومع أن الحقائق معروفة لكن من المفيد تكرارها هنا، فالتحالف الذي تقوده السعودية مسؤول عن مقتل معظم ضحايا الحرب الذين يعدون بعشرات الآلاف، وقام باستهداف (واسع ومنظم) للمدنيين، كما قام التحالف بحصار قاد لما أسمته الأمم المتحدة (أسوأ كارثة إنسانية) ووفاة 85 ألف طفل بسبب الجوع". 

ويلفت ويرينغ إلى أن "واشنطن ولندن كانتا المسهلتين لهذه المذبحة، وقدمتا الدعم الحيوي، الذي لم يكن التحالف السعودي قادرا على القيام بعمليات القصف دونه، ومع زيادة الشجب، وارتفاع الأصوات الداعية لوقف الدعم، بات من الصعب على لندن وواشنطن الدفاع عن صفقات السلاح للتحالف". 

ويقول الكاتب: "أما الحادث الثاني والمهم فيتمثل في الجريمة البشعة لجمال خاشقجي، التي يعتقد على نطاق واسع أن الأوامر لتنفيذها صدرت من مستويات عليا في الحكومة السعودية". 

وينوه ويرينغ إلى أن "ولي العهد السعودي كان منشغلا خلال الأشهر التي سبقت الجريمة بتقديم نفسه للغرب على أنه إصلاحي متنور، وكان الغرب مستعدا لمنحه مصداقية، وتركت الجريمة في إسطنبول، التي ترافقت مع حملات قمع ضد المعارضين ودعاة الإصلاح، رواية (المصلح) والإصلاح ممزقة، وأصبحت تعبر عن الوحشية وعدم النضج وسوء التقدير من ولي العهد".

ويقول الكاتب: "يمكننا تحديد تيارين في المعارضة داخل الكونغرس للتحالف الأمريكي السعودي، الأول، يضم المؤسسة الديمقراطية وبعض الجمهوريين الملتزمين بالمبادئ الأساسية التي يستند إليها التحالف بين البلدين، لكنهم قلقون من سوء الإدارة التي يقوم بها الرئيس دونالد ترامب وولي العهد، ما يجعل من الصعب الحفاظ على هذه العلاقة في شكلها التقليدي، ويريد هذا التيار حل مصادر الأزمة وعدم تركها للتفاقم، ما يعني وقف سريع للحرب في اليمن، ومحاسبة مقبولة لقتلة جمال خاشقجي".

ويشير ويرينغ إلى أن "التيار الثاني هو اليسار البارز في صفوف الديمقراطيين، بينهم بيرني ساندرز والنائبة إلهان عمر، الذين يقدمون رؤية تحذر من الدعم الأمريكي للسعودية، ويدعو هذا التيار لتغيير جوهري في هذه السياسة، وليس الحفاظ على الأسس التي تحدد العلاقة، ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال في ظل بروز جيل جديد من الناخبين الشباب". 

ويستدرك الكاتب بأنه "رغم التقاطع في التيارين وتلاقيهما بطريقة مثيرة للدهشة، إلا أن بيت ترامب الأبيض اضطر للاعتماد على الأوامر الرئاسية من أجل تجاوز المعارضة داخل الكونغرس، ما يعني أن الدعم مستمر، بشكل عام للمملكة، لكن يجب عدم التعامل معه على أنه أمر واقع". 

ويبين ويرينغ أن "العالم لو قرر التعامل وبجدية مع مخاطر المناخ فإن كمية كبيرة من النفط الموجود في السعودية ستظل في الأرض، تاركا السعودية جالسة على رصيد عالق، وطالما ظل النفط شريان الحياة للاقتصاد العالمي فإن السيطرة الاستراتيجية على الأرصدة الأساسية له في الخليج ستظل مصدرا للسلطة في النظام العالمي، ويعد البترودولار الناجم عن مبيعات النفط مصدرا للاستثمارات وصفقات السلاح، ولو قرر العالم التخلص من ثاني أوكسيد الكربون، أي التخلص من النفط، فلا سبب يدعو لدعم نظام ديكتاتوري تتراجع ثروته وأهميته، وكما في المجالات الأخرى فإن التغيرات المناخية قد تعيد تفكيك السياسة الخارجية". 

ويقول الكاتب: "نلاحظ الدينامية ذاتها في دول أخرى، مثل بريطانيا الحليف الغربي للسعودية، فقرار المحكمة لم يؤد إلى وقف مبيعات السلاح كلها، وهو محل استئناف حكومي، لكن عرقلة المبيعات، ولو مؤقتا، مهمة لو أخذنا في عين الاعتبار اعتماد التحالف على السلاح البريطاني، بالإضافة إلى أهمية صفقات السلاح للعلاقات البريطانية السعودية". 

ويفيد ويرينغ بأن "حزب العمال المعارض يمر بعملية تغير صعبة، تشبه تلك التي يمر بها الحزب الديمقراطي، وعبر الحزب وبشكل مستمر عن انتقاده لسجل حقوق الإنسان في السعودية وحرب اليمن، وهمش النواب المؤيدين للسعودية في صفوفه، ودخلت إلى قطاعات الحزب أصوات داعية لتغيير مسار السياسة الخارجية البريطانية". 

ويرى الكاتب أن "العلاقات السعودية مع دول الأطلسي نجت من عدة أزمات خلال القرن الماضي، ويمكن أن تستمر لقرن آخر، لكن التهديدات الوجودية أصبحت واضحة للعيان، ولو كانت لدى أي طرف في واشنطن أو لندن خطة جدية للحفاظ على الوضع الراهن، فإنه يتكتم عليها". 

ويختم ويرينغ مقاله بالقول إن "محاولة السعوديين التقارب مع إدارة ترامب كانت ناجحة، لكنهم قد يندمون على رهانهم على رئاسة واحدة يبدو أنها تمثل الوجه القبيح من الماضي الأمريكي لا المستقبل، وفي السنوات المقبلة سيجد النظام السعودي نفسه (دون مال ولا أصدقاء وقد انتهى وقته)".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)