هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال 1921-1926
حفريات في خطاب الجمهورية الريفية
المؤلف: د محمد أونيا
الناشر: الخليج العربي تطوان ـ المغرب
الطبعة الأولى 2018
عدد الصفحات:384
تواترت الكتابات التأريخية والتوثيقية عن شخصية عبد الكريم الخطابي بطل المقاومة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي في الريف في شمال المغرب، وصدرت عشرات الكتب عن هذه الشخصية الفذة في تاريخ المغرب الحديث، وتاريخ الحركات التحررية في العالم العربي، لكن مع ذلك لا تزال قضية الجمهورية الريفية مبعث جدل وسجال كبيرين، وذلك بسبب ما تثيره من حساسية اتجاه الشرعية، وطبيعة المشروع السياسي التحرري لعبد الكريم الخطابي، وما إذا كان يتأسس على الخروج عن الشرعية السياسية حينها (شرعية المولى يوسف) وإحلال نفسه بديلا عنها.
ومع أن جزءا مُهما من الكتابات المتأخرة، نحت منحى تبرئة عبد الكريم الخطابي من الخروج عن الشرعية، إلا أن احتكار الكتابات الكولونيالية لجزء مُهم من أرشيف الريف ووثائق عبد الكريم الخطابي، جعل من خطاب الجمهورية الريفية هو الأبرز والمهيمن على التفسير التاريخي لسيرة عبد الكريم الخطابي.
ولإعادة الحفر في هذه الجزئية التاريخية المُهمة، وأيضا في سياق تلمس معالم المشروع السياسي لعبد الكريم الخطابي، ومنهجه في بناء حركة تحررية في العالم العربي، يحاول هذا الكتاب أن يؤسس لأطروحة جديدة، تنسف الأسطورة التي كانت تنسب عبد الكريم الخطابي للانفصال، وتطرح أسئلة حرجة على خطاب الجمهورية الريفية، وتقدم رواية أخرى تحاول تقديم تفسير تاريخي مختلف، مستند إلى وثائق تاريخية ظهرت مؤخرا.
الخطابي بين ثلاث أطروحات
قد يبدو غريبا وغير متصور أن تختلف الروايات التفسيرية للتجربة التحررية التي قادها عبد الكريم الخطابي في الريف ضد المستعمر الإسباني ثم الفرنسي، مع أن الأمر يتعلق بشخص واحد، وتجربة واحدة منحت قدرا كبيرا من التغطية الوثائقية، لكن الغرابة تزول، ويصير بالإمكان تصور ذلك، إذا تأكد بالمعطيات التاريخية، أن جزءا من هذه الروايات كانت عبارة عن صناعة استعمارية فرنسية، لخلق بؤر للتوتر داخل مكونات الحركة التحررية، واستعداء الشرعية الوطنية على تجربة عبد الكريم الخطابي.
يستعرض الدكتور محمد أونيا في كتابه الجديد ثلاث روايات عن عبد الكريم الخطابي حاولت أن تقدم تفسيرا لتجربته التحررية:
1 ـ القراءة التي قدمها علال الفاسي في كتابه "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي"، والتي اصطلح عليها الكاتب بالقراءة السلفية، وتتجه إلى أن عبد الكريم الخطابي من خلال تجربة "الجمهورية الريفية" كان ينشئ كيانا سياسيا في شمال البلاد، كخطوة أولية ضرورية وأولوية في مسلسل تحرير باقي البلاد من هيمنة الاستعمار، ووسيلة لتعويد الجمهور أن يحكم نفسه بنفسه، ومتى تم التحرر الكامل لسائر أبناء الوطن يتم تسليم البلاد المحررة لصحاب العرش.
2 ـ القراءة التقدمية، والتي تبناها اليسار وعلى رأسهم عبد الرحمان اليوسفي زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان يعتبر أن تجربة "الجمهورية الريفية" تعتبر حلا ملائما لتجاوز أزمة الحكم المخزني التقليدي الذي كان يعرف صراعا مزمنا بين بلاد "المخزن" وبلاد "السيبة"، ويعتبر الباحث أن تنظيم ندوة باريس الدولية الشهيرة حول موضوع عبد الكريم الخطابي وجمهورية الريف" سنة 1973 والتي صدرت أعمالها في شكل كتاب عن دار "ماسبيرو" سنة 1976، تشكل امتدادا لهذه الفكرة والتقاء موضوعيا في الطرح الكولونيالي والطرح التقدمي.
3 ـ القراءة التوفيقية، وصدرت عن طرف ثالث متحزب، يحاول أن يزيح التناقض بين "الجمهورية الريفية" وبين الشرعية الوطنية، إذ استمدت هذه القراءة رؤيتها من تصور أنثروبولوجي يختزل مفهوم الجمهورية الريفية في البعد القبلي الصرف، أي أن تسمية جمهورية قبائل الريف المتحدة" كما تسميها هذه القراءة، لا تعدو في نظر منتجيها أن تكون شكلا من أشكال العادات السياسية التي تجسد الديمقراطية الفطرية لدى القبائل الأمازيغية الريف، وقد تبنى هذه القراءة وأصل لها الأستاذ محمد حسن الوزاني.
عقدة "جمهورية الريف"
يقطع المؤلف بأن هذه القراءات الثلاث لم تستطع أن تفك عقدة "جمهورية الريف"، وعجزت أن تبرئ المشروع السياسي لعبد الكريم الخطابي من تهمة الانفصال التي رمته بها الحملة الدعائية للمارشال ليوطي، وأنها فشلت في تحقيق المصالحة التاريخية مع تاريخ ابن عبد الكريم الخطابي، وعجزت عن تذويب حاجز الثلج بين الريف والشرعية الوطنية، وشوشت على صورة الكفاح التحرري الذي قاده بطل الريف ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي.
ويرى أن الخلاف في تمثل ثورة الريف أنتج سجالا مستمرا، وأفرز تيارين متناقضين، الأول يمجد الثورة ويعترف بفضلها، والثاني ينكرها ويعارضها، دون أن يستطيع الباحثون تفكيك هذا اللغز والوصول إلى الحقائق التاريخية التي تزيل هذا الالتباس وترفع هذا السجال، وتوحد الرؤية اتجاه هذه الثورة التحررية.
ويعتبر المؤلف أن القراءات الثلاث السلفية والتقدمية والأنثروبولوجية لم تقدم أي جديد، بل زادت في تعميق الخلاف حول التجربة، وأن الحاجة الماسة تدعو إلى مباشرة حفريات تاريخية أخرى لبناء رؤية أخرى تفسيرية، تحاول أن تبرز تجربة عبد الكريم الخطابي ومشروعه السياسي، وفق ما تحصل من تراكم في المادة التاريخية.
اقرأ أيضا: زعيم "حراك الريف" بالمغرب يضرب عن الطعام.. وهذا مطلبه