هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها كريم فهيم، يتساءل فيه عن سبب عدم تغير رقم ضحايا الحرب الأهلية اليمنية، وبقائه ثابتا على 10 آلاف قتيل، رغم استمرار الحرب وبشراسة أكثر شدة.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه رغم المعارك الدامية، وموجات الغارات الجوية، والجوع، والمرض الذي يلاحق المدنيين حتى عندما يفرون من الرصاص والمتفجرات، فإن حصيلة القتل لم تتغير، وظلت على ما هي طوال الحرب، التي مضى عليها أكثر من ثلاثة اعوام.
ويقول فهيم إنه صار مألوفا أن يتحدث الصحافيون وعمال الإغاثة والمنظمات الدولية عن رقم 10 آلاف قتيل، مشيرا إلى أنه تم التوصل لهذا الرقم بشكل عام بناء على تقارير شبكات الصحة اليمنية الـ"مشلولة"، وظهر لأول مرة في تصريحات مسؤول أممي بارز عام 2016.
وتبين الصحيفة أن حصيلة الموت في اليمن لم تحظ بنقاشات عامة، لافتة إلى أنه لم تتم مراجعة الرقم المعروف عن الضحايا، مع أن الحرب ظلت على وتيرتها الشديدة.
ويجد التقرير أن هذا الرقم متواضع ويسيء بشكل صارخ لتقدير الضحايا، بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة ومحللين يدرسون النزاع، فيما تقدر تقارير مستقلة عدد الضحايا بحوالي 50 ألف يمني.
ويرى الكاتب أن إساءة تقدير عدد الضحايا مرتبطة بالمشكلة الأكبر، وهي إحصاء عدد الضحايا في محاور الحرب، التي يقوم بها أطراف النزاع بتقديم أرقام مبالغ فيها، فيما تعرقل الحرب جهود المراقبين المستقلين، الذين لا يستطيعون الوصول إلى ساحات القتال.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه هي الأسباب ذاتها التي منعت المراقبين الدوليين من مواصلة إحصاء القتلى في الحرب السورية، حيث توقفت الأمم المتحدة عن تقديم إحصائيات عن القتلى، لكن بعد إحصاء مئات الآلاف منهم، بشكل ركز انتباه الرأي العام على المذبحة السورية.
ويذهب التقرير إلى أنه في الحالة اليمنية فإن العدد القليل المقدم عن قتلى الحرب فيها أكد الشعور بأن الحرب في هذا البلد لا تحظى بانتباه العالم، لافتا إلى أن هذا ليس بسبب القيود المفروضة على حركة الصحافيين في البلد فقط، بل أيضا للتحفظ على شرح دور عدد من أطراف النزاع والمظالم المتعددة المتعلقة بالحرب في أفقر بلدان الدول العربية.
وينوه فهيم إلى أن الحرب اندلعت عام 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون القادمون من الشمال على العاصمة صنعاء، وأطاحوا بالحكومة فيها، وهو ما دعا السعودية لتجميع تحالف بقيادتها، وشن حرب ضدهم في آذار/ مارس عام 2015، وانتشرت الحرب في المدن اليمنية كلها، فيما فاقم الحصار الذي فرضه التحالف الأزمة، ونشر المجاعات والأمراض بين السكان المدنيين.
وتذكر الصحيفة أن المعارك الأخيرة تتركز على الميناء الحيوي الحديدة، الذي تصل إليه النسبة الكبرى من المساعدات الإنسانية، ويسيطر عليه الحوثيون، مشيرة إلى أن المنظمات الإنسانية حذرت من معركة طويلة قد تكون آثارها مدمرة على 8 ملايين يمني، ممن هم في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
وبحسب التقرير، فإن الغارات الجوية التي قام بها طيران التحالف أدت إلى مقتل 28 مدنيا، بحسب المسؤولين اليمنيين و"أسوشيتد برس"، فيما ترى إحصائيات مستقلة أن حصيلة عدد القتلى قد تكون أعلى وربما وصلت لمستويات مدمرة، فالبيانات التي جمعتها المنظمة المستقلة "أكليد" للفترة ما بين كانون الثاني/ يناير 2016 إلى تموز/ يوليو 2018 ربما وصلت إلى 50 ألف قتيل، لافتا إلى أن العدد يضم المقاتلين، لكنه يستبعد الأشخاص الذين لم يموتوا بسبب القتال مباشرة، فهناك الآلاف ممن ماتوا بسبب سوء التغذية والكوليرا.
ويفيد فهيم بأن منظمة "سيف ذا تشيلدرن" قدرت في العام الماضي عدد الذين كانوا يموتون يوميا بسبب "الجوع القاهر والمرض" بحوالي 130 شخصا، مشيرا إلى أن "أكليد" واصلت متابعة عدد القتلى في الأشهر التسعة الماضية، التي شهدت قتالا شرسا، ما يعني زيادة عدد القتلى، بحسب أندريا كاربوني، الذي يقوم بمتابعة الحرب في اليمن لصالح "أكليد".
وتشير الصحيفة إلى أن المنظمة تقوم بجمع المعلومات من مصادر ثانوية، وتتحقق منها عدة مرات، وتستخدم تقديرات متواضعةعندما يتعلق الأمر بالضحايا، مستدركة بأنه رغم هذا كله فإن اليمن يعد حالة صعبة.
ويورد التقرير نقلا عن كاربوني، قوله إن البلد يعد "ثقبا أسود" للمعلومات، حيث لا يتم الإبلاغ عن الهجمات القاتلة، ولا يعرف عدد الضحايا الحقيقيين بسببها؛ ولهذا تستخدم المجموعة عدد 10 للهجمات الكبيرة و3 للهجمات الصغيرة، لافتا إلى أن هذه الطريقة قد تؤدي للمبالغة في عدد القتلى، ولهذا تلجأ المنظمة للتقديرات المتواضعة حتى لا تسيء تقدير المجمل العام للضحايا.
وينقل الكاتب عن مسؤول الشؤون الإنسانية في منظمة أوكسفام أمريكا سكوت بول، قوله إنه نظرا لغياب البيانات والصور والمقالات، فإن الحرب ظلت فكرة غامضة في النقاش الدولي، بشكل خفف من الضغوط على المقاتلين وداعميهم الدوليين، ويرى أن الأرقام مهمة؛ لأنها "قد تكشف الحجم الحقيقي والإلحاح لأكبر أزمة إنسانية في العالم وتضعها محل التركيز"، فيما دعا المبعوث الأممي الأطراف المتحاربة لجولة من المفاوضات في جنيف بعد فشل المحاولات السابقة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤول في حقوق الإنسان في مكتب المفوض العام لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة كيوهيكو هاسيغاوا، قوله إن عدد القتلى المدنيين كان كبيرا مع بداية الحرب، ولاحظ مكتبه نمطا من الضحايا الذي استمر طوال الحرب، حيث قتلت غالبية المدنيين نتيجة للغارات التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية، التي ضربت البيوت والأسواق والمدارس، حيث يحظى التحالف بدعم عسكري من الولايات المتحدة، وقتل 6500 مدني، بينهم 1625 طفلا في الفترة ما بين آذار/ مارس 2015 و 19 تموز/ يوليو 2018، بحسب البيانات التي جمعها مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
ويضيف هاسيغاوا: "أرقامنا هي الأكثر تواضعا نظرا للحرص في التأكد من عدد الضحايا"، حيث يعتمد المكتب على 13 جماعة رصد حول البلد، تقوم بجمع البيانات، وتقوم بالتأكد من الأسماء والأعمار والعناوين والمعلومات الأخرى المتعلقة بالضحايا قبل إضافتهم لقائمة القتلى، فيما اعترف المسؤول الأممي بالقول: "لم نكن قادرين على تغطية كل حادث في البلد".
ويذكر التقرير أن منظمة الصحة العالمية، التي تسجل ضحايا الحرب، تقدر العدد بـ9604 قتلوا في الفترة ما بين آذار/ مارس 2015 وأيار/ مايو 2018، مستدركا بأن أرقام المنظمة الدولية، التي لا تفرق بين المقاتل والمدني، تظل متواضعة، وتعتمد في تسجيل الضحايا على المؤسسات الصحية المدمرة في البلد، التي أغلق أكثر من نصفها، أو لا تزال يعمل بشكل جزئي، وفي معظم الحالات لا يتم إحضار جثث الذين يموتون في الحرب للمستشفيات.
وينقل فهيم عن راضية المتوكل، التي تشارك في رئاسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، قولها إن توفر عدد حقيقي وموثوق للقتلى أمر مهم، "بشكل عام، فإنه من الجيد معرفة الثمن الإنساني للحرب".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن منظمة المتوكل تركز على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان لا إحصاء عدد ضحايا الحرب، فتقول إن "هذه ليست مهمتنا وهي مستحيلة" لمنظمة كمنظتها، ولديها شبكة واسعة من الباحثين في أنحاء البلاد كلها.