هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافي بنجامين هاس، يتحدث فيه عن أوضاع اللاجئين اليمنيين، الذين انتهى بهم المطاف على جزيرة سياحية في كوريا الجنوبية،
الذين أثار وصولهم الجدل حول دور البلد في قبول طالبي اللجوء.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حمزة العديني كان أمامه طريقان عندما أنهى دراسته الثانوية في اليمن؛ أن يضطر إلى حمل بندقية ويقاتل في الحرب الأهلية، أو أن يفر من البلد، وفي النهاية اتخذت أمه له القرار، وأرسلت بالشاب البالغ من العمر 17 عاما في رحلة، من خلال عمان وماليزيا، قبل أن ينتهي به المطاف في جزيرة جيجو السياحية، فيما كان يأمل أن يدرس ليصبح مهندسا، لكنه صدم منذ أن وصل باكتشافه لواقع الحال.
وينقل الكاتب عن العديني، قوله: "كان من الصعب المغادرة، لكن كان ذلك أفضل من البقاء، فيقبض علي وأكره على القتال.. وعندما قبلت أن الأفضل أن أكون لاجئا، ظننت أن حياتي ستكون أفضل، حيث سأستطيع الذهاب إلى الجامعة، وسأحصل على الدعم المالي، لكن هذا يختلف تماما عما فكرت به".
وتلفت الصحيفة إلى أن وصول العديني وأكثر من 550 مهاجرا يمنيا آخر أثار جدلا واسعا في كوريا الجنوبية، حول دور البلد في قبول الباحثين عن اللجوء، بحيث ينقسم الشعب بين داع إلى الرأفة والمعاملة الحسنة، وآخر يدعو إلى الطرد مباشرة، منوهة إلى أن كثيرا من الكلام المعادي للاجئين امتاز بالإسلامفوبيا، فيما يشير المعارضون إلى أزمة اللاجئين الأوروبية على أنها درس حول تداعيات الهجرة غير المضبوطة.
ويفيد التقرير بأن اللاجئين اليمنيين لم يتخيلوا أن ينتهي بهم الأمر على جزيرة سياحية في كوريا الجنوبية، مشيرا إلى قول الباحثين عن اللجوء إنهم نظروا إلى خارطة العالم ليروا أي الأماكن يمكنهم الهروب إليها دون الحاجة للتقديم إلى تأشيرة، ثم بدأت خطوط طيران "إير آسيا" الرخيصة بنقل الركاب بين ماليزيا وجيجو دون الحاجة لتأشيرة لليمنيين.
وينوه هاس إلى أنه في ظل هذا التدفق فإن الحكومة قامت في حزيران/ يونيو بإلغاء اليمن من قائمة الدول المسموح لرعاياها بالوصول إلى جزيرة جيجو دون تأشيرة، ومنعت سلطات الهجرة اللاجئين من السفر إلى أراضي كوريا الجنوبية الرئيسية، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يسمح لهم فيه بالعمل، إلا أن العمل حصر في صيد الأسماك ومزارع الأسماك والمطاعم، وكثير منهم بقي بلا عمل.
وتذكر الصحيفة أنه في الوقت الذي كان فيه معظم اللاجئين من الرجال العزاب، إلا أن جمال الدين الناصري قام بالرحلة هو وزوجته وبناته الخمس، وقامت عائلة باستضافتهم، لافتة إلى أنه في الوقت الذي يمنع فيه الأطفال من دخول المدارس، إلا أن متطوعين يحضرون إلى البيت ليعلموهم اللغة الكورية.
ويورد التقرير نقلا عن الناصري، قوله: "أريد أن أتعلم من هؤلاء الناس كيف أعيش حياة جيدة، وكيف بنوا بلدا صناعيا حديثا، كانت هناك حرب في كوريا من قبل، لكنهم بنوا بعد ذلك لأنفسهم مجتمعا غنيا.. أريد فقط أن أحسن الأمور لبلدي، لكننا ما نزال في الحرب منذ فترة طويلة، وعلي أن أحمي عائلتي".
ويقول الكاتب إن "اللاجئين عالقون في عالم النسيان، غير قادرين على مغادرة الجزيرة، ولا يعلمون كم سيسمح لهم بالبقاء هناك بعد أن فروا من الحرب الأهلية، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها (أسوأ أزمة إنسانية في العالم)، وقد نزح حوالي مليوني شخص عن بيوتهم، ويعيش حوالي 8 ملايين على شفير المجاعة".
وتذكر الصحيفة أن أكثر من 700 ألف شخص وقعوا على عريضة يدعون فيها الحكومة لرفض طلبات اللجوء اليمنية، وطردهم عن الجزيرة، لافتة إلى أن مكتب الرئيس عادة ما يرد على أي عريضة تجمع أكثر من 200 ألف توقيع، إلا أن الرئيس مون جاي إن، الذي هو نفسه ابن مهاجر من كوريا الشمالية، بقي صامتا تجاه هذه القضية.
ويبين التقرير أنه في الوقت الذي كان هناك عدد ضئيل من طلبات اللجوء في كوريا الجنوبية على مدى الأعوام، فإن 10 آلاف شخص قدموا العام الماضي على اللجوء، وتم قبول 1.2% من الطلبات (أي 121 حالة فقط)، بحسب أرقام وزارة العدل.
ويعلق هاس قائلا إن "تلك الأرقام لا تشمل أكثر من 30 ألف لاجئ من كوريا الشمالية يعيشون في كوريا الجنوبية، الذين أصبح وجودهم مقبولا بشكل كبير، وتم منحهم الجنسية والمنح الحكومية لدى وصولهم، ويرحب بهم تحت شعار أن كوريا الجنوبية نقية من ناحية عنصرية، وتلك الفكرة كانت جزءا من المنهاج التعليمي الرسمي حتى نصحت الأمم المتحدة بإلغائها عام 2007".
وتشير الصحيفة إلى أن المئات تظاهروا في سيول ضد قبول اللاجئين، وسموهم "لاجئئن كاذبين"، واتهموهم بأنهم مهاجرون اقتصاديون وليسوا لاجئين، بالإضافة إلى أن منتديات على الإنترنت لأمهات جيجو، التي عادة يتم فيها النقاش حول أفضل عربات الأطفال وأفضل رياض الأطفال، تحولت إلى منصات سياسية في الأشهر الأخيرة.
ويورد التقرير أن إحدى النساء كتبت: "أنا ضد وجود اللاجئين تماما.. أبغض تماما فكرة أن يعيش أناس دينهم الإسلام في جزيرة جيجو بأعداد كبيرة"، فيما يشير آخرون إلى أزمة اللاجئين في أوروبا، ويأملون بنتيجة مشابهة لكوريا الجنوبية، حيث كتبت أخرى: "كنت أعيش في أوروبا.. وقبول سكان مسلمين هي فكرة مجنونة تماما".
ويلفت الكاتب إلى أن أشد النقد لليمنيين جاء من المجموعات المسيحية المحافظة، حيث أظهر استطلاع حديث أن 49% من الكوريين الجنوبيين يعارضون قبول اللاجئين، و39% مع قبول اللاجئين.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من العداء تجاه اليمنيين، إلا أن أهالي جيجو يتعاملون بطيبة مع اليمنيين الذين يعيشون بينهم، حيث يؤجر أصحاب الفنادق لهم الغرف بأسعار مخفضة، ويقوم بعض الناس بالتبرع لهم بالطعام والبطانيات والملابس.
وينقل التقرير عن تاجر صلصة ومخللات في أكبر سوق في الجزيرة، يدعى سون تشو جا، قوله: "لقد فروا ليعيشوا ويبحثوا عن حياة أفضل، فيجب علينا أن نساعدهم.. الأمر ذاته حدث بالنسبة للكوريين الذين فروا في الماضي يبحثون عن حياة أفضل، فلو طرد أولئك الكوريون لكان ذلك أمرا بشعا".
ويبين هاس أن المهاجرين يحاولون إلى الآن بدء عملية إعادة بناء حياتهم، مشيرا إلى أن العديني عمل على قارب صيد لمدة ثلاثة أيام، يصلح شباك الصيد، وكان ذلك أول عمل له قبل أن يكتشف المسؤول عنه عمره ويطرده من العمل، فأصبح يقضي يومه كبقية اليمنيين على جزيرة جيجو، يتعلم اللغة الكورية ويتحدث مع أصدقائه.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن العديني بصفته واحدا من اللاجئين الصغار، فإن عائلة كورية تنشط مع الكنيسة الكاثوليكية أخذته، لكنه لا يزال يبكي عندما يتذكر أمه، قائلا: "قالت لي آخر مرة رأيتها: عش بسلام.. وطلبت مني أن أعتني بنفسي، وأن أجتهد في دراستي".