بعد مرور قرابة الثلاثة أسابيع على انطلاق الهبة الشعبية التي عمت
كافة المدن الفلسطينية في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف
بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، يصر الفلسطينيون على التمسك بخيار "المقاومة
الشعبية" للتصدي للقرار الأمريكي رغم إصرار الجيش الإسرائيلي على مقاومة هذه
الاحتجاجات بالقوة مستخدما الرصاص الحي بشكل مباشر لقتل هؤلاء المتظاهرين وهو
الأمر الذي أسفر عن استشهاد 16 مواطنا وفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية منذ بدء
الاحتجاجات.
وتركزت الاحتجاجات الشعبية في مدن الضفة الغربية على الحواجز
الإسرائيلية وفي نقاط التماس بالقرب من المستوطنات وخلف جدار الفصل العنصري.
أما في مدينة
القدس فلا يزال يصر سكانها المقدسيون على الرباط في
ساحات المسجد الأقصى رافعين الأعلام الفلسطينية وشعارات "القدس عربية
إسلامية" متحدين كل القرارات الإسرائيلية.
أما في قطاع غزة فكانت موجة الاحتجاجات هي الأقوى والأعنف مقارنة
بمدن الضفة الغربية، حيث يتوجه الفلسطينيون يوميا بحافلات تنقل المئات منهم على
طول الحدود الإسرائيلية، وهو ما أدى لاستشهاد 12 مواطنا كان أبرزهم الشهيد المقعد
إبراهيم أبو ثريا في مشهد أثبت مدى عنجهية الجيش الإسرائيلي في ضربه لكل المواثيق
والمعاهدات الإنسانية بعرض الحائط.
وبالرغم من إطلاق زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار تحذيرا لدولة
الاحتلال
الإسرائيلي من أن الفصائل المسلحة في غزة ومنها كتائب القسام لن تقف مكتوفة الأيدي
في حال استمر سقوط المزيد من الشهداء، إلا أن الشارع الفلسطيني يصر على التمسك
بخيار المقاومة، وهو ما يطرح تساؤلا حول مدى نجاح المقاومة الشعبية في التصدي
للقرار الأمريكي.
نتائج وتداعيات
إلى ذلك قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، وليد
المدلل، إن "عودة المقاومة الشعبية لتصدر مشهد الثورة الفلسطينية بعد غيابها
لأكثر من خمسة عشر عاما، يؤكد أن الشارع الفلسطيني مدرك لحجم وتداعيات القرار
الأمريكي بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى مدينة القدس، ومن ناحية أخرى فإن المقاومة الشعبية هي أداة
أقل تكلفة وأكثر نجاعة مقارنة بالخيار العسكري في أزمة نقل السفارة الأمريكية".
وأوضح المحلل السياسي في حديث لـ"
عربي21" أن من "نتائج
خيار المقاومة الشعبية جعل دولة الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة استنزاف مستمر،
فالاحتجاجات والمظاهرات الشعبية تتسبب في إغلاق المعابر وتوقف الحركة التجارية وشل
حركة السير للمواطنين الإسرائيليين ومنعهم من الوصول لمناطق عملهم، وبذلك يشعر
المواطن الإسرائيلي بالخوف والقلق المستمر على حياته وهو ما يشكل ضغطا على
الائتلاف الحاكم في إسرائيل".
ونوه المدلل إلى أن "استمرار المقاومة الشعبية في المدن الفلسطينية
وفي داخل الخط الأخضر سيكون سببا مباشرا في ضرب القطاع السياحي لدولة الاحتلال وهو
الأمر الذي سيلقي بتداعياته على الاقتصاد الإسرائيلي وهذا يتأتى بشرط توسيع رقعة
الاحتجاجات الشعبية وتوجيهها من قبل الفصائل الفلسطينية وتنويع أدوات المقاومة
الشعبية".
انتفاضة مستمرة
أما الكاتب والمحلل السياسي، حمزة أبو شنب، فقال إن "أزمة نقل
السفارة الأمريكية للقدس تشبه إلى حد كبير أسباب اندلاع انتفاضة الحجارة في العام
1987، وانتفاضة الأقصى في العام 2000، كما أن التقارب الزمني لهذه الأحداث يؤكد أن
الجيل الفلسطيني الحالي لم يتأثر بالضغوط الإسرائيلية التي كان يهدف منها لإخراج
جيل فلسطيني يؤمن بمبدأ التعايش السلمي، وهذا إنجاز هام يعود بالدرجة الأولى لوعي
الشارع الفلسطيني بما يدور حوله من أحداث".
وأضاف المحلل السياسي في حديث لـ"
عربي21" أن
"المقاومة الشعبية والمسلحة هما خطان متوازيان لمشروع التحرر، لذلك يجب على
الفصائل والأحزاب السياسية أن تعطي للشارع الفلسطيني حقه ليقول كلمته في هذه
الأزمة، كما أنه يتحتم عليها أن تدعم هذا الخيار وألا تتسرع في اللجوء لسلاح المقاومة
إلا إذا فشلت الاحتجاجات الشعبية في الوصول لأهدافها".