أثارت تصريحات وزير الداخلية بحكومة الوحدة الليبية، عماد
الطرابلسي، بخصوص فرض اللباس الشرعي على النساء ومنع قصات الشباب والاختلاط ردود فعل محلية ودولية وتخوفات من الخطوة أن تصب في تقييد الحريات خاصة أن الوزير هدد بالاعتقالات والحبس المباشر لكل مخالف.
وأعلن الطرابلسي، عودة دوريات شرطة الآداب للعمل الشهر المقبل، مؤكدا أنها ستمنع "صيحات" الشعر غير المناسبة وملابس الشباب التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع وخصوصياته وأنه سيلاحق من يقوم بارتداء ملابس غير لائقة سواء من الشباب أو الشابات، كذلك أصحاب المقاهي والمطاعم، مؤكدا أنه لن يترك شخصا يجلس مع واحدة بطريقة غير محترمة، وسيعطي شرطته دورات في القرآن والسنة.
"تهديدات ومغادرة البلاد"
وبلهجة شعبية وألفاظ "نابية"، هدد الطرابلسي الجميع بالحبس والاعتقال في حال مخالفتهم قراراته، بل إنه طالبهم بمغادرة البلاد قائلا: "من يريد العيش بحرية فليذهب للعيش في أوروبا".
ولاقت التصريحات ردود فعل كثيرة محليا ودوليا وإقليميا، حيث رأى مراقبون ومنظمات حقوقية أنها خطوة نحو تقييد الحريات ومغازلة للتيار المدخلي وللمفتي العام، وأنها ذريعة للحكومة لاعتقال مناوئيها وتصفية الخصوم، في حين رحب البعض بالخطوة مؤكدين أنها تهدف إلى نشر الفضيلة وضبط الشارع العام.
"قمع ومخالفة للقانون الدولي"
من جهتها، رأت منظمة العفو الدولية أن هذه الإجراءات هدفها قمع الحريات الأساسية باسم "الأخلاق"، مشيرة إلى أن اقتراحات فرض
الحجاب وتقييد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومراقبة اختيارات الشباب الشخصية في ما يتعلق بقصات الشعر والملابس، ليست فقط مثيرة للقلق، بل إنها تشكل أيضا انتهاكا لالتزامات
ليبيا بموجب القانون الدولي، وانتهاك صارخ لخصوصيات الأفراد"، وفق بيان رسمي.
اظهار أخبار متعلقة
وطالبت المنظمة حكومة
الدبيبة بإلغاء هذه الإجراءات القمعية المقترحة، وبدلًا من ذلك، التركيز على معالجة أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في البلاد، والتي تتسم بالاعتقال التعسفي الجماعي، والاختفاء القسري، والتعذيب والمحاكمات الجائرة.
فما تداعيات هذه القرارات على المشهد العام؟ وهل هي خطوة فعلا لنشر الفضيلة أم وسيلة لتقييد الحريات والرأي المخالف؟
"صمت حكومي"
وتواصلت "عربي21" مع المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية بطرابلس والمتحدث باسم الدبيبة، محمد حمودة، للتعليق وتوضيح القرارات أكثر لكنه رفض التعليق كالعادة.
وتواصلت "عربي21" مع مدير المكتب الإعلامي لوزير الداخلية بحكومة الدبيبة للتعليق والتوضيح لكنها لم تتلق أي تجاوب أو رد.
في حين أكد وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، أن هذه التصريحات والقرارات تحمل طابعا "مليشياويا نظرا لخلفية الوزير الطرابلسي المليشياوية، وكان قد فرض نفسه على وزارة الدفاع حتى تولى فيها إمرة سرية الحراسة أثناء تولي أسامة جويلي وزارة الدفاع، فالأمر غير مستغرب أن يهدد المجتمع بهذه اللهجة".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21"، أن "ما قام به الطرابلسي من تهديدات وقرارات هي مجرد طلب للشهرة وتصدر المشهد وفقط، وقد أصدر عدة قرارات في الماضي مثل خروج جميع كتائب المليشيات من العاصمة طرابلس ولم ينفذ منها شيئا، لذا فستكون قرارته الحالية كذلك"، وفق تقديراته.
"خطوة جيدة وغير مقيدة"
لكن عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب الليبي، طارق الأشتر، أكد أن "تصريحات الوزير لم تكن تقصد تقييد حرية المرأة أو إرغامها على أي شيء، الحديث كان واضحا أنه عن كل ما يخالف العادات والتقاليد واحترام خصوصية المجتمع الليبي سواء كان رجلا أم امرأة".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21"، أن "التصريح تم تأويله أكثر مما يجب، والواقع الليبي يؤكد أن المرأة تُحترم وتعطى لها الأولوية، وهي تحترم من أعضاء الشرطة والمرور أثناء قيادتها للسيارة وتقدر أينما كانت وحيثما وجدت، أما ردود الفعل الدولية واتهامهم بأن الهدف تقييد حرية المرأة فهو افتراء"، كما صرح.
وتابع: "بالنسبة لنا كمجتمع مسلم نفتخر بأن المرأة لم تمتلك حرية وحقوق إنسان وحماية لذاتها إلا مع الإسلام الحنيف الذي كرمها، أما في كثير من الدول الغربية والتي تزعم الحرية والديمقراطية فإن المرأة كانت حتى وقت قريب لا تملك حتى حق التصويت في أي انتخابات"، بحسب رأيه.
"إجراءات تسويقية لن تنفذ"
مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، شريف عبدالله، قال من جانبه إن "قرارات وزير الداخلية لن تنفذ كون الجميع تعود منه على كلام بلا فعل، وللأسف أن الطرابلسي يفكر بعقلية ومنهج مليشياوي، ويعطي انطباعا سيئا عن الحكومة ووزارة الداخلية، والمجتمع الليبي بطبيعته مجتمع محافظ ومتدين".
اظهار أخبار متعلقة
وقال: "أما قضية منع سفر المرأة دون محرم، فهي تمس الحقوق الخاصة للنساء، فهو يتحدث عن طالبات ونساء يعملن ويدرسن في الخارج فكيف تحتاج إلى محرم في كل سفر من البلاد، لذا أعتقد أنها قرارات عشوائية ومستعجلة، ولن يكون لها أي صدى إلا رد فعل سلبي بين الناس، خاصة أن الطرابلسي لا يملك الأدوات ولا الوسائل ولا الخطة لتنفيذ هذه القرارات، لذا فهو مجرد كلام تسويقي وإعلامي ليؤكد أنهم موجودون"، وفق تصريحاته لـ"عربي21".
"وما هو الموقف من مهرجانات وحفلات الحكومة؟"
رأت الأكاديمية والسياسية الليبية، فيروز النعاس، أن "الطرابلسي تجاوز دوره كوزير داخلية ونصب نفسه قيمّا على المجتمع ويريد أن يفرض واقعا قمعيا جديدا بحجة الحفاظ على الأخلاق والدين، وتصريحاته مخالفة لكل ما ورد بالإعلان الدستوري المؤقت في ما يخص باب الحريات والحقوق، وهي عبارة عن سلسلة جديدة من القمع والتعسف سيمارسه ضد كل من لا يروق له".
وأكدت لـ"عربي21"، أن "هذه التصريحات لن تطبق، فقد سبق أن تمت محاولة تطبيق بعض القيود على النساء خاصة في ما يخص السفر، ولكن لم تنجح وتم رفض هذه القيود، وللأسف ستحاول بعض الجماعات الدينية استغلال هذه التصريحات وتجييرها لمصلحتها لفرض بعض أفكارها"، بحسب توقعها.
وأضافت: "بصفة عامة أعتقد أن ما صرح به الوزير لن يكون إلا مجرد تصريحات غير مدروسة العواقب ولا تتماشى مع النسق العام لما ترعاه الحكومة من مهرجانات ونشاطات"، كما قالت.