هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتبة كريستين تشيك، تسلط فيه الضوء على القمع الذي تتعرض له مؤسسات المجتمع المدني في مصر في ظل حكم رئيسها عبد الفتاح السيسي.
وتقول تشيك في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب كان ولمدة عقدين من الزمان المركز الوحيد في مصر الذي يعمل على مساعدة الناجين من التعذيب.
وتشير الكاتبة إلى أن "أطباء المركز عملوا تحت حكم حسني مبارك الديكتاتوري وتحت حكم المجلس العسكري وأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا محمد مرسي، وكان يقدم العلاج النفسي لمرتاديه الذين يعانون من الاعتداء في السجون المصرية، ولم يكن حتى هذا العام تحت حكم السيسي، حيث قام المسؤولون بإغلاق المركز".
وتبين تشيك أن "الشرطة لم تقم بمداهمة المركز واعتقال كل من فيه، لكن ببساطة جاءوا إليه في يوم عطلته الإسبوعية، وقاموا بشمع الأبواب، ومنعت السلطات اثنتين من مؤسسي المركز، وهما عايدة سيف الدولة وسوزان فياض، من السفر للخارج".
وتكشف الكاتبة عن أن "أمر الإغلاق جاء من وزارة الصحة على أساس أن المركز تجاوز حدوده بإصدار تقارير، وكان المركز ينشر معلومات حول التعذيب، بما في ذلك بما في ذلك جدولة حالات التعذيب التي ينشرها الإعلام كلها، وقالت سيف الدولة إن السبب الحقيقي لإغلاق المركز هو الخوف من أن يفضح كذب السيسي".
وتنقل المجلة عن سيف الدولة، قولها: "نتحدث عن التعذيب، ويعلمون أن لدينا معلومات أولية عن التعذيب لأننا نرى الضحايا .. وعلى عكس النظام الأسبق -نظام مبارك الذي كان يقر بوجود التعذيب ولكنه يقول إن (التعذيب موجود لكن هناك مجموعة من الحالات الفردية)، فإن هذا النظام يقول: (ليس هناك تعذيب) .. ونحن نعلم أنهم يكذبون".
وتعلق تشيك قائلة إن "قمع المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني ليس شيئا جديدا في مصر، لكن في ظل حكم السيسي فإنه وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يقول الناشطون إن حكومته لم تقم فقط بتضييق المساحة التي تم اكتسابها عندما أطاحت المظاهرات الشعبية الضخمة بمبارك، بل إنها تسعى لمحو ذلك الهامش تماما".
وتلفت الكاتبة إلى أن المسؤولين المصريين عادة ما يستخدمون الإرهاب تبريرا للقمع القائم، فمثلا بعد الهجوم الإرهابي الذي راح ضحيته 300 شخص في مسجد شمال سيناء، فإن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، قال: (إن هذه الجريمة ناقوس يدق فى شعارات المنظمات الحقوقية التى تعد تقارير مزيفة ضد مصر، التي تعد شريكاً مع هذه الجماعات الإرهابية".
وتذكر المجلة أن المتحدثين باسم الرئاسة ووزارة الخارجية رفضوا دعوات متعددة للإدلاء بتعليق، لافتة إلى أن الناشطين الحقيقيين يقولون إن الهجمة على المجتمع المدني تبدو موزونة للتشديد على المؤسسات بالتدريج، ودون تنبيه الحلفاء الغربيين.
وتفيد تشيك بأنه بدلا من مواجهة إعلام سيئ؛ بسبب محاكمة مدافعين مهمين عن حقوق الإنسان، فإن السلطات قامت باتباع مقاربة أقل ضجة باتباع مجموعة تكتيكات تشل إمكانية عمل المؤسسة والأشخاص، مشيرة إلى أن استراتيجية العلاقات العامة تلك تعثرت عندما وقع السيسي قانونا جديدا ينظم عمل جمعيات المجتمع المدني، حيث يجرم القانون الكثير من عمل المؤسسات غير الحكومية، ويضبط التمويل بصرامة، وينشئ مؤسسة حكومية جديدة تشرف على تلك المنظمات، ويشارك في هذه المؤسسة ممثلون عن المؤسسات الأمنية، وهم في العادة يعادون المؤسسات الحقوقية.
وتنوه المجلة إلى أن أمريكا تنبهت لذلك، ووجهت توبيخا غير عادي، من خلال تأخير وإلغاء مبلغ 1.3 مليارات دولار من المساعدات السنوية لمصر، لافتة إلى أن الحكومة المصرية لا تزال بصدد إصدار القوانين المتعلقة بإنشاء المنظمات، ولذلك فإن الأخيرة لا تستطيع تقديم طلباتها بعد، ولا تدري ماذا سيحدث في ظل القوانين الجديدة.
وتقول الكاتبة إن "التراجع في المؤسسات الحقوقية كان في السنوات الأخيرة مأساويا، فالمؤسسات الحقوقية الدولية مثل (هيومان رايتس ووتش) ليست لها مكاتب في مصر، والمؤسسات المحلية أغلقت مكاتبها خارج القاهرة، فالعمل في مجال الدراسات المتعلقة بالسياسات الحكومية معدوم، وذلك، بحسب ما يقوله مؤسس ومدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، الذي صار يعمل الآن صحافيا استقصائيا؛ بسبب (عدم وجود أي شخص من الممكن التعامل معه)، ويضيف: (كأننا عدنا إلى فترة مبارك من حيث الأنشطة، ومعظم الناس يعملون في المساعدات القانونية والتوثيق فقط)".
وتعلق تشيك قائلة إنه "حتى توثيق الانتهاكات أصبح أكثر صعوبة؛ بسبب القيود على الوصول إلى المعلومات، حيث يقول مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي: (علينا أن نختار معاركنا، فمن الخطأ استراتيجيا أن ندخل في هجوم كامل وفي الملفات كلها في وقت واحد)".
ويضيف لطفي أن أخطر الأنشطة التي يمكن أن تقوم فيها في مصر هي السفر للخارج للتوعية بانتهاكات حقوق الانسان في مصر، ففي أيلول/ سبتمبر كان المحامي ابراهيم متولي، الذي يوثق حالات الاختفاء القسري في طريقه إلى جنيف؛ ليتحدث عن ذلك أمام لجنة تابعة للأمم المتحدة، فاختفى من مطار القاهرة، واعترفت السلطات فيما بعد بأنه محتجز لديها؛ بتهمة نشر معلومات كاذبة وإدارة منظمة غير قانونية، حيث هناك ما لا يقل عن 28 ناشطا حقوقيا ممنوعون من السفر، بحسب مركز القاهرة لحقوق الإنسان.
وتقول الكاتبة: "لم يكن عمل الناشطين دون معارضة حتى قبل أن يسيطر السيسي على السلطة، ففي عام 2013، تمت إدانة 43 موظفا لدى مؤسسات دولية، بما في ذلك 15 أمريكيا، بتهمة إثارة الفوضى باستخدام تمويل أجنبي، وتم إغلاق مكاتبهم، فيما أصبح يعرف بعد ذلك بقضية التمويل الأجنبي، وبعد الانقلاب عام 2014 أعادت السلطات فتح القضية، لكن هذه المرة لاحقت المنظمات المصرية، وتم استدعاء 18 شخصا للتحقيق حول تهم، مثل (تلقي أموال أجنبية لعرقلة المصالح العامة والأمن القومي)، وقامت السلطات بتجميد أموال 10 أشخاص و 7 مؤسسات، بحسب مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن المنع من السفر مرتبط بالقضية".
وتشير تشيك إلى أن "أحد هؤلاء هو بهجت، حيث تم تجميد أمواله الشخصية لأكثر من عام، وهو ممنوع من السفر، لكنه لم يستدع بعد للتحقيق، وبسبب وتيرة إجراءات السلطة البطيئة فإن هؤلاء يتركون عالقين في عالم المجهول، وغير قادرين على الاستمرار في حياتهم العادية، ولا يعلمون إن كان الغد سيجلب لهم تحويلا إلى المحكمة، وربما سنوات في السجن".
وتورد المجلة نقلا عن بهجت، قوله: "في أسوأ الأحوال تتوقع حكما بالمؤبد.. وفي أفضلها ننتظر حكما بسنتين أو ثلاث أو أربع سنوات في محكمة جنائية واستئنافا وإعادة محاكمة، وكما تعلمون فإن جحيم الإجراءات الذي أتقنوه تماما مؤخرا هو بموافقة ضمنية من القضاء".
وبحسب الكاتبة، فإن الحكومة المصرية تستخدم المنع من السفر لمنع وصول حقيقة وضع حقوق الإنسان في مصر دوليا، فيمنع الناشطون من السفر للمشاركة في المؤتمرات الدولية أو حتى استلام جوائز حصلوا عليها، مشيرة إلى أنه يستخدم أيضا للضغط ماديا على الناشطين، مثل مديرة مركز المساعدة القانونية للنساء في مصر عزة سليمان، التي كانت تسافر وتقدم استشارات تستفيد منها ماديا، فمنعت وتخضع حاليا للتحقيق بتهمة التهرب الضريبي، حيث تحاول السلطات تصوير دخل المركز على أنه دخل خاص بها.
وتختم تشيك مقالها بالقول إنه "حتى الناشطون الذين لا يخضعون للتحقيق في قضية ما، فإنهم يخشون أن تداهمهم السلطات دون تحذير أو مبرر".